زهرةُ النهد

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نمر سعدي

يا عازفَ النايِ الوحيدَ أمامَ واجهةِ البنفسجِ خذْ هموميَ واعطني وهجَ الأصابعِ أو خلوَّ سماءِ روحكَ أيُّها الطيرُ الشريدُ، تعبتُ وانهارتْ قوايَ ولم أجدْ في الاستعارةِ يا أخي أحداً سوايَ، لمن تغنِّي في نهارِ الزمهريرِ لغيرِ جمرِ البردِ والمطرِ الذي يهمي بغيرِ توقُّفٍ؟ خذْ صرختي، قلقي، صدى روحي، وهاتِ خلوَّ قلبكَ واستراحتكَ الأخيرةَ مثلَ جنديٍّ على جذعِ الصنوبرِ راحَ يحلمُ بالحبيبةِ، والحروبُ تمرُّ تحتَ خطاهُ أو قدميهِ.. صدِّقني بأنَّ الوردَ يكذبُ وابتساماتِ النساءِ هنا معلَّبةٌ ودمعُ العابرينَ، وفي دمي وترٌ يدندنُ.. أينَ يا قلبي سيأخذكَ الحنينُ؟

*

بالحدسِ أكتبُ ما أُحبُّ وأقرأُ الأشياءَ

أو أدعو غريباً جاءَ من أقصى المدينةِ

كي يشاركني تأمُّلَ وردةِ اللبلابِ

وهيَ تمدُّ في ترفٍ ضفيرتها كأنثى

لم تجدْ أحداً يشاركها غناءَ الفجرِ والبُنَّ المعطَّرَ

أو يشبِّهُ عصفها بالزعفرانِ..

يشمُّ في يدها عبيرَ الهالِ..

بالحدسِ الجميلِ أُعيدُ ترتيبَ القصيدةِ

كلَّما أبصرتُ شخصاً صارَ نصَّاً ضائعاً مني

فهل لو صرتِ أنتِ قصيدتي

أو كنتُ أسكنُ في شتاءِ مجرَّةٍ منسيَّةٍ وحدي

سأرقصُ تحتَ أمطارِ الذهولِ بلهفةٍ عطشى

كمشتاقٍ لمشتاقٍ وأُشعلُ في حدائقِ عاشقٍ غيري كطاغورٍ

شموعي السرمديَّةَ في تفتُّحِ كلِّ أزهارِ الكناية؟

*

تهبُّ الميجنا من جهةِ الشمالِ

عصافيرَ صغيرةً بحجمِ قطراتِ المطرِ

أو عاصفةً من زهورِ الليمونِ

في طوافها لم تجدْ غيرَ تلويحةِ قُبلٍ ضائعةٍ

لحبيباتٍ منسيَّاتٍ

ولم تعانقْ سوى أصابعَ أجراسٍ في ديرٍ بعيدٍ

الميجنا روحُ امرأةٍ تكفِّرُ عن وصالٍ لم يحدثْ

أو حُبٍّ لم ترتكبهُ أبداً

في كلِّ شتاءٍ تحتشدُ قمصانها بالناياتِ المندلعةِ

وبالأسماكِ المضيئةِ والينابيعِ الجوفيَّةِ

الميجنا نداءٌ غامضٌ على من نحبُّ

وردةٌ يابسةٌ من الريح

تنامُ في جيوبِ ملابسنا

في خزانةٍ مهجورة

*

ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا طريقَ ولا وصولْ

هيَ رغبةٌ أبديَّةٌ.. عطشٌ وهاويةٌ..

وسرٌّ لانزلاقِ يدي إلى الجسديِّ في المعنى..

ارتقاءُ الماءِ والروحيِّ في حبقِ الجليلْ

أُكتبْ لكي تنجو.. يهبُّ صدى حمامٍ زاجلٍ

أُكتبْ لكي تنسى كوابيسَ الحياةِ

أُكتبْ لتحلمَ أو لتعشقَ..

فالكتابةُ مثلَ فعلِ الحُبِّ أو وجعِ المخاضِ

وما القصيدةُ غيرُ زادكَ في المتاهةِ

غيرُ نايِ جبالكَ الأُولى..

ومتَّكأٌ لحورياتِ شمسِ البحرِ..

هل يكفي صدى تنهيدةٍ جوعى فتاةً في الفلاةِ

يشوقها قمحٌ من القُبلاتِ أو عنبُ الخليلْ؟

ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا تريحُ القلبَ من حُبٍّ

ولا تشفي من الأحلامِ…

أو من رعشةِ الليمونِ في آذارَ

أو لوزِ الغيومْ

يا ليتني كومبارسُ في فيلمٍ قديمٍ

ليتنى أحدُ الهواةِ المولعينَ بجمعِ أسماءِ النساءِ أو الطوابعِ

والتسلُّلِ في الظلامِ إلى رؤى هوميرَ أو وجعِ النسيمْ

*

أمدُّ يدي لأقطفَ عن غصونِ الريحِ تفَّاحةْ

أنا الطفلُ اللجوجُ

وكلُّ أُنثى ذئبةٌ بريَّةٌ في الليلِ

تخمشُ زهرةَ الليمونِ

تطردُ عن نوافذها نوارسَ لهفتي

وصدى صراخِ السندبادِ

تشبُّ فيهِ الرغوةُ البيضاءُ من وحمِ الزنابقِ

أو يئنُّ البحرُ في ناياتهِ ويضمُّ ألواحهْ

*

ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تقتفي ظلَّهُ

في ربيعٍ كهذا الربيع المصابِ بداءِ الكورونا؟

ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تتقاسمهُ من فُتاتِ النهاراتِ

أو تتنادى بهِ من شظايا الصدى في الطلولْ؟

علَّمتني الهشاشةٌ كيفَ أُداوي جراحي…

فما ينبغي للفراشةِ في جسدي أن تقولْ؟

وأنا لم أعشْ لحظةً في بيوتِ قصائدَ شيَّدتها

خارجَ الشِعرِ كانتْ حياتي

وبريَّةٌ للأُنوثةِ كانتْ على مدِّ عينيَّ

أعدو وراءَ السرابِ وبي عطشٌ لا يزولْ

ما الذي ينبغي أن تعلِّمني

زهرةُ النهدِ إيَّاهُ.. بعدَ الذبولْ؟

*

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم