ساذج وسنتمنتالي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

1

أريد أن أكتب قصيدة

عني وعنك،

عن الإعصار الذي ترك ثقبا  في جسدي؛

ثقبا جميلا على شكل شجرة؛

لكنه ثُقب.

عن رأسك التي باتت تشبه كومة من الكتب المكدسة،

عن عيوني التي تشبه عيون القطط في الظلام،

عن عيونك التي لها لون العسل والشجن في آن واحد.

أريد أن أكتب قصيدة؛

عن أبي الذي لم يعد أبي،

عن البنت التي صارت بعيدة،

عنك أيضا. 

 عنك؛ لأنك تشبهني،

أو لأنني حسبت أنك تشبهني.

عن كائني السينتمينتالي الساذج الجميل،

وعن القمر الذي صار  رماديا  وعملاقا.

أريد أن أكتب قصيدة..

لماذا؟

يمكن لأني أريد أن أقول:

 أني كنت أُما منذ كنت في العاشرة،

وأن الطفل الذي تكون برحمي ليس ابني ..

إنه أنا،

أو لأقول إني مازلت هُنا،

وإني أستطيع الخلق مثل الله،

أو لأنني أردت يوما أن أكون ساحرة،

وأريد صناعة بلورة كريستالية كبيرة،

أو لأنني كائن بائس أراد الجلوس على قارعة الطريق ليكتفي بالغناء،

أو لأقول أني امرأة مُذهلة لكنها لم تكتشف هذا بعد.

يمكن !

أريد أن أكتب قصيدةً.. أمس،

واليوم،

والآن.

دوما أريد أن أكتب قصيدة،

ودوما  يغلبني النوم في المنتصف.

 

2

المرأة كانت تغني بهرولة .

وهو جلس وغنى أيضًا.

 

المرأة التي مرت على العشب كانت عمياء. الوهم يمسكُ يدَ العَمَى -  هذه هي حكمة الحكاية - يجره إلى مكانٍ مجهول؛ ناحية بحيرة محرمة، إذا شربت منها وقعتَ في نومٍ أبديّ.

 ناحية الأغاني - ربما –

 أو ناحية الجنون؛ حيث صوت المياه الجارفة والحب الشبق والألم الذي يشقّ الصَدر .

 

الرجل الجالس على حافة الأشياء وضع الطاولة ورتّب من كل مُسكِر أمامه.

 هنا يبدو العنب أحمر والبرتقال أصفر والويسكي لا لون له .

هناك تبدو الأرض فارغة بشجرةٍ وحيدةٍ مائلةٍ.

 هنا الأرض لها أفواه وعيون ورائحة، ولون قد يشبه ألواننا التي ألقتها علينا الريح .

 

هنا الجسد. ما الذي يشبهه سوى الزمن أو وجود الأشياء الأخرى. رأسٌ على كتِفٍ غريب. شفاه تبل ريق شفاه. أو جسد يعتلي جسد، ولَحم يصل بآخر .

هناك أيضًا عاطفة قد نقلِّبها هكذا ونضعها في آخر الدماغ؛ قد نحولها إلى نيران تلهب قلوب السنتيمنتال، أو نختار قصقصتها مع الريش الذي نفقده كل يوم .

هنا الفانتازيا التي لا تشبه الكوميديا ولا شيئا آخر .

 

الخَراب أيضا له صوتُ الأغاني. منطقة مغوية ووسطى دائما. قد يسميها الخَرْبَى جنونا؛ بينما يمر غراب كبير يشرب من كأسه ويفر لأعلى، أو يشرب من كأسه ويسمع لحنه ويفر لأعلى، أو يشرب من كأسه ويسمع لحنه ويحطّ على رأسه ويفر لأعلى، أو يشرب من كأسه وينقر عيونه ويفر لأعلى .

 

3

النومُ شبكة صيدِ هائلة معلقة بين جفنين،

الأحلام سمكات ملونة.

والحكايات مثل النساء تمتلئن بالخرافة.

يبدو التفكير في الحُب في لحظةٍ كهذه أمرٌ طبيعي؛

الحب على الطريقة الحديثة،

الطفل الجشِع ،أكل كل شيء، وأكلنا، ثم استدار ليأكل نفسه .

النومُ أيضًا يبدو مثل كروان جميل الآن؛

لكنه لا يسكت قط.

والعالم - واعذرني فأنا أكرر كلمة عالم باستمرار-  مثل قطيع مجمد من الخراف .

الفكرة أن لحظة كهذه تجعلك تفكر في أشياء عجيبة:

 كالنوم للأبد مثلا،

أو طرق باب الجنون والتجول عاريا في الشوارع،

أو ملاحظة أشياء تافهة كشرخٍ في الجدار يشبه وجها غريبا كان يأتيك في أحلام الطفولة،

أو سماع صوت أقدام النمل وهي تزحف إلى جدرانها،

أو ملاحظة الفارق الواهن بين صوتي إديت بياف التي تغني

أغنية: "لا تتركني"، أو كما يقول الفرنسيون:

Ne Me Quitte Pas

بتفتت زائد عن الحد،

و"جاك بريل" الذي باعتباره رَجُلا؛ يغنيها وهو مازال مزهولًا مما حَدَث .

يبدو النوم -هنا- مثل عُصفور صغير له منقار كمسمار يثقب الرأس بدأب وحرص،

أو كمقدمة موسيقية - هائلة ومجنونة  -

للقَتل.

 

 

4

أستطيعُ الكتابة عن التفاهة كشيءٍ أصيل؛

أستطيع الكتابة عنها كهُوية.

أن أعتنقها

بإيمان كامل وحب عميق؛

كجماعة تحلق حول النار وتغني للثورة .

ما أجمل أن يفنى المرء من أجل إيمانه الخاص .

بعدها أستطيع النوم في الماء براحة بال؛

أن أعير ملابسي للبحر،

وأن أطعمُ جسدي لثعابينه؛

لأسير عارية في الضباب؛

في يدٍ سيجارة، وفي الأخرى بيت من محار؛

أن أصير شبيهة كل شيء؛

كل اللاشيء،

ما عدا المدينة؛

التي تنبتُ كلما قطعتها من لحم أحدهم؛

تنبت بكآبة في نفس المكان؛

تنبت ومعها شجيرات كثيفة يابسة وغارقة في الوَحل.

 

5

مَن سيحبُ امرأةً في هذه الأيام لأجلِ رغيفٍ ساخن تخبزه كل يوم وسط الخراب؟

هناك حيث مخلفات الحروب - حروبكم جميعًا -.

هذه دماؤكم شربنا منها حتى صرنا أشباحًا .

هذه أعضاؤكم تركتموها معلقة على الأبواب تنعق بلا ملل،

وهذه أرواحكم وأرواحنا تهيم في المدينة كالظِلال.

المدينة التي لا تبدو مثل قلعة سوداء جاثمة،

أو أي تشبيه آخر يدخل في كليشيهات الشِعر الحديث.

نحن هي المدينة؛ جَمالها المسكوب بلا معنى،

وكلابها الضالة المسعورة .

هنا الموت وحده إيروتيكي جدا،

عاري تمامًا، وناصع كنهدي امرأة شبقة بين يدي رجل جوعان!

هنا الموتُ وحده صادق وحبيّب،

والأحبة وحدهم يستمرون للأبد .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من ديوان "ساذج وسنتمنتالي" ـ يصدر قريبًا عن دار روافد ـ القاهرة 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني