تدور الرواية حول الشخصيتين المحوريتين “أكرم” و”مازن”. وكلاهما انعكاس للآخر، شابين من نفس العمر، تجمعهما الوحدة والعزلة، وخواء الحياة وضياع الهدف، بينما ينتميان إلى شريحتين اجتماعيتين مختلفتين. ينحدر “أكرم” من أصول قروية بسيطة، ويعيش في سكن بسيط في حي شعبي بالقاهرة، وينتمي “مازن” إلى شريحة اجتماعية عليا، ويعيش في حي راق من أحياء القاهرة. يترك “أكرم” وظيفته المملة ويتعلق بحب قديم من أيام الجامعة، وينتظر وظيفة في بلد عربي من خلال صديق له، ويحاول أن يستكمل رواية كان قد بدأها، ويعمل “مازن” بتصوير البورتريه الذي يهواه، ويعيش حياة لاهية بلا مشاكل. وفي نقطة محورية من السرد يدرك كل منهما خواء حياته ويسعى إلى بداية جديدة. يشعر “أكرم” بالذنب لظنه أنه المتسبب في حادث سيارة أودى بحياة حبيبته وزوجها، ويفقد مازن إحدي عينيه أثناء تصوير الانتخابات مجاملة لصديق له وينفصل عن صديقته. “أكرم” و”مازن” يجمعهما عدم التحقق وعدم الإنجاز، كل منهما يكتب رواية بطلها الآخر، في محاولة لكشف مكنون النفس واستجلاء الوعي، فتتقاطع الحكاياتان أحيانًا وتنفصلان أحيانًا أخرى. فمن منهما الشخصية المحورية الأساسية في الرواية، من يكتب من؟ ورغم أنه ليس سؤالًا محوريًا في الرواية إلا أنه محور السرد الذي تتجمع حوله كل الخيوط. يتبادل “أكرم” و”مازن” الأصوات في الرواية. فنقرأ فصلًا عن “أكرم” بضمير المتكلم يليه فصل آخر عن “مازن” بضمير الغائب”.
تُستهل الرواية بصوت “أكرم” يحكي بضمير المتكلم. ومنذ الصفحات الأولى نعرف تعلق “أكرم” بمشروع كتابة رواية تحمّل في سبيلها وظيفته المملة التي ظن أن “هدوء أجوائها” سيتيح له استكمال الرواية: “فمع حجم الأعباء التي تحملتها لسنوات في سبيل الاحتفاظ بوظيفتي في المكتب المقبض، بعدما فشلت في الحصول على وظيفة أفضل منها، ولأنني افترضت أن هدوء أجوائها سيسمح لي أخيرًا باستكمال كتابة روايتي الأولى المتوقفة منذ أمد، فقد بدت غريبة – إذا – تلك البساطة التي غادرت بها المكتب من دون رجعة.” ويلح “أكرم” على مشروعه الروائي وشخصيته المحورية، المصور الفوتوغرافي “مازن”. فيرى من فوائد استخدامه الميكروباص والمترو في تنقلاته “الاستماع لحكايات الناس وربما خوض خبرات جديدة” تفيده “في استكمال الرواية”. وفي نهاية ذلك الفصل يؤكد “أكرم” ثانية على إنشغاله بالرواية: “أغمضت عيني قليلا وحاولت التفكير في تطور درامي مناسب للورطة الفادحة التي أوقعت فيها المصور مازن، بطل روايتي…” وبذلك يلقي الكاتب بطرف خيط في هذا الفصل الاستهلالي، ويهئ القارئ لاستقبال الشخصية المحورية الأخرى، المصور “مازن”، في الفصل التالي بوصفه بطل الرواية التي يكتبها “أكرم”.
