صوت مُبصِر
الطفلُ الأعمى
يغنّي في الشارعِ بصوتٍ مُبصِر.
كانَ الناسُ مُندهشين، مَذهولين
بالصوتِ العذبِ الآتي من أعماقِ الطفل.
أمّا أنا فقد كنتُ أغنّي مع الطفل
بقلبٍ أعمى
وأذنين مُبصِرتين.
قصيدة عن الحديقة
قامَ أبي من شلله النصفيّ
ليسقي الوردَ في الحديقة.
تساقطتْ قطعٌ من الذهبِ والحلوى
وزقزقتْ فوقَ رأسي سبعةُ طيور
بألوان بهيجةٍ جدّاً
وموسيقى بهيجةٍ جدّاً.
فرقصتُ قليلاً
وبدأتُ أجمعُ قطعَ الحلوى
فوجدتُها، وا حسرتاه، فاسدة،
وقطعَ الذهب
فوجدتُها، وا خيبتاه، مُزيَّفَة.
ونظرتُ إلى أبي فوجدتُه
جُثّةً هامدةً على الأرض.
وكأيّ طفلٍ باغتهُ مشهدُ الموت
بدأتُ أبكي عندَ جُثّته.
بكيتُ طويلاً طويلاً
حتّى تحوّلتُ بعدَ سبعة طيور،
أي بعدَ سبعة دهور،
إلى شيخٍ كبير
يسقي الوردَ في الحديقة،
الحديقة التي لم يكنْ لها وجودٌ أبداً.
أصابع
في الحلم
رأيتُ صديقي الذي مات
ناسياً أصابعه الخمسةَ على المائدة،
رأيتهُ يشربُ بهدوء القهوة المُرّة
جالساً في القطارِ الطويل.
فعجبتُ:
كيفَ لصاحبي أن يشربَ القهوةَ المُرّة
من دونِ أصابع؟
في الصباح
نظرتُ إلى المائدة
فوجدتُ أصابعَ صديقي على المائدة.
لَمَستُها واحداً واحدا:
كانَ الإصبعُ الأوّلُ يهذي
والثاني يهذي ويغنّي
والثالثُ يهذي ويغنّي ويدمدم
والرابعُ يهذي ويغنّي ويدمدمُ ويبكي
والخامسُ يهذي ويغنّي ويدمدمُ ويبكي ويُصلّي.
قطعة شمس
قربَ حافّةِ النهر
قرأتُ قصائدي بعينين دامعتين
لفتيةٍ يحترفون هرطقةَ الشِّعْر
أو يحترفون، ربّما، هرطقةَ التأويل.
كانَ لساني، فقط، يقرأُ حرفي بهدوء مُمَنهَج
وهم يُصفّقون أو يبتسمون في هدوء غريب.
أمّا قلبي فقد قفزَ إلى النهر
يبحثُ عن قطعةِ شمسٍ
سقطتْ ذاتَ حياة
وسطَ أمواجه العجيبة،
يبحثُ ويبحثُ ويبحثُ
وهو يعرفُ أنّه لن يجدَها
ولن يجدَ سرَّها : سرَّ صباه البعيد
ولو أنفقَ في بحثه عمرَ نوح.
دموع كلكامش
أنا شاعرٌ محظوظ
لأنّي لا أتوقّفُ عن الكتابةِ أبداً.
والسببُ بسيطٌ جدّاً
فقد مسحتُ بيديّ المُرتبكتين
دموعَ كلكامش المتدفّقةَ ليلَ نهار
وهو يبكي؛
مرّةً على أنكيدو الذي اغتالهُ الموت،
ومرّةً ثانيةً وثالثة
على عُشبةِ الخلودِ التي سرقتها الأفعى
من قلبه ذاتَ حياة.
حياتي حياتي!
سقطتْ ورقةٌ من الشجرة،
تلكَ كانتْ حياتي.
هبطَ الطائرُ والتقطَ بمنقاره تلكَ الورقة
وعادَ ثانيةً إلى أعلى الشجرة.
كانتْ الشجرةُ عاليةً جدّاً
وملساءَ الساقِ حدّ اللعنة.
الطائرُ لا يفتحُ فمَه لأحيا أو أموت،
الطائرُ لا يكفُّ عن رَفْرَفهِ جناحيه،
الطائرُ لا يأبهُ لي أبداً
وأنا أبكي أو أضحكُ أو أصرخ : حياتي حياتي!