محمد مصطفى الخياط
كانت تجلس في الغرفة الداخلية تحيك شالاً صوفيًا استعدادًا للشتاء القادم، عندما سمعت كأن طرقًا خفيفًا على بوابة البيت، تجاهلت الصوت، ظنته وهمًا؛ فمن ذا الذي يطرق بابًا أُوصِدَ منذ سنين وتراكم عليه غبار الأيام، عاودت العمل في الشال الرمادي اللون كما اعتادت في مواسم الخريف الماضية، ففي كل موسم تغزل شالاً للشتاء القادم.
مررت الإبرة المعدنية الطويلة في الصوف برتابة لا تتغير، زَمَتْ فمها وقد توقفت كفاها الصغيرتان عن الحياكة وتطلعت بعينيها في اتجاه البوابة وتمتمت في نفسها؛ (لا يمكن أن تكون هذه المرة وهمًا أيضًا).
أبقت كفيها متجمدين دون حِراك وأرهفت السمع تحسبًا لسماع الدق مرة أخرى، لكنها وعلى غير إرادة منها فتحت عينيها بقدر اتساعهما، ورسمت ملامحها دهشة المفاجأة، إذ كان الدق يأتي هذه المرة من صدرها في إيقاع منتظم متناغم مع الطرق على البوابة.
وضعت خيوط الصوف والإبرة المعدنية جانبًا، ابتلعت ريقًا جافًا لم يمسسه المِسك منذ سنوات، تحركت في حذر نحو باب الغرفة وفتحته، بدا الطرق على البوابة متعدد النغمات والإيقاعات وأكثر وضوحًا، ما أذهلها أنه رسم مع إيقاعاتها الداخلية نغمًا لطيفًا ذَكَرَها بأغنية مشهورة عنوانها (ثلاث دقات).
كلنا يعرف أن المعجزات يمكن أن تتحقق، لكننا عندما نجدها واقعًا يصيبنا الذهول. ضمت كفيها الصغيرتين أمام فمها كأنما تُصلي، دمعت عيناها، سرت رعدة خفيفة في خلاياها، وبكل ما أوتيت من قوة اندفعت صوب البوابة تفتحها، كانت على يقين أن الشتاء القادم لن يحتاج شالاً جديدًا.