زينب عفيفي: الكتابة بالنسبة لي فعل حياة، والصحافة فعل سعادة

زينب عفيفي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها: عاطف محمد عبد المجيد

سفيرة الحب، كما يُطلق عليها، المعروفة باسم زينب عفيفي، الروائية والكاتبة الصحفية التي تشغل منصب مدير تحرير جريدة أخبار اليوم المصرية، والتي تنام مبكرًا، على غير ما اعتاد الكُتاب، لتبدأ يومها بعادة ورثتها عن أمها متناولةً كوب شاي بالعسل والليمون، تفضّل الكتابة مع بزوغ ضوء الفجر، وتمارس رياضتيْ التنس والمشي.عفيفي التي تكتب الرواية والقصة القصيرة والمقال الصحفي، لها العديد من الإصدارات منها: هؤلاء يعترفون – امرأة مهتمة بالقراءة – موعد مع الورق – كلام في منتهى الأدب – خمس دقائق – شمس تشرق مرتين – عفوًا لأني أحببتك – أهداني حبًّا – أحلم وأنا بجوارك، وغيرها.حصلت عفيفي على العديد من الجوائز والتقديرات، وترجمت بعض أعمالها إلى اللغة الإنجليزية. كرقّة لغتها الروائية، تبدو زينب عفيفي رقيقة في تعاملها معك إنسانيًّا، مصافحةً إياك بابتسامتها العذبة التي تمحو الكثير من الحواجز بين اثنين. 

في هذا الحوار نعايش عالم زينب عفيفي الإبداعي ونعرف الكثير عن تفاصيله ومفرداته.

** تشرفين على صفحة أسبوعية في واحدة من كبرى الصحف العربية، جريدة “أخبار اليوم” وتكتبين مقالًا فيها.. ألا يعطلك عملك الصحفي عن مشروعك الروائي؟ أو بمعنًى آخر: كيف توائمين بين الصحافة والإبداع، دون أن يظلم أحدهما الآخر؟

* في بداية عملي بالصحافة، كانت الأديبة تختبئ بداخلي علي استحياء، من خلال كتابة اليوميات أو المذكرات أو أشياء تخصني.أكتبها لنفسي للتخلص من حزن ما، أو التعبير عن سعادتي لأشياء تبدو بسيطة، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للآخرين. وكانت الصحافية التي حصلت علي بكالوريوس الصحافة من كلية الإعلام جامعة القاهرة أكثر جرأة، كانت تريد تغيير العالم، كان لديها أحلام عريضة.وعندما كبرت الصحافية وزادات همومها، واتسع العالم من حولها، اكتشفت أن تغيير العالم يحتاج إلي تغييرها هي شخصيًّا، وهذا لن يحدث بدون التجربة والتعلم.وبعد هذه المرحلة من عمري استيقظت الأديبة، وبدأ الشجار بين الصحافية والأديبة، أو الكاتبة التي تريد أن تكتب الروايات.في البداية كان شجارًا خفيًّا، لأن الصحافية كانت أكثر تفاعلًا مع الحياة والناس، مما جلب عليها كثيرًا من التجارب المهنية، والصحافة كما يعلم المشتغلون بها لا تحب الشريك، فهي مهنة في منتهى الأنانية، تأخذ منك العمر  وتعطيك النجاح فورًا، تمامًا مثل ممثل المسرح إذا كان يؤدي دوره بإتقان وصدق نال إعجاب الجمهور مباشرة، أما الكتابة قصة أخري.ومن هنا وقفت الكاتبة في وجه الصحافية تحمي نفسها من السقوط في الاكتئاب والابتعاد عن العالم الذي لم يكن مثاليًّا مثلما درسته  الصحافية في كلية الإعلام علي يد الصحفي الكبير جلال الدين الحمامصي في مادة ” الصحافة المثالية “.بدأت الكاتبة تتحرك بداخلي وتعلن عن رغبتها في التواجد بجوار الكاتبة كنوع من الحماية النفسية، وساعدني في هذا التمهيد لوجود الكاتبة في حياتي، أنني عملت في مجال الثقافة الأدبية، ودخولي عالم الكتابة من الباب الملكي للكتابة، نظرًا لوجودي بين عالم الرواد كصحافية تكتب الحوارات واللقاءات مع عمالقة الأدب والثقافة والفن حينذاك، في الوقت الذي لم يكن الواقع الصحفي يحمل أحلامًا وردية، كما تصورت للصحافية.منذ تلك اللحظة نمت بداخلي علاقة صداقة بين الصحافية والأديبة، وعقد اتفاق ودي بينهما علي أن تساعد الأديبة الصحافية بتجربتها وخبرتها الحياتية، وخاصة أن الصحافية بدأت تحقق خطوات سريعة في مجال الصحافة الثقافية، هذه الخطوات لم تكن بعيدة عن ميول الأديبة.وباتت الكاتبة في هيبة من الصحافية والتصريح لها بأنها تريد أن تأخذ نصيبها من وجودها في حياتي، وهنا اشتعلت المعارك بينهما كضُرتين، مرة تنتصر الصحافية ومرة تنتصر الكاتبة، وقد حققت الأديبة بعضًا من الكتابات التي وجدت فيها نفسها. الكتابة بالنسبة لي فعل حياة والصحافة بالنسبة لي فعل سعادة، وخاصة حينما تحقق الصحافية سبقا صحفيًّا.فكرة الظلم لم توجد من الأصل بين الصحافية والكاتبة، وخاصة أن الصحافية مهدت الطريق للكاتبة، عندما اتفقتا كل منهما تقف بجوار الأخري، فالصحافة أعطتني التجربة الحياتية، والأدبية أعطتني فرصة التخلص من أثقالي والتعبير عن ذاتي، بعد ترويض الصحافية التي ترفض الشريك.

