صبري حجاجي
إلى كل الأطفال الذين يبيعون أحلامهم على قارعة الطرقات..
المشهد الأول:
يقف سعيد على حافة الطريق عارضا بضاعته ,متكوما على نفسه كي يشعر ببعض الدفء ، الملابس التي يرتديها بالكاد تكفي كي تقيه لسعات البرد،تكاد قدماه تتجمدان داخل حذاءه البلاستيكي ..
المشهد الثاني:
يتوقف السيد ع.م بسيارته الجيب أمام سعيد، يسأله عن عمره يجيبه خجلا، ثلاثة عشر سنة..
تشير إليه زوجة السيد ع.م طالبة بعض الحشائش التي يعرضها .. يعطيه السيد ع.م بضعة قطع نقدية ويقوم بتصويره بهاتفه الجوال ثم يركب سيارته و يغادر ..
المشهد الثالث:
تقف سيارة كاديلاك فاخرة أمام بضاعة سعيد، ينزل منها السيد س.ق رجل خمسيني بلحية خفيفة، يسأله عن عمره أيضا، ثم يضيف قائلا: هل تصلي؟! انت الآن في السن التي ينبغي أن تقوم فيها بذلك، كي يبارك لك الله في رزقك ..
يشتري منه البعض من زيت القضوم و يأخذ له صورة بهاتفه الجوال ثم ينصرف ..
المشهد الرابع:
يستلقي السيد ع.م على الفراش وهو يتجشأ، تخرج زوجته من الحمام وهي تقوم بتنشيف نفسها يقول لها وهو يشرب كأسه “الطعام في هذا النزل ليس جيدا رغم وفرته”..
يتصفح اخر المستجدات على الفايسبوك يضع العديد من اللايكات لزعيمته المفداة التي ستنقذ الوطن من الظلاميين حسب رأيه ثم يقوم بتنزيل صورة سعيد و يكتب تحتها :”هذا ما جنيناه من الثورة” ..
المشهد الخامس:
ينتهي السيد س.ق من أداء صلاة العشاء، يستلقي بجانب زوجته، يمسك هاتفه الذكي و يبدأ بتصفح الفايسبوك، يضع قلوبا حمراء كثيرة تحت صور و فيديوهات شيخه ويكتب تعليقات تشيد بحكمته و قيادته الرشيدة والقدرة على ترويض الخصوم ..
قبل أن يخلد إلى النوم، يقوم بتنزيل صورة سعيد و يكتب تحتها “هؤلاء هم ضحايا حيف وظلم النظام السابق”..
نسيت أن أخبركم أن السيد س.ق يقيم بغرفة مجاورة للسيد ع.م بنفس النزل.
المشهد السادس و الأخير:
قامت صفحة إذاعة ” مزازيك” بنشر صورة سعيد وهو يقف عارضا بضاعته أمام السيارات المارة، آلاف اللايكات والقلوب الحمراء والتعليقات، بعضها متعاطف و بعضها متأسف و بعضها يسب بعضا الخ ..
عاد سعيد إلى بيتهم المتواضع، هناك على سفح الجبل حاملا بضاعته فوق ظهره ودنانيره القليلة التي غنمها، جلس القرفصاء أمام مائدة العشاء مع إخوته الأربعة ووالديه، انتهى الطعام لكنه لم يشبع..
المهم أنه أكل القليل كي يواصل ركضه اليومي خلف لقمة العيش..
نام سعيد من فرط التعب، كان عليه أن يستيقظ باكرا كي يرعى الأغنام صباحا ثم يبيع بضاعته حين ينتصف النهار و يبدأ الزوار بالتوافد على مدينتهم في هذا الطقس البارد.. نام وهو يحلم بطاولة مملوءة بالطعام والشراب تجعله يأكل حتى يشبع…
………….
عين دراهم في 21 مارس 2021