رمش العين.. الإمساك بالمستحيل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد الفخراني

 يمتلك محمد خير ما يؤهله للانتقال بين الأشكال الأدبية ببساطة، فهو شاعر العامية وكاتب قصيدة النثر بالفصحى وكاتب المقال والقصة والرواية أيضاً.. يمتلك خير: سرّ المهنة، إذا جاز التعبير، إدراك فكرة الكتابة، والابتعاد عن الفذلكة والأفكار الكبرى، الحسم اللغوي، القدرة على إنجاز"التماسك"، والذكاء اللازم لعجن الموهبة بالحرفة، حرفة الصياد الكسول.. الانتظار والصبر والقنص في اللحظة الملائمة.

في مجموعته “رمش العين” الصادرة عن “دار الكتب خان”، يبني خير دون مغامرات لغوية غير محسوبة. يبدو دقيقاً، كل كلمة في موضعها، لكنها لا تفتقد إلى الرهافة والتقاط عيني الموهوب وروحه للعالم.

الخيط الجامع للقصص هو “رمش العين” حدث ويحدث فجأة في أقل من الوقت المتاح لغمضة العين وتفتيحها قد يكون جملة عابرة “الأجرة يا عمو”، الإشارة العابرة التي تذكر غيره بالعمر الذي يمرّ وضرورة أن يتزوج، تحاصره لتذكّره بألم أكبر، عن سلمى زوجته التي ماتت وهي تخاطب شخصاً آخر سواه (عيسى)، ويواجه ألمه الخاص الذي بعد أن ظنّ أنه نجح في إخفائه في ركن قصي في ذاكرته، تعيده إلى الواجهة عبارة عشوائية لم تستغرق أكثر من “رمشة عين”: فين الأجرة يا عمو.

أسماء القصص الخمسة عشر تبحث عن “رمشة العين”  تلك في “بينج بونج”، “غفوة”، “الدبيب”، “القيلولة”، “الوقت المستقطع”، “الآثار الجانبية لمطر مفاجئ”، ما بين الزمن، ليس الزمن، ما يمكن قنصه عند استسلام الصيّاد للكسل الواعي.

هي أشبه باللحظة التي قرّرت فيها هدى أن تحكي لزوجها لحظة انتحار الجار بالصعود فوق سور الشرفة والقفز، رغم “أن لا أحد رأى الحادثة، إلا أنها بديل يعلم زوجها أنه يعوضها عن أحلامها “الاعتيادية”، وأن تعيد حكاية المنتحر وتفاصيل حياته اليومية والجانب المحزّن فيها عن طريق المبالغات “كان صوت بكائه يصل إلى غرفة النوم”، لكن حكاية المنتحر على ألسنة أصدقاء الزوج تختلف فهو فاشل لا بائس، كسول يضرب زوجته المجتهدة التي تأتي كخائنة في رواية أخرى، وعاجز جنسياً، هم أصدقاء الجامعة مع السارد، يلتقط خير هذا التلون المأساوي للمصائر، تلون لا ينقذه تعدد الرواة، لكنه يستطيع أن يتلقط براءة البداية، عندما كان المنتحر شاباً يافعاً لا يدرك أي مصائر متلونة تنتظره، مصائر تجعل المنتحر حكاية متعدّدة النسخ على ألسنة الرواة، كأن حياته وموته ليسا قراراً يخصّه.

كوميديا سوداء، مصائر تواجه العبث بأريحية، بحياد بقناعة أن الطريق هو الطريق، لا مفرّ، عقلانية تناسب شاعرية خير وكسله القناص وسخريته المتماسكة التي تصيب هدفاً ببساطة: “كنت عند محمد نعيد ترتيب أثاث شقته،لأنه صار مقتنعاً تماماً بأنه يمشي أثناء النوم، محمد لا الأثاث طبعاً”، الصديق مصاب بداء النوم، بينما هو يبحث عن زهرة تدعى “رمش العين” بلا ثقة كونه لديه “خبرات مع ذكريات مخترعة أساساً، لا يبدو أنه واثق من كونها زهرة أو نبات أصلاً لكنه يستمر في البحث، إنه بحث معذب عن مستحيل، عن سراب تمتلئ به العين بيقين، بأمل عصي، كشخوص المجموعة التي تتناثر بهذا الأسى عبر 15 قصة.

لا تعرف أيضاً من اخترع الآخر، الصديق الذي يمشي نائماً، أم البحث عن زهرة لا وجود لها، زهرة تقتنص الزمن، تمسكه في إفلاته، في غفوته، في رمشة العين المستحيلة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم