سفر في سفر: الأسفار الأربعة  لميرفت رجب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 71
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د.خالد عاشور

سفر في سفر عنوان ملغز؛  من الممكن أن يُقرأ بفتح السين والفاء بمعنى  الترحال ويقرأ بكسر السين وتسكين الفاء بمعنى الكتاب، في إحدى الكلمتين أو كلتيهما.

وإذا كان الكتاب والسَفر مصدرين مهمين من مصادر المعرفة والتثقيف، فذلك هو ما يخرج به قارئ هذا الكتاب الممتع الذي تطوف بنا مؤلفته الأستاذة ميرفت رجب من خلال أسفارها الأربعة: سفر البلدان وسفر الرجال وسفر الأفلام وسفر النفوس؛ تطوف بنا على عوالم مختلفة ومؤتلفة من المتعة والتثقيف والإدهاش والروعة، وكأنك دخلت مدينة مسحورة من مدن ألف ليلة وليلة  تخرج منها مسحورا بما رأيت وشاهدت وسمعت.

الكتاب خليط فريد من السيرة الذاتية والسيرة الغيرية وأدب الرحلات والنقد السينمائي والتأملات والتوثيق والتصوير الأدبي لشخصيات ومواقف وبلدان.

السفر الأول هو سفر البلدان وهو نموذج لأدب الرحلات القليل إنتاجه فى أدبنا العربي الحديث، غير أن الكشف الحقيقي فى نموذج ميرفت رجب لأدب الرحلات هو اقتحام القارة الإفريقية بقلمها وإزاحة الستار لنري من ورائه هذا العالم العجيب الغريب الجميل في قارتنا السمراء من خلال عيني المسافرة المحبة لقارتها.

 وودت لو أن كل مصري قرأ ما كتبت الأستاذة عن إفريقيا وكيف كتبت، ليغير من صورةٍ نمطية شائهة رسخها الإعلام السطحي والدراما التافهة عبر سنوات طويلة فأصبح كل ما هو أسود مثار سخرية وتندر، إلي أن حصدنا ثمارا مُرّة – من وراء هذا الوعي الزائف الذي تَشكّل ورسخ – تمثل فى أزمة سد النهضة مرة وتمثل مرة أخرى فى تغلغل صهيونى فى الفراغ الإفريقي، ذلك الفراغ الذي كانت تملؤه مصر يوما، ولذلك سياق آخر من الحديث

صوت أنجولا، الخشونة، سبت الكنس (المقال الأخيرمنشور فى كتاب سفر الحماقة وهو يعد مكملاً لكتابنا هذا)  مقالات تشرق فيها مع الأستاذة وتغرب في ربوع إفريقيا لتزور أنجولا وجنوب إفريقيا ورواندا وغيرها، تطالع من خلالها وجها آخر لا نعرفه لهذه القارة العظيمة، وجه عذب، متحضر، نظيف، راقٍ، وليس متخلفاً موبوءاً، يستتر بورق الأشجار ليرقص مجنوناً، كما صوره الإعلام المغرض.

انظر مثلاً وهي تتحدث عن أنجولا: “..نعم قبلنا المهمة بالرغم من الأنباء التي طالعناها على الشاشات الغربية، وجدناها تختصر أنجولا في صور مفزعة عن مرض، قالوا إنه وباء، لكن ذلك لم يجعلنا نتردد، ويبدو أن رغبة تاريخية دفعتنا إلى الذهاب، لعلنا نطمئن على جزء عزيز لابد هو جميل، فهذا عهدنا بكافة ربوع قارتنا الجميلة، وربما كذلك تكون أنباء الوباء مبالغة، فهذا أيضاً عهدنا بالإعلام الغربي، يبالغ ويشوه كأنما ليثني عزم الراغبين في استكشاف جديد لخير قارتنا وإبداعها، لتبقى لقمة سائغة.. وهكذا جاء صوت الأخ العزيز أنطونيو سوزا وبهدوئه الواثق بشرنا بأن كل المخاوف زائلة وأن أرض أنجولا وأهلها يدخرون لنا من أسباب المسرة ما يفوق كل خيال.. وهكذا جاء صوت.. هو مجرد صوت لكنه عندي يحمل كل أسرار سحر أنجولا”.

وفي مقال (سبت الكنس) تبدأ الكاتبة مقالتها عن  رواندا على هذا النحو المشوق: “هو السبت الأخير من كل شهر ذلك الذي أسميه سبت الكنس، أما اهل رواندا فيطلقون عليه (أوموجاندا) وفي يوم السبت الأخير من كل شهر يخرج الناس فى كل أنحاء رواندا إلي الشوارع ويقومون بكنسها. وحين أقول الناس أقصد بالكلمة كل الناس من أكبر رأس إلى أصغر قادر على الكنس فى عموم البلاد. ولقد حضرت بنفسي هذا الخروج الشعبي ثلاث مرات، أول مرة 2006 وثاني مرة 2016  وثالث مرة 2017”

فضلا عن ذلك تأخذ الأستاذة بيدنا إلي رحلات أخرى خارج إفريقيا مثل اليابان وماليزيا وإيران (ولنا عودة إليها) واليمن والجزائر وكا زاخستان.

السفر الثاني هو سفر الرجال وفيه تطلعنا الأستاذة على جانب من تاريخ الإعلام المصرى فى عصره الذهبي من خلال أعلامه التى هى واحدة منهم فنقرأ عن رشاد أدهم وفهمي عمر وفاروق شوشة وصلاح زكي ومحمد عروق ود٠مهدي علام وغيرهم

وفي هذا السفر توثق الأستاذة لصفحة مهمة من تاريخ الإعلام المصري كانت شاهدة عليها بل كانت طرفا فيها وهي تلك التي ترصد وقفتها بين يدي الرئيس الأسبق حسني مبارك لتقول كلمة حق وبأعلي صوت اعتراضا علي تمرير عدد من المذيعين غير المؤهلين عبر الأبواب الخلفية لصلات تربطهم بمسئولين ومتنفذين في الدولة (واحدة من هؤلاء المذيعات أخطات أربعاً وأربعين خطأ في أقل من خمس دقائق)، وذلك بحكم منصب الأستاذة في ذلك الوقت ككبيرة للمذيعين في قطاع الأخبار ومسئولة عن إجازة الوجوه الجديدة من المذيعين (عام 1996).

توثق الأستاذة هذه الواقعة غير المسبوقة ولا الملحوقة في تاريخ الإعلام المصري  في مقال بعنوان 🙁 د. مهدي علام)، وحسنا فعلت حتي لا ننسي وحتي يذكر التاريخ أن الإعلام المصري كان فيه وقتا ما أشخاص ظلوا يدافعون عن القيمة والمبدأ ما وسعهم الجهد دون النظر إلي العواقب التي يمكن أن يجرها عليهم ذلك، وهو ما لقيته الأستاذة  بالفعل في لحظة بالغة السوء في تاريخ ماسبيرو حيث لقيت جزاء سنمار كما قال فاروق شوشة في مقدمته الجميلة للكتاب.

ولكن ينطبق عليها ما قاله لها الدكتور مهدي علام العميد الأول لدار العلوم عندما وقفت بين يديه في لجنة اختبار المذيعين الذي اجتازته بترتيب الأولى؛ حيث قال لها:

 “قومي يا بنتي ما خابت امرأة عرفت قدر نفسها”.

في سفر الرجال أيضاً نقرأ عن شخصيات إعلامية وأدبية طوي بعضها النسيان فجاءت الأستاذة وفاء لعهدها معهم ونفضت عنهم غبار النسيان وذلك مثل مقالها الممتع عن رشاد أدهم الذي سمعنا عنه عندما التحقنا بإذاعة صوت العرب وعن تميزه كأحد أساتذة الأداء في مدرسة صوت العرب وبرنامجه الشهير (نِمَر) لكنني فشلت في أن أجد شيئا يشفي غليلي عن سيرة هذا الرجل (مقال الأستاذة عن برنامج نِمَر في كتاب سفر الحماقة)

كذلك نقرأ في سفر الرجال توثيقا لبرامج /علامات،  في تاريخ صوت العرب والإذاعة المصرية مثل برنامج “قصة عربية” التي قدمته الأستاذة واستضافت فيه د.يوسف إدريس علي مدي عشرات الحلقات نقدا لقصص قصيرة لكتاب ينتمون لأقطار عربية عدة مع تحويلها لدراما إذاعية، وهو جهد ليس سهلا لمن عرف فن الكتابة للإذاعة، وهو جهد ليس أقل من الجهد الذي بذلته الأستاذة في إعدادها وتقديمها لبرنامج “ثمرات الأوراق”، وهو جهد يرتقي للجهد المبذول في إعداد بحث علمي أو رسالة أكاديمية، وكذلك برنامج واحد زائد واحد الذي كان يقتضي الإعداد له بحثا مضنيا في المراجع العلمية والأدبية والتاريخية:

“فالمطلوب دراسة شاملة عن الشخصية التي يختارها الضيف، ثم التكييف الفني للحوار بما يحقق التوازن في عرض الشخصيتين، هذا بالإضافة إلى اللجوء إلى كتابة مقاطع تمثيلية غالباً ما تستوحى من حياة ضيف الضيف، ففي الحلقة التي كان موضوعها الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، اختار أن يكون ضيفه الشاعر الفارسي عمر الخيام، ومن أجل ذلك كتبت ثلاثة مقاطع تمثيلية استوحيتها من دراستي لشخصية عمر الخيام وتاريخه……. والإشارة لازمة لبعض الحلقات التي أعتز بأني قدمتها، فمثلاً حلقة مع الدكتور كمال بشر اختار أن يتحدث عن عالم اللغة ابن جني، وحلقة مع الدكتورة سعاد ماهر اختارت أن تتحدث عن الملاح العماني ابن ماجد”.

 أقرأ هذا الكلام وأقول: كم تعب هذا الجيل – ومصادر المعرفة والمعلومات لم تكن ميسرة مثلما هي الآن – وهو يعلمنا فنون الإعداد والتقديم الإذاعي والتليفزيوني فجئنا نحن وتخلينا عن هذا الإرث استسهالا للتقديم واعتمادا علي الإعداد من الخارج.

السفر الثالث هو سفر الأفلام وهو سفر خصصته الأستاذة لنقد بعض الأفلام السينمائية والتسجيلية وهي تتابع في هذا جهدا سابقا لها علي صفحات مجلة الهلال تحت عنوان المتفرجة (صدرت معظم مقالاته في كتاب مستقل ) ولميرفت رجب منهج متفرد في النقد السينمائي يبتعد به عن النقد الانطباعي السطحي وهو اللون السائد من النقد السينمائي الآن٠

والنقد السينمائي عند ميرفت رجب موضوع يحتاج لدراسة خاصة، لكن ما يلفت النظر في ذلك النقد أمران من وجهة نظري:

الأول : هو لفت نظر القاريء إلي سينما أخري مغايرة لسينما الهيمنة الأمريكية وهي الوحيدة التي يعرفها القاريء تقريباً، فنقرأ نقدا لأفلام من جنوب إفريقيا وبوركينا فاسو (ولعل في هذا امتدادا لعشقها لإفريقيا) ومن فرنسا وبلجيكا وغيرها

الثاني : مستوي النقد عمقا ولغة وأفقا، وهو ما يجعل من هذه النماذج النقدية نصوصا أدبية في حد ذاتها تعطي قارئها متعة إضافية للمتعة التي حصلها من مشاهدة الفيلم، وهو مستوي من النقد الفني والأدبي نادر جدا

ولننظر مثلا – للتدليل فقط علي مستوي إبداع هذا النقد – إلي افتتاحيات مقالاتها النقدية :

تقول في نقدها لفيلم (عنق الزرافة) إنتاج فرنسي بلجيكي فى مقال يحمل اسم الفيلم عنواناً له:

  لما وقعت القبلة وقع الذهول، ولقد طالت بقدر طاقتهما. ولما انسلتت من الحجرة، تركت الباب ينغلق خلفها غير عابئة، المهم الآن أن تسوي شعرها بسرعة، فالآخرون في انتظار.

لكن المشهد حين يتغير ليطلعنا على الفتى، وقد عرفتنا لقطة سابقة أنه أحكم التدبير ليقع اللقاء، فتأتي القبلة كأنها وليدة مصادفة، نجد الفتى واقفاً في وسط الحجرة ذاهلاً تغمره سعادة لكن يبدو أن شيئاً ما في قلبه أو دماغه لم يقو على استيعاب هذا النوع من السعادة، فقد رأيناه ييتحول من الذهول إلى السقوط على الأرض  سقطة ميت لتنطلق ضحكاتنا رغماً عنا، ذلك أن بطلي المشهد من قدامى المقيمين في دار المسنين!!”