** كعناوين رواياتك، تبدو لغتك السردية لغة رومانسية وحالمة إلى حد بعيد، ما الذي يدفعك إلى هذا، ونحن نعيش حياة ولا أقسى، في هذه السنين؟

* لا أحد يستطيع اختيار لغته في الكتابة، لأنها تولد مع الكاتب.إنني أتصور أن المبدع يولد بلغته، فهي جزء من تكوينه الذاتي والفكري وميوله لنوعية اللغة التي تتناسب مع روحه وفكره، وهو الوحيد الذي يري اللغة الأقرب لشخصيته.بالنسبة لي صارت اللغة الرومانسية وسيلتي للتعبير في الكتابة والحياة بشكل عام، ونشأتي ساعدتني علي هذا الطبع الرومانسي في الحياة، ربما ورثت ذلك عن أمي التي كانت رحمة الله عليها شديدة الرومانسية ومرتبطة جدًّا بالطبيعة والجمال الفطري في الروح والشكل.هكذا تشكلت اختيارتي في عناوين كتبي من طبيعة تكويني إلي حد ما، وحملت محتوي يشبهني فجاء عنوان أول عمل قدمته في بداية حياتي ” إليك وحدك ” وهو عبارة عن قصص قصيرة في صور رسائل أدبية من فتاة حديثة السن والتجارب بالحياة، ترسلها إلي صديق عاقل جدًّا ليس له وجود في الرسالة غير كونه صديق عاقل ” يحمل التجربة والخبرة “.أما الرسائل فتروي قصص من حياة بنت في السابعة عشر تتكشف الحياة والحب والصداقة والعالم الخارجي البعيد عن إطار أسرتها ومجتمعها الصغير.من أجمل صدف الحياة أن الفنان الكبير يوسف فرنسيس رسم لهذا العمل الأول الغلاف والرسومات الداخلية التي صاحبت كل رسالة فبدت لوحات تصاحبها كتابات، أو كتابات مرسومة في لوحات، وتوالت أعمالي تحمل عناوين علي هذا النحو كعنوان “عفوًا لأنني أحببتك”، ومجموعة قصصية بعنوان ” اتصل في وقت لاحق”، ومجموعة ” خمس دقائق ” وروايات ” شمس تشرق مرتين “، و” أهداني حبًّا ” وحديثًا ” أحلم وأنا بجوارك “.           حتي الكتب كانت تحمل عناوين أقرب للرومانسية ككتاب ” أعظم قصص الحب في القرن العشرين ” محتواه عن الحب في حياة الساسة والمفكرين ونجوم الفن في العالم.

