موقع الكتابة
كان أنور وجدي يعيش حياته الشخصية كأنها جزء من فيلم سينمائي، لذا قرر أحمد عبد المنعم رمضان في كتابه الأخير “صورة مع أنور وجدي” والصادر عن دار آفاق بالقاهرة، أن يروي سيرة نجم مصر الأول في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، في سرد يأخذ من السينما تقنياتها، فقسم كتابه إلى مشاهد تنتهي بـ”قطع”، ونزول التترات، فضلاً عن “زووم إن” نهائي وأسماء فصول هي أسماء لأفلام شهيرة.
ربما يكون هذا هو الكتاب الأول الذي يقترب من حياة أنور وجدي، الممثل المثير للجدل في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط لأنه واحد من أهم رموزها وصانعي نجومها، ولكن لأن حياته الشخصية اختلطت إلى حد كبير بهذه الصناعة، فلا يكاد يذكر إلا وتذكر مشاكله مع ليلى مراد، وبخله وزيجاته المتعددة، وخلافاته مع شركات الإنتاج المنافسة، لدرجة أن هذه المشاكل طغت على دوره الفني، فلم يعد أحد يذكر سوى تلك الخلافات ويهمل ما قدمه للسينما، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، الذي يعيد تسليط الضوء على أنور وجدي منطلقاً من دوره المؤثر في صناعة السينما المصرية، وارتباط هذا الدور بكل الخلافات التي جاءت بعد ذلك، كأن المؤلف يقول لنا: لا تنظروا إلى المشكلات وحدها، انظروا إلى مسبباتها، إلى وجهة نظر صانعها ثم احكموا.
هل يتعاطف المؤلف مع أنور وجدي إذن؟ لا يدّعي الكتاب ذلك، بل يقدم سيرة الممثل والمخرج والمنتج والمؤلف أنور وجدي السينمائية والشخصية في مزج لا يمكن فصله، يحكي عن رحلته في الصعود من القاع إلى القمة، يحكي عن قصص حب المتعددة، يحكي عن أفلامه الأولى والأخيرة وقبوله في بعض الأحيان أدواراً ثانية لإنجاح الفيلم، يحكي عن نجوم قدموا معه مشهداً واحداً عندما كانوا كومبارساً، ثم قدم معهم بعد ذلك أدواراً صغيرة ليساهم في صناعة نجوميتهم، يحكي عن عشرات النجوم الذين صنعهم وصعد بهم إلى القمة، يحكي عن محبته لأساتذته في السينما، يحكي عن رغبته في صناعة سينما مختلفة ومؤثرة، ورغبته في الحفاظ على نجاحه وتقدمه للصفوف، يحكي عن رحلته المؤلمة مع المرض حتى الموت، لا ينكر كونه “بكّاشاً وكلمنجياً”، لكنه استغل كل ذلك من أجل أن يصنع المزيد من الأفلام، حتى خلافاته مع ليلى مراد، وغيرها، لم تأت إلا على خلفية رغبته في الحفاظ على تميز أفلامه ونجاحها. لا يقول أحمد عبد المنعم رمضان: تعاطفوا مع أنور وجدي، لكن لا يمكنك أن تخرج من الكتاب إلا وأنت متعاطفاً معه، سينمائياً لدوره المهم والمؤثر، وإنسانياً مع الشخص الذي ردّ على معايرة كمال الشناوي له بأنه “ممثل بكرش”، بقوله: “قول عليا أي حاجة، قول إني مبعرفش أمثل، إن شكلي وحش، بس مالكش دعوة بكرشي، أنا أولاً مريض، ثم أنا كنت رجل فقير وتعبت على ما اغتنيت وبقيت قادر آكل اللي نفسي فيه، أنا فخور بكرشي”.
لا يقدم أحمد عبد المنعم رمضان في كتابه سيرة أنور وجدي فقط، بل يقدم بانوراما شاملة لسيرة مصر والعالم في آن، فهو إضافة إلى أنه يحرص في كل فصل وبداية كل عام من حياة أنور وجدي أن يذكر ما حصل في العالم في تلك السنة، يقدم عشرات الحكايات عن نجوم الثقافة والمسرح والفن، وعن صناعة السينما في تلك الفترة، والتي تكشف مدى تأثير أنور وجدي فيها، حيث كان يرى أنها لا تقل عن مثيلتها في العالم، لدرجة أنه حينما نصحه أصدقاؤه استيفان روستي وحسن الصيفي وكامل التلمساني أن يؤجل عرض فيلمه “ياسمين” لأن الفيلم الأمريكي “شمشون ودليلة” من إخراج سيسيل دي ميل سيعرض في الوقت ذاته، رد عليهم “أنا فيلمي أكبر من شمشون ودليلة”.
لا يُذكر أنور وجدي إلا وتذكر أفلام “غزل البنات”، و”دهب”، و”ليلى بنت الفقراء”، و”عنبر”، و”قلبي دليلي”، و”أمير الانتقام”، وجميعها من علامات السينما المصرية، وتبدو حياة أنور وجدي فعلياً أقرب إلى تلك الأفلام، حيث ذلك البطل خفيف الظل، النصاب الظريف، الذي بدأ من القاع، حيث الحب والغرام والهجر، حيث الانفعالات الصاخبة، واستطاع المؤلف أن يحكي سيرة تلك الأفلام وسيرة صانعها بدون افتعال، وبجمال حقيقي.
رغم أن الكتاب شديد السلاسة والإمتاع في قراءته، مكتوب بروح تقترب من روح أفلام أنور وجدي شديدة البساطة والجمال، فلا تستطيع أن تتركه إلا بعد أن تنهيه تماماً، إلا أن الجهد الكبير المبذول في الكتاب يبدو واضحاً، في المعلومات التي يذكرها المؤلف بتلقائية شديدة تكشف عن معلوماته الموسوعية عن تاريخ السينما، واقترابه الشديد من شخصية وأفكار وطموحات أنور وجدي، فيبدو كأنه يلتقط صورة سيلفي له مع نجم مصر الأشهر في تلك الفترة، وفي الخلفية يظهر عشرات النجوم الذين لا زالوا يلهموننا بما قدموه حتى الآن.