ديوان ” شباك أم رضا ” مقسم إلى خمسة ابواب هى من كام سنة، شباك مقفول، وحدي، قلب وحيد، تايه في المولد ويتكون من اثنين وثلاثين قصيدة تتراوح مابين الطول والقصر، يبدأ الديوان بقصيدته الرئيسية التى تحمل اسمه ” شباك أم رضا، يقول الشاعر: أول مرة دخلت / كارفور/ انبهرت واتاخدت/ وقلت لنفسي ../ ياه ..ده موجود فيه / كل حاجة/ الحاجات اللي نفسي فيها/ واللي عمري ما كان نفسي فيها، هكذا البراءة والطيبة والطفولة والاعجاب والتصريح بها والمدلول على ان النفس الشاعرة بنت طبقة شعبية بسيطة تعجب وتنبهر كلية بما تراه ماثلا امام عيونها البريئة، ويقول:أول ما دخلت لقيت / “كارفور” بيناديني ويقول لي / اللي يعجبك خده / ولقيتني مش عجباني حاجة / في اللحظة دي/ افتكرت شباك أم رضا / اللي كان في الشارع اللي ورانا/ مفتوح على قلوب كل العيال، وهكذا تحيلنا كاميرا الذكريات والطفولة السعيدة لشباك ام رضا القابع فى الحى الشعبى البسيط الغنى عاطفة وحبا وسعادة بكرم وجدعنه اهله، ويقول:كان حلمي أشب/ وأطول الشباك / أقف فيه وادي العيال/ الحاجات الحلوة/ ببلاش، هذا هو حلم البسطاء والاطفال اسعاد الاخرين وياله من حلم ، ويقول الشاعر : أم رضا ../ ست طيبة/ الملايكة واقفين/ على شباكها من الفجر لحد العشا/ وهي بتصلي وتدعي/ بعد العشا الملايكة يروّحوا/ وتتغطى هي بالرضا، قصيدة مفعمة بطاقة هائلة من الحب وبساطة رائعة ف التناول وعمق فى الرؤية ، ويختتم قصيدته قائلا:ما عرفش ليه / لما دخلت كارفور/ ماكانش نفسي في حاجة/ غير إني أرجع طفل يشب/ نفسه يشتري أحلام/ ومش عارف ليه ماحلمتش/ يبقى عندي زي كارفور/ أدي منه للعيال كل حاجة .. من غير حساب/ يمكن عشان كارفور/ مش في طيبة أم رضا / ولا علشان أحلامي ماتت ..؟/ لما ماتت ام رضا !!!، وتكمن روعة القصيدة انها تمس بداخل كل منا شخصية تتماثل مع نفس شخصية ام رضا وهى قابعة بالذاكرة تذكرنا دائما بالايام الحلوة ايام الطفولة السعيدة التى لايمكن مطلقا ان تعوض، وفى قصيدة “عيل في حجرك” يقول الشاعر: لما بدخل بيتك / بلاقيكى قاعدة على الكنبة/ وعيل صغير/ في حجرك/ بتحكيله عن سلامة الهلالي / وعنترة ومجنون ليلي / ماجاش في باله/ إنه هيبقي شاعر / ويكتب قصيدة في حبك، قصيدة مفعمة بالصدق وتحوى معنى الحنين الانسانى النبيل، وماتحمله النفس من شجون وآلام للفقد والبعد واللهفة للعودة الى الجذور ، فمازال قلبه ينبض بالحب والعشق والشغف لكل شىء قديم وجميل ، وفى قصيدة”الواد الاسترجي” يقول: الورشة ساكنة في الكراسة/اللي بيكتب فيها أشعاره/ نايمة على سريره/ في استديو 31/ في الشنطة اللي شايلها / دايما على كتفه/ في الكتب اللي بيقراها/ في الشارع.. في الأتوبيس، تطوف بنا النفس الشاعرة فى بانوراما ذكريات الماضى القريب البعيد الذى شكل شخصية تحمل رهافة وعذوبة وصفاء الشعر وعطره الفواح، من خلال صور مبتكرة تقف امامها فى حيرة شديدة ودهشه ، إن لم تستطيع أن تتفاعل وتتعاطف معها بقوة ، فهى تقف على مقربة منك تكاد أن تتماس مع ما تحياه ، ولاتستطيع الفكاك منها بسهوله، وفى قصيدة “بيحدف أحلامه بالطوب” يقول الشاعر: واحنا بنضحك/ نفتكر “هيما” وهو بيجري/ نفضل نبكي/ ندعي له، ونقرا الفاتحة/ ونتواعد إننا هنزوره / يوم الجمعة / وتعدي جمعة، ورا التانية/ ولاحد يزوره/ نسيناه لكن هو، لسه فاكرنا/ وبيلعب كورة في الملعب / ويحدف أحلامه بالطوب/ عمال يجري/ واحنا وراه / لكن لسه ماحدش فينا/ قادر يوصله، ، رؤيا كاشفه فاحصه بعين خبيرة ، تمتلك ابعاد إنسانية لقضايا وتحولات البشر ، وتجيد ايضا تعرية الواقع وتجريدة من الزيف ، رؤية لاتهوى أنصاف الحلول واللعب بالألوان، وفى قصيدة “انطونيو كوين بيقلد جدك” يقول: بتجمّع صورة جدك/ الميت قبل ما/ كنت تشوفه/ واللي مالوش / صورة على جدران بيتكم/ ولا في الجرنان/ ولا نشرة تسعة/ كل اللي تعرفه عنه/ حكايات أبوك/ وجيران الحتة/ كل ماتشوف / أنطونيو كوين / في عمر المختار/ تلاقيه بيقلد جدك / في طيبته ../ جلابيته البيضا/ في عصايته ../ وشعره الأبيض ../ وف ضهره المحني، ، برغم الأسى والحزن الذى يحوم حول القصيدة ، إلا أنك تشعر بأن هناك مزيج ما بين السهولة والبساطة فى التناول مع العمق فى الرؤية والتجربة ، وأن الشاعر من خلال رحلته مع الحياة اكتساب الكثير من الخبرات التى إستطاع ببراعه وتمكن أن يوظفها فى تجربته الشعريه ويضفى عليها المزيد من الخصوصية والتميز.