عبد اللطيف النيلة
بعد منتصف الليل بدقائق، توقفت السيدة مونرو عند باب منزل يحمل الرقم 7. عالجت القفل تحت العتمة الخفيفة للزقاق الساكن الخالي إلا من قطط ساهرة، فانفتح الباب. تلمست طريقها عبر الردهة مُخافتة بوقع قدميها، مهتدية بالضوء المنبعث من الصالة. ولما لم يعد يفصلها عن الصالة سوى بضع خطوات اصطدمت عيناها بعيني السيد بوزفور الذي كان يقتعد أريكة من جلد أزرق، وبيده مخطوط مجلد. وقبل أن تتمكن السيدة مونرو من استلال المسدس المدسوس تحت حزام بنطالها، كان السيد بوزفور قد هبّ واقفا وأشهر المخطوط بكلتا يديه في وجه شاشة التلفاز المشغَّل من غير صوت. ارتخت أصابع السيدة مونرو عن المسدس، فيما أصابها مس من ذهول وقد شدّتْ بصرها شرارة اندفعت بقوة من بين دفتيْ المخطوط، فقذفت بالسيد بوزفور داخل الفيلم السينمائي المعروض على الشاشة.
تهالكت السيدة مونرو على الأريكة دون أن تكف عن متابعة مصير غريمها. رأته في الفيلم يذرع زقاقا ساكنا خاليا إلا من قطط ساهرة، ليتوقف عند باب منزل يحمل الرقم 14. يعالج القفل تحت العتمة الخفيفة، فينفتح الباب. يتلمس طريقه عبر الردهة مُخافتا بوقع قدميه، مهتديا بالضوء المنبعث من الصالة. ولما لم تعد تفصله عن الصالة سوى بضع خطوات، اصطدمت عيناه بعيني السيد كورتاثار الذي كان يقتعد أريكة من جلد أصفر وبيده مخطوط مجلد. أشهر كل منهما مخطوطه في وجه الآخر، في آن واحد، فاشتعلت الصالة بضوء ساطع نجم عن اصطدام شرارتين اندفعتا بقوة من بين دفتي المخطوطين.
ترى السيدة مونرو السيدين بوزفور وكورتاثار ينقذفان معا داخل الفيلم السينمائي المعروض، من غير صوت، على شاشة تلفاز السيد كورتاثار. يسيران في زقاق ساكنٍ خالٍ إلا من قطط ساهرة، ليتوقفا عند باب منزل يحمل الرقم 21. يعالج السيد كورتاثار القفل تحت العتمة الخفيفة، فينفتح الباب. يتلمسان طريقهما عبر الردهة مُخافتين بوقع أقدامهما، مهتديين بالضوء المنبعث من الصالة. ولما لم تعد تفصلهما عن الصالة سوى بضع خطوات، اصطدمت عيونهما بعيني السيدة فيرجينيا التي كانت تقتعد أريكة من جلد أسود وبيدها مخطوط مجلد. أشهروا مخطوطاتهم في وجوه بعضهم البعض، في آن واحد، فاشتعلت الصالة بضوء ساطع باهر نجم عن اصطدام شرارات اندفعت بقوة من بين دفات المخطوطات.
ترى السيدة مونرو السادة بوزفور وكورتاثار وفيرجينيا ينقذفون جميعا داخل الفيلم السينمائي المعروض، من غير صوت، على شاشة تلفاز السيدة فيرجينيا. يسيرون في زقاق ساكن… إلخ.
لحظةَ كنتُ بصدد نسج الأحرف الأخيرة من قصتي حيث أتخيل سحر الكلمات داخل متوالية متداخلة ولا متناهية من القاصّين والقاصّات والمنازل والأرقام والمخطوطات والأفلام…، سمعتُ باب منزلي الحامل لرقم من مضاعفات الرقم 7 يُفتح، ووقع أقدام تتقدم عبر الردهة التي يخففُ عتمتها الضوء المنبعث من الصالة التي أجلس فيها على أريكة من جلد بني. فجأة اصطدمت عيناي بعيون مونرو وبوزفور وكورتاثار وفيرجينيا… أشهرتُ مخطوط قصتي بكلتا يدي في وجوههم، وفي الوقت نفسه أشهروا في وجهي مخطوطاتهم (وحدها مونرو أشهرت مسدسا اقترضته من إحدى شخصيات قصصها)، فانطلقت شرارات هائلة تصادمت فيما بينها لتشتعل الصالة بضوء بالغ السطوع والإبهار. بقوة انقذفنا جميعا داخل الفيلم السينمائي المعروض، من غير صوت، على شاشة تلفازك – أنت الذي تقرأ الآن هذه القصة – فألفينا أنفسنا في زقاقٍ ساكنٍ خالٍ إلا من قطط ساهرة. توقفنا عند باب منزل يحمل الرقم… إلخ.