رمضان جمعة
خرجنا من محطة القطار وجرينا حتى عبرنا الطريق، وقفتِ تنهجين وتعرَّق وجهك فأصبح كما لو أنه وش صينية كيك بالمشمش. مازحتكِ ساخرا منكِ، رفعتُ حاجبي الأيسر وأنا أُكمل مشيي، ولحقتيني وأنتِ تضربين كتفي قبل أن تتعلقين بمرفقي، فنظرتُ في عينيكِ طويلًا.. ورقصنا.
وصلنا إلى وسط المدينة، أخبرتكِ حبي للمشردين، وأشرت إلى مشرد ينام على رصيف أسفل شجرة، قلت إنه هارب من رواية لي بالتأكيد، وأضفت أني أشبههم أو هم يشبهوني، فقلتِ إني هم وهم أنا، شيء لا ينفصل، وضحكتِ، ثم قلتِ جملة، علقتُ عليها بكلمة، ضايقتك، كررتي خبطتك على كتفي بضجرك الهادئ.. وشعرتُ أن قطرة من عصير مشمش سقطت على قميصي، لم تلحظينني وأنا أمسحها بأصابعي وأشمها، لكنك لما نظرتِ خلفك احتضنت عيني عينيكِ.. ورقصنا.
ودخلنا مطعم مشاوي، طلبنا فتة شاورما فراخ، وكنتِ تأكلين بنهم والثومية تسيل نقطة على جانب شفتيك، نظرت إليكِ وسرحت، ثم مسحت بسبابتي نقطة الثومية ولعقت إصبعي فكان للثوم طعم المشمش. أنهيتِ طبقك ورجعتِ بظهرك إلى الوراء وأنتِ تخبرينني أنكِ شبعتِ.. ضحكت وقلت أن الطبق خلص أصلًا.. نظرتِ لي باسترخام، فهربتُ من استرخامك لي، ودخلت إلى الحمام، غسلت يدي، وأنا أنشفهما، تفاجأت بكِ إلى يساري، تنظرين لي.. فنظرتُ إليكِ وابتسمت.. ورقصنا.
وخرجنا نصيع في الشوارع، ونلعن موطن عفة العالم، ويدك معلقة في مرفقي وكتفك محتمية بكتفي، وركبنا الميكروباص وذهبنا إلى الزحام، فمشينا وسط هذا وهذه وبين هؤلاء وأولئك، حكيت لكِ تاريخ منطقتي التي ولدت فيها، ونحن نتسرسب إلى الماضي من الشوارع. وشربنا السوبيا التي شممتها يومها برائحة المشمش، لفينا ودُرنا في الشوارع وفوق الأرصفة حتى وصلنا إلى الموقف.. ورقصنا.
رحنا إلى المكتبة، نتجول بين الكتب، أخطف آخر نسخة من كتاب تحبينه وأخبئها تحت ذراعي، فتخبطين كتفي، خبطتك المشمشية، فأضحك وأمشي بعيدًا عنكِ، تضربين الأرض بدلع طفلة في السابعة، فأسخر من استطفالك، فتتلعقين لي. ثم خطفك كتاب، ففتحتيه، ووقفتِ تتصفحينه، وتقرأين بتركيز شديد، فأخرجت موبايلي والتقطتُ لكِ صورة وأنتِ بهذا الشغف المركز. فأخذتِ بالك وأنا أصورك.. فابتسمتِ ومددتِ يدك إلى يدي.. ورقصنا.
وذهبنا إلى كافيه أحبه، لنشرب عصير المشمش المفضل لدينا، أو أي شيء بلون المشمش ونتذوقه نحن مشمش، لا يستطيع العالم منعنا أنا وأنتِ عن فعل ما نحب، ما دمنا معا سنفعلها. مشينا من ممر ضيق، ومرت بجوارنا بنت لها مؤخرة موسيقية، فأخبرتك أن مؤخرتها متلبنة، فقلتِ وملامحك تشخر.. بنبرتك الساخرة.. “قصدك متلبونة.. هتخليني أخرف”. فضحكت ومسكت يدك ودورتك حول نفسك.. ورقصنا.
ولما انتهى اليوم وعدنا إلى محطة القطار، صعدنا على السلالم الكهربائية، ومشينا في الطابق الثاني بسرعة ونحن نراقب الناس حولنا، ونضحك عليهم في “المستخبي”. وقفنا قدام أحد الشبابيك الضخمة التي تطل على القطارات، ومسكتِ يدي، تسندين عليها لتجلسين على حافة الشباك الرخامية، فشممت من جسدك عطر مشمش جذاب، سألتكِ: ماذا تشبهين؟! فقلتِ: كمانجا. فأغمضتُ عيني وتخيلتني أعزف عليكِ. فملأت نغماتك المشمشية فضاء المحطة.. نظر الناس نحونا وبدأوا في التصفيق بالتتابع، واحد بعد واحد، فابتسمنا ثم تجاهلناهم.. ورقصنا.