،وفى قصيدة “الوله حمو” يقول: مسعود ما كانش / في باله/ إن بيره هيبقى/ بيت للعشاق/ وحمو وأصحابه/ هياخدوا/ أحلام الناس/ من قلب البير/ للبحر اللي بتاخد أمواجه/ حلام الليل / وتعدي بيها/ لصبح جديد، قصيدة تحمل المفارقة والدهشة مكتوبة بعفويه ونقاء وبراءة ، من خلال لغة ومفردات خاصه ، مع إجادة توظيف الاماكن التى نعشقها جميعا ولدى الكثير منها ذكريات معها، وفى قصيدة “الموت في عنبر 13” يقول: السرير جنب السرير/ رغم اختلاف المرض / بس الألم واحد/ نفس الألم اللعين/الموت لمادخل /هيه قالت خدني أناهوّ قال ../خدني أنا/الموت اختار على كيفه/ ا خ ت ا ر، تحمل القصيدة دفقات من الأسى والحزن ، والشاعرابدع فى ذلك فهو جاد فى تجربته ولا يقع فى فخ التداعى واستسهال الكتابة والجرى وراء الموسيقى ، بل يصيغ قصيدة بحرفية عالية ، وبالتالى لا ينظر إلى قصرها أو طولها ، بل ما يشغله دائما أن تصل فكرته إلى القارىء من اسهل وابسط الطرق .
وفى قصيدة “على قهوة الأزهر” يقول: عسكري المرور / واقف يبكى / على عربية عملت حادثة / خبطت فرقة الاسماعلية / وهى بترقص / والناس من حواليه / عمالة تضحك / والفرقة بتغنى وترقص / وهيه بتموت / مش عاوزة تضيّع لحظة على الجمهور / والجمهورعمال بيسقف / على موت الفرقة..والغورى../ والناس ع القهوة ، هنا يجيد الشاعراستخدام أدواته على مستوى الرمز بكلمات قليله موجزه تترك خلفها الكثير من المسكوت عنه ، وفى قصيدة “نضارة جديدة” يقول الشاعر: وف عز الضهر/شايف الدنيا/ ضلمة/مع إن الشمس أهي طالعة/ لكن وشها/ أسود من وش / هباب الفرن/ الفرح الساكن جوايا/ اتحول حزن كبير/ بيساع أحزان العالم/ والفايض منه بيفرقه / على كام كوكب/ حوالينا../ نفسهم في شوية /أحزان من عندي، قصيدة مكثفة ذات أبعاد وحرفية فنية عالية ، استطاعت أن تصيب الهدف بأقل الكلمات ، وتطرح قضية المهمشين فى الأرض بدون صخب أو إفتعال ، وفى قصيدة “نص رغيف مش لاقي نصه التاني: يقول الشاعر: قلبك خربان/ مهجور/ مش لاقي حد/ يسكن فيه/ ينور حواليه/ فوانيس الفرحةالمطفية/ ينقش على ورقة/ حواديت العشق/ الغايبة عنك/ كام سنة، ، قصيدة غاية فى الإحكام والبناء ، تجعلك تشعر بالقوة فى عز حالات الضعف ، تومض بالحكمة والبلاغة والمعرفة فى سلاسة وبساطة وسهولة، ويقول ايضا: إحساسك انك / نص رغيف/ مش لاقي / نصه التاني/ علشان يتكمل/ بيهم دايرة كبيرة/ مرسومة ببرجل/ بتساع كل الحب/ الباين في عيون / الناس الماشية / على الكورنيش/ والقاعدة ف سينما / كوزموس/ والنايمة في المترو/ الجاي م المرج / ورايح على حلوان، هنا تجد التقاط معانى البوح و ما تحمله النفس من مرارة وغربه وضياع فى عالم كبير موحش لايستطيع أن يحيا فيه حياه كريمه، وفى قصيدة “المولد بلكون ف سينما مترو” يقول: كشاف النور /المتداري ورا توب/ الضلمة/ بيطرطش نوره/على روحك / السايبة جسمك/ والطايرةعلى ضهر سحابة/ بتابع حكايات المولد / ولقيتك واقف في المولد/ وبتحلم انك ترجع / عيل على كتف أبوك/ وعليك المولد يتفرج، مفردات خاصه لها طعم ولون مختلف ، تثير داخل النفس الأسى والشجن وتكاد تحس بالحميميه تقترب من عالمك من خلال صور جيدة معبرة تدخل الي القلب مباشرة، لقد طوف بنا الشاعر أحمدعلى عكة وامتع قلوبنا وعقولنا من خلال قصائد ديوانه الاول ، وقدم لنا تجربة ثرية تبشر أنه قادم بقوة فى سماء شعر العامية المصريه ، ونحن فى إنتظار تجاربه الجديدة المقبلة .