وتقول في نقدها لفيلم (كومبي) من بوركينا فاسو فى مقال بعنوان (من يزرع البؤس يجْنِ الفاقة):

“تلك كانت صيحة عبيط القرية، وما هو بعبيط إنما هو ذلك الرجل اليافع سليم البنية والبصيرة، صاحب الصوت العالي، يرفعه بكلمات هي كالشرر، يلقي بها على أهل قريته، تنبه من تنبه، وتحفز من تحفز، وإن حركت فيهم بواعث ثورة فهي لا تلبث أن تنكتم بفعل بطش السلطان الذي يتصرف بإحساس سيد العالم يرتعد القاصي والداني رعباً من قسوته، ولا يستنثنى من ذلك سوى “كيرجا” فقد أسكنته جرأته في خانة المجانين.

يظهر كيرجا في أول لقطة من الفيلم، نراه يزعق بعبارته الكاشفة، من يزرع البؤس يجن الفاقة وهي آخر ما نسمع من كلام مع آخر لقطة في الفيلم، لكنها في آخر لقطة لا تصدر عن كيرجا إذ تنقلنا آخر لقطات الفيلم من جو الحدوتة الشعبية الأسطوري إلى عالمنا المعاصر المزدحم بمفردات لا تمت بصلة لعالم (كومبي) من حيث الشكل، أما الاختلافات في الجوهر والمضمون بين كومبي القرية الأسطورية في الفيلم، وأي قرية أو أي مدينة في عالمنا المعاصر، فلابد أن تتقلب على ذهن أي مشاهد لذلك الفيلم الثاقب الذي يدهشنا بمواهب مخرجه داني كوياتي”

السفر الرابع والأخير من أسفار ميرفت رجب الأربعة هو سفر النفوس وهو سفر خصصته لقراءة في بعض الكتب والشخصيات والأعمال والمسيرات الثقافية لبعض الرموز عبر مقالات مثل: (وفية خيري ونعوم تشومسكي) عن إبداعات وفية خيري، (الزمن الجميل) عن لوحات الفنان مصطفى أحمد، (الهروب) عن الملك جورج الثالث كما يتناوله كتاب جديد للمؤرخ ستانلي وينتروب، (عامل النظافة الأسود يدخل مجمع الخالدين) عن داني لافرييه ابن هايتي الأسود الذي دخل الأكاديمية الفرنسية متفوقاً بذلك على أسماء فرنسية لم تحظ بهذا الشرف مثل بلزاك وروسو وسارتر، وهو أول من يدخل مجمع الخالدين من السود غير الفرنسيين بعد ما يقرب من خمسة قرون من إنشاء الأكاديمية الفرنسية عام 1637.

ولقد استوقفني في هذا السفر مقال بديع بعنوان (الخضوع) عن كتاب “مصافحة الشيطان – فشل الإنسانية في رواندا” الذي ألفه الجنرال الكندي روميو داليير قائد قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا عام 1994، والذي فشل في مهمته فارتكبت تحت نظره مذبحة من أبشع مذابح التاريخ أودت بحياة الألوف المؤلفة من المواطنين الذين جاء هو وبعثته أصلاً لحمايتهم. وقد كتب الجنرال الفاشل كتابه هذا مسجلاً اعترافاته عن تلك الحقبة وعن تلك المهمة.

تتساءل الكاتبة :

“هل لنا الآن أن نسأل، لماذا يقدم واحد مثل الجنرال داللير على كتابة هذه الاعترافات؟ هل يكتب طلباً للغفران، هل يريد من الإنسانية أن تلتمس له العذر، أم يتوقع أن كتابه يساعد في محو مسئوليته عن أبشع الجرائم في القرن العشرين؟ أم أنه أراد أن يكون كتابه رسالة تحذير لكل من يقبل مهمة أكبر من حدود معرفته ومجال خبرته؟ أم أنه أراد أن يركز التحذير من مخاطر الخضوع؟ “.

ولعل السؤال الأخير هو بيت القصيد في مقالة (الخضوع) وهي زاوية الرؤية التي قدمت الكاتبة من خلالها قراءتها الممتعة لكتاب داليير؛ أقصد طبيعة شخصية داليير المستلبة، الخاضعة دوماً، المنتظرة أوامر من فوقها، حتى لو كان الأمر يتعلق بأرواح بشر، حتى أنه فشل في حماية أفراد قواته الذين تم ذبح عشرة منهم من الوحدة البلجيكية. لذا فهي تبدأ مقالتها على هذا النحو اللافت :

“هذا رجل خضع.. ولقد اعتاد الخضوع حتى أنه بالغ.. صار يستأذن في كل صغيرة وكبيرة.. ولقد سهل على رؤسائه تحديد نقاط ضعفه فبالغوا في الضغط ولما اكتشف  أنه صار صفراً على الشمال.. وأن العجز أصبح صفة تلازمه، أقدم على الانتحار”.

وفي التفاصيل نعرف أن داليير وصل إلى كيجالي قبل بدء المذابح وكانت مهمته هي توفير الحماية للثوار من قبائل التوتسي المنضمين إلى جبهة رواندا الوطنية والذين بدأوا يتوافدوا من منفاهم في أوغندا للدخول في مفاوضات سلام مع نظام هابياريمانا، ولقد فوجىء في يناير من عام 1994 بأن قبائل الهوتو تعمل على تجميع وتخزين الأسلحة في مناطق في كيجالي تقع تحت إشرافه، بمعنى أن عليه الإبقاء عليها خالية من الأسلحة…..لكنه في ذلك وقع في أكبر أخطائه؛ ذلك أنه قبل إصدار الأمر بكل عملية كان يطلب الضوء الأخضر من نيويورك، وكان كوفي عنان يمنعه من القيام بمهامه النابعة من صلاحياته.

تقول الكاتبة :”ربما يتوجب علينا أن نعود إلى السؤال المحوري..لماذا تم اختيار هذا الضابط بالذات..الجنرال داليير ليكون رئيس بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا؟ أتصور أن إعادة طرح السؤال الآن… وبعد أن عرفنا الرجل أكثر وعرفنا أهم صفاته وأهم عيوبه تغرينا بأن نتكهن بأنه من أجل ذلك… ومن أجل ذلك فقط تم اختياره يعني لأنهم كانوا واثقين أنه غير قادر على فعل شىء دون الرجوع إليهم.. غير قادر على أي فعل ولا أي تصور ولا أي رؤية.. هو قادر فقط على تنفيذ الأوامر والاستئذان… وإعادة الاستئذان”.

ولعل ذلك ما دفع الكاتبة في بداية مقالها أن تقول :

“أهدي هذه الحكاية لكل من صعد إلى مكانة تؤهله لاتخاذ قرار، أي قرار، سواء أكان في شأن بشر أو غنم، زرع أو بتر.. بصرف النظر عن كون الزرع مرتبطاً بخير، أو ربط البتر باستئصال شر.. أهدي هذا المقال، لكل من يُرفع إلى مصاف القيادة، فيتصرف بروح الموظف، أو المسخر لتنفيذ الأوامر والتكليفات، وهو في ذلك يغفل عن صلاحيات القيادة وشروطها.. أهدي هذا المقال لكل من تعرض عليه وظيفة فيبادر بالقبول دون أن يتأكد أنه عليم بشئونها، قادر على حمل تبعاتها. ذلك لأنه إن فعل لوجد نفسه متلبساً بفعل مصافحة الشيطان”.

بقي أن أشير في نهاية عرض هذا الكتاب الممتع إلى أنني اقتبست عنوان هذه المقالة : (الأسفار الأربعة لميرفت رجب) من كتاب الملا صدرا الشيرازي : (الأسفار الأربعة) وهو أحد أهم فلاسفة القرن العاشر الهجري في بلاد فارس، وذلك  لسببين:

الأول : ملاءمته لموضوع الكتاب حيث يحتوي كتاب سفر في سفر على أربعة أسفار (جمع سَفَر وجمع سِفْر أيضاً)  

الثاني : أن أول مقالة تطالعك في كتاب سفر في سفر هي بعنوان إيران، تفصح فيها الكاتبة عن موقف مختلف من هذا البلد، ولذلك سياق آخر من الحديث أرجو أن تتسع له مقالة أخرى، ويكون فاتحة حديث آخر بيني وبين الأستاذة القديرة ميرفت رجب.      

مقالات من نفس القسم