مازن حلمي*
يطرح القاص محمد عبدالنبي في مجموعته القصصية شبح أنطون تشيخوف عدة قضايا إشكالية في المجتمع المصري في لحظته الراهنة, وقيما جمالية علي مستوي القص لاتقل أهمية.
تنقسم المجموعة إلي قسمين الأول بعنوان أصدقاؤنا الشهور وهو القسم الأطول حيث يضم معظم القصص المعنونة بأسماء الشهور الميلادية, والثاني بعنوان أسلافنا يحتوي قصة واحدة.
القصص في القسم الأول أشبه بنتيجة الحائط, قصة تسلمك إلي أخري, العناوين تتغير والموضوع لايتغير, وهي تعبر عن الحالة السكونية الراكدة للمجتمع.
محاور رئيسية
القاص يناقش دور المثقف ومكانته في المجتمع, المثقف مازال منطويا, هشا, قابعا في المنطقة الآمنة, إنه متفرج لا مشارك, تأثيره لايتعدي جماعته ودائرته الضيقة, ونتيجة لغياب هذا الدور تظهر الأفكار الرجعية التي تم التخلص منها في الماضي لتعود تطفو علي السطح من جديد, وتتلاشي الأفكار التقدمية المستنيرة.
ومن ثم قضية التطرف الديني من القضايا التي تشغل بال القاص, فطوفان التدين الشكلي يجتاح المجتمع, حتي أخذ معه صديقته المغنية مها في قصة مايو مها التي كانت لها حكاية كل يوم مع واحد, صارت منقبة, يسترسل السارد في معرفة أسباب التحول المفاجئ, وتتحول القصة إلي مناظرة بين القاص وأصدقائه أو القاص ونفسه في ديالوج يحاول توصيل الفكرة من خلاله وإن اقتربت حيلته من التنظير ياجماعة المسألة مسألة وعي, الوعي ثم الوعي, ومها لم تبذل أي حهد لتبحث وتتطلع, كانت مجرد بنت صوتها جميل ص26 غياب الوعي جعل عقلية المجتمع أرضا خصبة لكل أنواع سموم الفكر, وآخر سبب يضيفه أن توحش الواقع وانهيار منظومة القيم يدفع الجميع إلي التدين علي الطريقة الوهابية كحل أخير.
ومع شيوع هذه الثقافة التحريمية, تصبح التماثيل مجرد خردة بلا قيمة في قصة أغسطس
سيادة الثقافة الذكورية والنظرة الدونية للمرأة ليست غريبة في هذا المجتمع. فالمرأة مازالت للخطف, والاغتصاب, والرقص, والتسلية في مقابل الرجل: السيد رمز الألوهة أنا مقيدة ذليلة تأكلني الأسئلة, والفتوة يعتلي عرش المركبة, موليا لي ظهره الذي يكاد يحجب سماء الليلة الأولي من العام الجديد ص74 قصة ديسمبر. نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين بعقلية عصور المماليك, والحل لدي الكاتب لن يكون إلا بالثورة لا علي المؤسسات فحسب بل علي هذه الأعراف الفاشية.
تيمة الفشل وعدم التحقق مصير يلازم أبطال المجموعة, فالشاب ناعم الملامح في قصة مارس يقول: أنا واحد فاشل, طالب فاشل, وشاعر فاشل, فشلت في العمل كما يعمل الرجال, وفي الحب كما يحب الرجال. فشلت, فشلت, فشلت في المطبخ وفي الحمام وفي البلكونة ص19.
الرسامة في قصة يونيو لم تبع من معرضها الأول لوحة, ولم يكتب عنها ناقد كلمة ومازالت ترسم. وكذلك الروائي غير المتحقق يعلق فشله علي الآخرين. والفشل أيضا في الحب بين أحمد وحنان وظهور شبح الطلاق بعد الزواح في قصة يوليو, فزهور الحب سرعان ماتموت بعد الاصطدام بأرض الواقع.
مسرحة الأحداث
الحوار عند القاص عنصر أساسي في البناء, يعمل علي تصعيد الحدث ويغوص في أبعاد الشخصية. توجد قصة مبنية بالكامل علي الحوار, لو وضعت أسماء لشخصياتها صارت فصلا مسرحيا قصيرا قصة سبتمبر صحفي سيقابل رجلا تحول إلي امرأة عن طريق صديق, ولتدريب الصحفي علي المقابلة دون توتر يدخلان في لعبة تمثيلية, يقوم الصديق فيها بدور المرأة شيئا فشيئا يكشف الحوار عن الكارثة, أن الصديق هو نفسه الرجل المخنث.
قصة داخل قصة
يلجأ القاص إلي تضفير العمل بقصص صغيرة داخله للتشويق, ولاستدعاء ذكريات منسرية, وجمع منمنمات متناثرة عن الشخصية لرسم لوحات كاملة عنها, يتجلي ذلك في قصة أكتوبر ويصنع حكايات موازية للحكاية الأم تعميقا للدلالة الكلية كما في قصة شبح أنطون تشيخوف.
السخرية
تعد السخرية ملمحا من ملامح الكتابة عند القاص أمام تردي الواقع وسوداويته, تصبح السخرية من الذات والآخر ملاذا ووسلية للتشفي وللارضاء المعنوي. في قصة مارس الشاب الفاشل في كل شيء يعترف أنه ناجح علي الأقل في الشرب. وفي قصة نوفمبر وائل يفقد بصره في عملية لا تستحق, وتنفجر أنبوبة البوتاجاز في خطيبته قبل أيام من الزفاف, وراوي القصة أصلا ابن عمه المنتحر, السخرية صارت أسلوبا لمواجهة العالم, والقدر, والعبثية التي تسير بها الأمور.
ضمير المخاطب هو الغالب في المجموعة يقوم بدور المحرض, والمستفز للمتلقي, يقيم معه علاقة حميمية, القاص يحاور القارئ ويفكر معه بصوت عال, للوصول للهدف, وللتعاطف, وليحملا معا نفس الهموم. لغة القاص الأثيرة هي اللغة الشفاهية, مما يجعل القصص صالحة للإلقاء, هو يريد أن يقصر المسافة بين اللغة الكتابية واللغة الدارجة اليومية, وبين الكاتب والمتلقي كأنه يريدك أن تسمع إن لم تكن تقرأ. وبالتالي تكثر الكلمات العامية في المتنمثل يضرب بوز/ البهدلة/ يكون بخيره/ الخلف. توحد ربنا/. عقل بالي/ تمرش. تصبن. تدعك/ لاسمح الله/ حق جاه النبي/ لايودي ولايجيب.. أحيانا تنحو إلي الشاعرية مثل أنا عنزتك إذن, العنزة التي لم تكن لك قط, في المزرعة التي ظلت حلما عابثا, من بين أحلامك التي بلا أي أساس واقعي. احتضني إليك العنزة الوحيدة مثلك, ودعيك من الرجال الطامعين.
ــــــــــــــــــــ
* كاتب وناقد