** رغم أن عناوين رواياتك تشير إلى الحب والرومانسية، إلا أنها تناقش قضايا سياسية ومجتمعية هامة..فهل تقصدين بهذا مراوغة القارئ؟

* لا أقصد المراوغة، وإن كانت تبدو كذلك، القضايا السياسية و الاجتماعية ومدي تفاعلها مع البشر، لا تعني خلوّها من المشاعر والعواطف، لأنها قضايا جادة، والجدية لا تتنافى مع الحب والرومانسية، لأنها تتعامل مع بشر ومن أجل إسعاد البشرية في حقيقتها.الإنسان مهما كانت اهتماماته وهمومه وقضاياه التي يتبناها، يمتلك قلبًا ومشاعر وعواطف تؤلمه وحبًّا يعذبه أو يبحث عنه، لو ترجمت أي عمل نبيل تجد أنه ينبع من الحب.هذا ما تحمله عناوين رواياتي، التي أنحاز فيها إلي الجانب الإنساني والعاطفي في أي قضية.إنني أؤمن بأن هناك دومًا نهرًا عذبًا يخترق تلال المشكلات والهموم في هذا الكون..المهم أن نبحث عنه ونكتشفه ونرتوي منه.

** في رواياتك تكتبين عن المرأة، بل تجعلينها بطلة رواياتك، أهو انحياز لها؟ أم هو انحياز للإنسان المقهور والمغلوب على أمره عمومًا؟

* ليست كل كتاباتي تدور حول المرأة.المرأة في رأيي ند للرجل، وليست تابعًا أو قليلة الحيلة، وخاصة المرأة اليوم، فهي ليست مغلوبة علي أمرها إلا إذا تهاونت في نيل حقوقها واستسلمت لواقعها.المرأة في كتاباتي شخصية قوية، تمتلك أدواتها، أهدافها واضحة.كل بطلات رواياتي يتصفن بالقوة وليست نموذج المرأة المقهورة،  التي تعاني في بعض الأحوال من الهزيمة، ليس بسبب ضعفها، ولكن بسبب الظروف المحيطة بها.في رواية ” أهداني حبًّا ” يمر في حياة البطلة ثلاثة رجال يمثلون ثلاث مراحل تاريخية، منذ عهد عبد الناصر حتي عصر مبارك  مرورًا بالسادات، وقيام ثورة يناير 2011، دون أن تنحاز لأي منهم في انتظار الحبيب الذي يناسب أحلامها، منذ مطالب ثورة 52 يوليو ” عيش حرية عدالة الأجتماعية ” تلك المطالب التي أهداها لها الحبيب الأول ولم تُنفذ، هذا العصر الذي أهداها إلى حب بلادها ولم ترضَ عنه بديلا.أما بالنسبة لكتاباتي والقضايا التي تناولتها فلم تخص المرأة وحدها، بل كانت تخص الرجل أيضًا، دون تمييز في الجنس، فالإنسان، رجل أو إمرأة، يمتلك مشاعر وعواطف وهمومًا تكاد تكون واحدة في عصرنا الحالي.ولدي رواية  تناولت فيها أحلام رجل مجهضة، هزمته ظروفه ولم يحقق ذاته منذ ولادته حتي زواجه وعمله الذي لم يحبه، ولم يحلم به.           الرواية تحمل عنوان” اسمي حنفي ” وهي تدور حول فنان تشكيلي لم يختر اسمه الذي لم يحبه، وتزوج من ابنة عمه اليتيمة والتي تربت في بيتهم، وعمل في هيئة الصرف الصحي، وهو خريج كلية الفنون الجميلة.كل هذه التناقضات أدت إلي تفاقم أزمته مع ذاته.حينما يجد  الإنسان كل أحلامه مبعثرة، ولم يحقق  منها حلمًا واحدًا، إلي أن يكلف بالمشاركة في مشروع إلقاء مخلفات الصرف الصحي في البحر، هنا وقف أمام البحر الذي يمثل للفنان السحر والجمال، ليغرق فيه وينتقل إلي الجانب الأخر في  عالم اختاره في مدينة باريس، ليعيش حياة الفنان، يختار اسم جديد وحبيبة أخري ويعمل رسامًا، وتسير أحداث الرواية في خطين: حنفي المقهور وطارق الفنان، تتماهي الشخصيتان حتي لا نعرف من منهما حنفي ومن  هو طارق الرسام.

** في كتاباتك تناقشين قضايا جوهرية من قبيل قمع الحريات والدكتاتورية والتسلط وغيرها، ألا تخافين من دخول متاهات السياسة

* لا يوجد في الواقع فوارق بين السياسة والحياة الاجتماعية أو الأحلام، كلها انعكاسات لحياة الإنسان التي تختلط فيها كل قضاياه، والتقسيم يأتي من قِبل القوى المتحكمة حتي يسهل عليها السيطرة، وهذه سياسات استعمارية، درسناها ونحن أطفال صغار، إذ أن سياسة العدو تبنى علي فكرة ” فَرِّقْ تَسُدْ”، لكن من الطبيعي أن الإنسان يولد حرًّا، وله حقوق وعليه واجبات، والطبيعي أيضًا أن يحصل علي حقوقه ويقوم بواجباته  دون ثورات وعراك، في ظل أنظمة تؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية بلا قهر أو ظلم، لكن هذا لا يتحقق في معظم العالم، هناك حاكم وهناك محكوم وبينهما صراع خفي أو ظاهر وفقًا لمساحة الحرية والديمقراطية التي يتمتع بها الإنسان العادي ” المواطن ” في وطنه، ومن هنا ليس اختيارًا أن لا تأتي السياسة أو قضايا الحرية في كتابات المبدعين، لأنها قضايا إنسانية بالفطرة، والإبداع هو الوحيد الذي يعكس الواقع الذي نحلم به، وطبيعي أن يظهر في أشكاله كل صنوف القضايا الحياتية، وكل مبدع يأخذ منها القدر الذي يتماشي مع فكرته وتجربته الإبداعية، وبقدر اقتراب العمل الإبداعي من وجود الإنسان كإنسان، بقدر ما يكون صادقًا، أجاد عمله أو تاه منه..الإبداع هو محاكاة للواقع بأشكال مختلفة.

** هل ما زالت زينب عفيفي تحلم بالمدينة الفاضلة؟ أم حدث ما أثناها عن هذا الحلم؟

* المدينة الفاضلة كما تعلم هي أحد أحلام الفيلسوف أفلاطون، مدينة تمنى أن يحكمها الفلاسفة، ظنًّا منه أنهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شئ في هذه المدينة معياريًّا ومثاليًّا، مدينة أساسها أن يتمتع الإنسان بالحياة التامة في كل شيء بالقدر الذي يتمناه ويحلم به.وقد ذكرت فيما سبق أنني درست الصحافة المثالية في كلية الإعلام، ولم أجد أي مثالية في الواقع الفعلي والتطبيقي، لكن هذا لم يثنني عن الحلم، المثالية رمز للأمل، للأفضل، للسعي وراء الحلم، لأننا ” لو بطلنا نحلم نموت “، الكتابة والإبداع، هي مدن فاضلة بمعيار المبدع لذاته، رغم كل الإحباطات والفشل في تحقيق أحلام كثيرة، لكن أنا مخلوقة بطبعها لا تعرف اليأس، ولا تفقد الأمل في الغد، ما دمت أمتلك إرادتي فأنا أمتلك الحلم، لن أدع أحدًا يسرق أحلامي.كلما تحطم في حياتي حلم، يولد بداخلي حلم جديد، وكأنني موعودة بالأحلام.نعم ما زلت أحلم بالمدينة الفاضلة، ما دمت قادرة علي الحلم.

