سعد القرش.. وجوه من المعرفة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 61
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبير إسبر

   إن كان للغة جسد، فللغة سعد القرش جسد جميلة عشرينية، وإن كان لها خصر، فللغته خصر غزالة اكتشفت فتنتها للتو، فالرشاقة التي قفزت بها كلمته من سطر لسطر تتركك حائرا، لتسأل كيف استطاع المضي بعيدا في حكاياته/ رواياته، عبر زمن فرعوني أحيانا، زمن مصري خالص، واحتفظت لغته مع ذلك بروح جديدة، غنائيتها غير شعرية، لكن نثرها مشى قليلا، أو تغندر. عناوين مثل «وشم وحيد» و«أول النهار» عينة من لغته الراقصة تلك.

   عندما كتب عن السينما كتب كعاشق، احتفى بفن تركه دائما بحالة شجن مع الآهات، وعندما تنقل بين البلاد، كان رحالة تعيده الدروب دوما إلى مصر، فالهند التي فهمها، وصلته عبر تاريخ مرير من أرواح عاشت طويلا فوق تلك الأرض، مصر التي يعشق وُجدت أيضا في التاريخ وقبله بقليل، وفي الضحك، وفي الفهلوة، في انتصار الحياة.

   لم تكن الثورة آسرة، كما كانت في كتابات سعد القرش، بروح مؤمنة بالتغيير، بالبشر، بالقادم الأفضل حكى عن زمن البراءة، فروح المراهق التي تسكنه، هي روح طهرانية، والمراهقة هنا، هي تصديق المؤمن للبدايات، وتكفيره للخراب ونزوعه للمثالية التي يمارسها سعد بشكل يومي، ليس فقط في قراءاته الصحفية للتراث، والتاريخ والفقه وللمتناقضات في السياسة وفي أداء السياسيين، بل أيضا في أدائه الحياتي، في النقاشات، وفي لقاءاته بالأصدقاء.

   عندما كتب عن أفراد، لم ينتقم، بل رمى بأسمائهم بتواريخ نشأتهم للتوضيح فقط، وللعبرة، لم يناقشهم كأفراد، بل ناقش أفكارهم، وقف مع قلة، في وجه نصوص صحافية تميل بحسها تجاه الفضيحة، اكتفى نصه بالتأمل، بالهدوء والعقلانية.

   كتب سعد القرش عن التوبة، توبته عن التدين والتحاقه بالعقل، بالأخلاق، وحكى من قلب العاصفة التي تطيح بنا، حكى «في سنة أولى إخوان» عن إسلام منظماتي، غير إيماني، بنيته التعصب، وبيئته الخصبة مزروعة في الكراهية، حكى فيها عن الفقر، وهاجم فقر الخيال وفقراء المخيلة.

   يقولون إن الكتابة عن الأصدقاء تحيلك للانحياز، للشخصنة وللشهادات المجروحة في نواياها، لكن من سيعرفك، إن لم يكن الأصدقاء، وما جدوى الكلام إن لم يكن شخصيا؟

   عرفت سعد القرش عبر نصوصه الصحفية، روايته، وتتبعت المتعة في نصوصه، كمرتحل وموجوع بالسينما، عرفته عبر «الهلال» التي تفانى بإحيائها، حتى غلبته البلادة، فمن يستطع محاربة بنية بليدة!؟

   عرفته كصديق، وبيقينية وتسليم، علمت وأعلم أن ضحكته الداعمة ستصلني دوما عبر حريق القاهرة إلى ثلوج كندا.

…………….

* روائية سورية

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم