زمن الحب والبطولة

noha mahnoud
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهى محمود

منذ أيام صادفني فيلم iron man على قناة أفلام، ينقذ فيه توني ستارك، الذي يقوم بدوره في السلسلة روبرت داوني جونيور، مجموعة من المدنيين الأبرياء. عندما علم أن شركته باعت السلاح لإرهابيين حاصروا قرية بها أطفال ونساء ورجال عزل وقتلوهم، اخترع الرجل الحديد وطار به إلى هناك حيث قتل الأشرار. ذكرني الفيلم بتلك التيمة المغرمة بها هوليود؛ البطل الخارق الوحيد الذي يهزم الشر سواء كان سائق ينقذ قطار من الاصطدام، أو بطل أمريكي ينقذ عالقين في مركب يغرق أو في حريق مبنى ضخم، ربما حتى من ظاهرة طبيعية زلزال أو سيل أو بركان أو حتى عملية إرهابية لرجال مجانين يفكرون أن على العالم أن يقدم المزيد من الدماء.

الكثير من السخرية والمرارة ملأت روحي، وأنا اقارن بين استقبالي لهذه النوعية من الأفلام فيما مضي، جرعة من الحماسة والأدرينالين وربما قضم الأظافر، وانتظار أن ينتصر الخير والبطل الوحيد على الشر والجنون.

غالبا تسيل دموعي في المشهد الأخير، حيث الناجين ودموعهم وأحضان الأمل والفرحة بالنجاة.

كنت اصدق أن حياة إنسان واحد يتم إنقاذها تستحق كل هذه الدراما.

لكني وجدتني هذه المرة أحرك شفتي باستهزاء، وأفكر في كل ضحايا الحرب التي على الناصية الأخرى من الشارع، أضبط نفسي أكثر من مرة في الفيلم وأنا أفكر لو زار هذا الرجل المستضعفين في هذا الجانب من العالم، لو فعل تماما ما قام به في الفيلم.

فكرت في الموت، الكثيف، غير المبرر، وفي الفقد الذي حدث طوال الأسابيع الماضية حيث غادر أحبة وأهل لأصدقاء مقربين لي، ملأني الحزن وقبض الشجن صدري.

أمس فتحت اللاب توب، لأشاهد فيلما واخترت فيلم “ما قد تأتي به الأحلام” What dreams may come ، لم يكن مناسبا أن اشاهد هذا الفيلم، كنت أعرف ذلك لكني شاهدته.

 منذ مات / انتحر روبن ويليامز ورؤيتي له تستدعي شجنا غامض وحزنا كبيرا، هو في الأصل يملك عيونا حزينة ممتلئة بالإنسانية، طالما لفتت انتباهي في كل أدواره، لكني منذ حادثة غيابه وأنا أبدو غير مرتاحة لمشاهدته، يبدو الأمر مثل أني اشعر بما يعانيه أكثر من الازم، تمسني جدا وتؤلمني مشاهدته، أنا قرأت قصة الفيلم من قبل وأعرف ما يدور لكن تلك كانت مشاهدتي الأولى له.

رجل يقابل حب حياته، توأم روحه كما قال، يتزوجان وينجبان ولدا وبنتا غاية في الجمال، يموت الطفلان في حادث سيارة أثناء ذهابهما للمدرسة، تصاب الحبيبة بانهيار وتحاول الانتحار، تمر بوقت عصيب وتدخل المصحة، لكن الحب ينجيها ووجود الرجل الذي اختارته معها.

بعد 4 سنوات يموت هو الآخر في حادث سيارة، تنهار هي مرة أخرى وتشعر بالذنب المضاعف لأنها في المرة الأولى كان عليها أن توصل الأولاد للمدرسة وفي المرة الثانية مات حبيبها وهو ذاهب لمخزن المتحف ليحضر لها لوحات خاصة بعملها.

بعد أيام من الألم تنتحر وتغادر هذا العالم. يقابل البطل أولاده في الجنة، مشاهد في منتهى الجمال، الفضول هو ما تملكني، أحب أن أعرف كيف تبدو الجنة في عيون الآخرين.

كانت الجنة هذه المرة لوحة رسمتها الحبيبة ليعيشا بها في الحياة الأخرى، الألوان طازجة، شلال وطيور وأزهار وبيت رسمته.

يقابل الولد والبنت كلا في جنته، وعندما يعرف أنها ماتت منتحرة، يخبروه هناك أنه لا يمكن أن يقابلها، لأنها في الجحيم.

في النهاية يصل لمرشد روحي يصحبه للجحيم ويخبره أنه لا يمكن أن يأخذها من هناك، هذا لو عثر عليها بالأساس.

لكن لديه فرصة، 3 دقائق ليودعها.. يذهب للجحيم، ويعثر عليها. يجلس جواراها، ويفكر إنه طالما لا يستطيع اصطحابها للجنة فسيبقى معها في الجحيم، لكن إرادة الحب تهزم ما هو مقدر، وينجح أن ينقذها ويأتي بها لجنته حتى يعيشا معا للأبد مع أولادهم.

وعندما يختارا أن يعودا لعالم الأحياء ويولدا من جديد، ليعيشا قصة الحب مرة أخرى تسأله كيف ستعثر عليّ، يجيب بابتسامة ويقين لقد وجدتك في الجحيم. حتما سأعثر عليك في الحياة الأخرى.

في ظرف آخر، كنت سأشعر بالتأثر، كنت سأصدق في قوة الحب، التي أعرفها جيدا، قوة تلامس المحبين وأحضان الشوق واللهفة والمواساة، قوة الحب للتخلص حتى من اللعنات كما حدث في فيلم Practical Magic ، دائرة الحماية التي سقطت داخلها نيكول كيدمان مُستحوذ عليها من روح شريرة، فأمسكت أختها ساندرا بولوك يدها بعدما أغلقت الدائرة بالأصدقاء والأهل، ومررت لها كل الحب والذكريات بينهما حتى انكسرت لعنة لا يمكن كسرها وعادت الفتاة.

كنت أحب هذا الفيلم جدا وأبكي بتأثر في نهايته، كنت فيما مضي أصدق في قوة الحب وما يمكن للمحبة أن تفعله من أشياء عظيمة، وكنت اصدق في وجود البطل الذي يمكن أن ينقذ الضعفاء وينتصر للإنسانية.

كنت أصدق حتى في المعجزات، لكن نظرة واحدة من مستوى النظر على هذا العالم، تجعلك تذوق الكثير من الخذلان.

الحكايات التي صارت باهتة، والصمت الذي يطبق على كل ما في القلب يخبرني أنه ليس هذا زمن الحب ولا البطولة.

مقالات من نفس القسم