** في رواياتك ثمة نساء يعانين من الحب، تُرى أنت مع الحب أم ضده؟ وكيف يكون الحب، الذي هو حلم كل إنسان، سببًا في معاناته؟

* أنا دومًا مع الحب، بعض الأصدقاء المقربين لقبوني ب ” سفيرة الحب “.أنا أفعل كل شيء في حياتي بالحب وللحب، دون انتظارٍ لمقابل.أنا لا أستطيع تخيل الحياة بدون الحب، علي رأي نزار قباني لو لم نجده لاخترعناه، وحينما قال الشاعر كامل الشناوي أن العذاب هو البطاقة الشخصية للحب، لم يفزعني رأيه، لأن بعض من الحب فيه عذاب، وهو نفسه الذي قال اشترى الحب بالعذاب اشتريه فمن يبيع، لا أريد أن أقول إنه كلام شعراء، لأنه بالتأكيد نابع من تجارب حقيقية.الحب حقيقة الوجود، ونحن عرفنا الله بالحب، واكتشفنا أنفسنا بالحب، مهما كانت ضريبته العاشق جاهر لدفعها دومًا.أنا علي استعداد لتسديد فواتير الحب حتي لو كان العذاب، لأن عذاب الحياة الجافة بلاحب هو الموت.

** رصيدك الروائي يفوق رصيدك القصصي، هل يعني هذا ميلك إلى الرواية وتفضيلك لها عن القصة القصيرة؟

* أعترف أن كل رواية بدأت كقصة قصيرة، وخنت القصة بالرواية، لكنني أؤمن بأن الكتابه بها جزء كبير من القدرية، فكل قصة تولد بقدرها، كل كتاباتي تبدأ بفكرة مُلحة ثم تتشكل علي هوى الأحداث والشخصيات، فهي من تصنع مصائرها علي الورق.شخصياتي عنيدة أحيانًا، وفي كثير من الأحيان أفقد السيطر عليهم.

** تشرفين على صفحة تهتم بإصدارات المطابع وأخبار الكتب، ما رأيك فيمن يذهبون إلى اختفاء الكتاب الورقي أمام هجمة الكتاب الإلكتروني؟

* أثيرت هذه القضية في أكثر من محفل ثقافي، وخاصة بعد الهجمة الشرسة من الكتاب الإلكتروني، وانتشار الوسائل الإلكترونية وتعددها، وزيادة أسعار الورق، ومشكلات صناعة النشر، التي أصبحت تهدد الكتاب الورقي.لكني أعتقد أن الكتاب الورقي بتاريخه، سوف يستطيع التعايش مع الكتاب الإلكتروني، والكتاب المسموع أيضًا، وسيظل كل نوع من هذه الوسائل له جمهوره الذي لن يستغني عنه، هذه حكمة من حكم الحياة القديمة، الاعتياد والموروث لهما أحكام، وأشياء كثيرة تتحكم في مزاج القاري، وليس بالضرورة أن يكون قارئًا شابًّا أو عجوزًا ليتمسك بالإلكتروني دون الورقي، لكل قاريء عشق ومزاج.أما أنا فأحب أن أتشمم رائحة الورق، فهي كالعطر الذي أسير بشذاه خلف صاحبه، وهذا لا أحسه ولا أعيشه مع الكتاب الإلكتروني أو المسموع، الذي سرعان ما يتلاشي كل منهما بانتهاء فعل التأثير بهما علي مخيلتي.بينما أستطيع أن أتلمس الكتاب الورقي وأضع خطوطًا تحت جمله واستعاراته، وأشياء أخري أبسطها أن أضع ورودًا لتجف بين أوراقه لتحمل ذكرى أعيش علي ضفافها.

** هل كانت ستتغير خارطة إبداعك كمًّا وكيفًا لو لم تعملي بالصحافة؟ أم على العكس، أضاف عملك بالصحافة إلى كتابتك الروائية؟

* لا أستطيع التنبؤ بما لو، لأن عشقي للقراءة والكتابة بدأ في مرحلة مبكرة من عمري، وعيْتُ في بيت يقرأ، ومكتبة صغيرة تضم الأعمال الأدبية الهامة التي ما زلت أقرأها حتي الآن، كالأعمال الكاملة لديستوفيسكي، وتشيكوف، ومن الأدب الفرنسي كتابات سارتر وسيمون دوبوﭭوار والبير كام، إلي جانب أعمال طه حسين وتوفيق الحكيم وسلامة موسى ويحيى حقي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ، وكتابات كامل الشناوي وكوليت خوري وفدوى طوقان، التي قرأتها في سن مبكرة قبل التحاقي بكلية الإعلام، والذي جاء وفقًا لاختبارات شخصية وليس عن طريق التنسيق مثلما يحدث اليوم، كان هناك اختبارات شخصية شفوية تسبقها اختبارات تحريرية في كل المعلومات العامة، الفنية والثقافية والسياسية، جاءت تلك الاختبارات من  جانب كبار رجال الأدب  والصحافة، لقدرات الراغبين في الالتحاق بالعمل الإعلامي سواء كان صحفيًّا أو إذاعيًّا، وساعدتني خلفيتي في القراءة علي اجتياز هذه الاختبارات.لا شك أن العمل في مجال الصحافة دفعني للكتابة وهذا أمر جاء بشكل طبيعي في حياتي لعشقي للكتابة والقراءة، وأحلامي في الصحافة، لكنني لم أفعل ذلك من أجل أن أكون كاتبة مشهورة أو صحفية معروفة. كل ما أديته في عملي كصحفية وككاتبة نابع من عشقي وحبي للمهنة ولنفسي ولأحلامي الخاصة. لا شك أن الصحافة أضافت للكتابة الخبرة والتجربة الحياتية بالاضافة إلي القراءة، لكن الكتابة ساعدتني علي اكتشاف ذاتي.

** بمناسبة روايتك الأحدث “أحلم وأنا بجوارك” بماذا تحلم زينب عفيفي صحفيًّا وإبداعيًّا؟

* في بداية حياتي الصحفية كان حلمي تغيير العالم، ولكني أنا التي تغيرت، لقد تغير العالم من حولي، وما زلت أحلم بأن أقرأ كل الروايات والكتب في مكتبتي الضخمة، وليت الوقت يمهلني لأفعل ذلك. ما زال حلم الكتابة مستعرًا بداخلي، لأن هناك حكايات أريد أن أكتبها وأرويها.الحكايات التي تعيش بداخلنا ولا نرويها بالقراءة والكتابة تجعل خطواتنا ثقيلة في الحياة.

** هل الواقع، حقيقة، وكما ترين في رواياتك، فيه ما هو أغرب من الخيال؟ أم أن هذا ما هو إلا استهلاك روائي؟

الواقع دومًا يحمل الخيال بداخله، وما علي المبدع إلا اكتشافه، الخيال من صنع البشر، أما الواقع فمن صنع القدر، وعلينا أن نقرأ ونتفاعل مع الحياة، لنكتشف أنفسنا من خلال الواقع والحقيقة التي لا نعرفها، وحينما نكتشف بعض الحقائق يثار بداخلنا سؤال يدهشنا: هل هذا معقول؟! وإذا لم يحمل الواقع أحداثًا أقوي من الخيال تموت الدهشة، وإذا فقدنا الدهشة مات كل شئ حولنا، لأن الدهشة إعلان صريح للحياة.

مقالات من نفس القسم