د.أحمد نبوي
كنتُ مندهشًا، ولا زلتُ، كيف لمثقّفٍ واحدٍ أن يقوم بكلِّ هذا الجهد، وهذا العملِ الثقافيِّ الفريدِ المُجهدِ بكلِّ تجردٍ وحبٍّ وإخلاصٍ، يحتوي ويُرحّب ويُضيف بإيمانٍ ومحبةٍ.
العملُ الصحفيُّ الثقافيُّ مُرهقٌ ومُجهدٌ من ناحيتين:
أوّلًا: القراءةُ والاختيارُ مُرهقان ومُكلفان ذهنيًّا وعصبيًّا.
ثانيًا: التعاملُ مع المبدعين يحتاجُ إلى ثقافةٍ نفسيةٍ فريدةٍ، ناهيك عن ضعفِ التمويلِ والإنفاقِ على الصحافةِ الثقافية.
لم يشغله كلُّ ذلك، وآمن برسالتِه، وأخذ على عاتقِه الاستمرارَ بعد تجربته الرسميةِ في العملِ الثقافيِّ الحكومي، فأصدر مجلَّةَ “ميريت”، واستمرَّ وفريقُ عملِه المناضلُ بتجرّدٍ فريدٍ، وتحمَّل ما تحمَّل من جهدٍ وإنفاقٍ دون كللٍ أو مللٍ.
عُرضت عليه بعضُ المساعدة من الأصدقاء إيمانًا منهم بأهمية هذا المُنجز الثقافي، لكنَّه لم يشأ أن يُجهد أصدقاءه، واستمرَّ إلى أن اضطرَّته الظروفُ للتوقفِ عن إصدارِها.
وكم كنتُ أتمنى أن تقوم إحدى المؤسَّساتِ بتبنِّي هذه المجلَّةِ الفريدة، التي تفردت في نمطِها، وحققت حراكًا ثقافيًّا لمسه المتابعون على المستوى العربيِّ كلِّه.
إلى جوار ذلك، لم ينسَ دورَه مبدعًا طليعيًّا، فهو الشاعرُ الذي اختطَّ لنفسِه أسلوبًا خاصًّا به، يعزف على أعصابِ الكلمات، ويرصد تجربتَه الإنسانية، متفانيًا في العطاء.
سمير درويش مثقّفٌ فريد، إنسانٌ لا يعرف لغةً غيرَ لغةِ العطاء، محركٌ ثقافيٌّ، وشاعرٌ متفرّدٌ ينكأ الجراحَ بمبضعِ الكلمات، وروائيٌّ يرصد ويُعري ويُومئ ويوقظ، ويُلقي حجرًا في مياهِ النفوسِ الراكدة.