ويبدأ الفصل الثاني في سرد حكاية “مازن” بضمير الغائب. ويستغرق الكاتب في إيهام القارئ بأن “مازن” بطل رواية “أكرم” وإنعكاس” لشخصيته. كلاهما يعيش الوحدة، وكلاهما يرى نصف العالم دون النصف الآخر. يحكي “أكرم”: “تركت المصور مازن على الأرض لا يعرف مصيره ولا أنا كنت أعرف، جربت العديد من الطرق والمسارات وألغيتها، وكيف لي أن أعرف مصيره وقد صنعت صاحبه لا يمت لي بصلة اللهم إلا وحدة اختلفت أسبابها، والآن أحدق في السقف حيث لمبتي النيون احترقت منهما واحدة وبقيت الأخرى تمدني بنصف ضوء، أيأس من الكتابة فأتمدد مجددًا في الفراش ويتسلل إلىَ النعاس أخيرًا فأنعم برحمته.” أما “مازن” فلم يعد يرى بعد حادثة فقد إحدى عينيه سوى نصف العالم المواجه لعينه اليسرى السليمة، أما نصفه الأيمن فلم يعد سوى “ظلام وطرف أنف”. ويستمر خداع القارئ حتى قرب نهاية الرواية ليفاجئ بمحاولة “مازن” أن يكتب حكايته، بعد أن أقنعته بذلك “فاتن”، الفتاة النقية التي تعرف عليها في “المدينة السياحية البحرية”: “لم يعرف هل عليه أن يكتب عن نفسه مباشرة، ثم تساءل فجأة عن السر الذي يجعله يفكر في التجربة كرواية لا كأسلوب علاج وتنفيس، واعترف لنفسه أن السبب هو فاتن، لا لحديثها عن سيناريو فحسب بل لأن شيئًا طفوليًا فيه أراد أن يبهرها.” وتروق له فكرة “فاتن” بأن يكتب عن نفسه كأنه شخص في رواية شخص آخر: “وظل يتخيل هذا الشخص، اختار أن يكون شابًا في مثل عمره، ولكن له ظروف معاكسة، شاب غير متحقق، يعاني ماديًا، أصوله من خارج العاصمة، يحاول أن يتم روايته الأولى بلا جدوى…. بدت لعبة لطيفة لمازن أن تبدو أحداث حياته وتجاربه كمجرد انعكاسات لأزمات بطله أكرم.”
برع الكاتب في إيهام القارئ أو خداعه. وربما أراد بذلك التأكيد على مدى تداخل الواقع والخيال معا واختلاط العالمين، وغياب الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال. في “سماء أقرب” تتداخل أحداث الواقع مع الأحلام التي لا تخلو من كوابيس كافكاوية مفزعة. يبحث “أكرم” و”مازن” كلاهما عن سماء أقرب تنقذهما من وطأة الواقع وكوابيس الأحلام. يجد “أكرم” ضالته في السفر للعمل بدولة عربية، ويعثر عليها “مازن” في الفتاة النقية “فاتن”، التي يخشى أن تكون حلمًا جميلًا نسجه في خياله للهروب من واقعه المأزوم. في الفصل قبل الأخير من الرواية يخرج “مازن” مع “فاتن” لمشاهدة الاحتفال بنقل “التمثال الفرعوني الضخم من ميدانه الشهير إلى المتحف الجديد”، وبينما ينضمان بسيارتها إلى “آلاف السيارات التي تتبع التمثال في رحلته الأخيرة” يسأل “مازن” فجأة: “رحلة التمثال موعدها اليوم حقا ولكن في وقت الفجر تجنبًا للازدحام، كيف نمشي فيها الآن والساعة لم تتخط الثامنة مساء؟” ويواصل والدموع تغرق وجهه: “أتمنى أن أكون نائمًا في بيتي الآن وأن تكون رحلة التمثال مجرد حلم، أفضل أن يكون هذا حلمًا عن أن تكوني غير موجودة أبدًا سوى في عقلي منذ البداية”.
بروايته الأولى “سماء أقرب” استطاع محمد خير أن يقدم عملًا إبداعيًا متميزًا يستحوذ على فكر القارئ ومشاعره حتى الصفحة الأخيرة.