رسالة استثنائية من طالبة في المرحلة الثانوية إلى جورج أورويل

جورج أورويل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ترجمة: نبراس الحديدي

تدعو مكتبة الكونغرس الناشئين ممّن تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثامنة عشرة لكتابة رسائل موجهة إلى الكتّاب والمؤلّفين (أحياء كانوا أم موتى)، وقد ذهبت جائزة هذه السنة إلى ديڤي آتشاريا، التي خاطبت في رسالتها الروائي البريطاني جورج أورويل قائلة: «ما كان ينبغي أن تنشر كتبك تحت تصنيف روايات الخيال – فكيف للخيال الذي تتحدّث عنه أن يكون واقعاً يحدث خارج منزلي كل يوم؟».

هذه رسالة ديڤي إلى جورج أورويل: «كنتَ على حق، كنتَ على حق، كنتَ على حق. أنا آسفة لأنني لم أستوعب ما كتبتَهُ من قبل، وأشعر أنني مغفّلة وأنا أكتب إليك، ما كان ينبغي أن تنشر كتبك تحت تصنيف روايات الخيال – فكيف للخيال الذي تتحدّث عنه أن يكون واقعاً يحدث خارج منزلي كل يوم! يميل الناس دائماً إلى الحديث بغضب عن طغاةٍ وهميّين، في حين أن الواقع البائس الذي نخشاه ونشمئزّ منه يُشيّد من حولنا دون أن ندري، وقريباً لن يكون لدينا سوى قلعة واحدة، ومعقل أخير يقطع كل أمل للحب أو العاطفة الإنسانية، ويحبس داخله كل مواطن بشريّ بسلاسل القانون دون اكتراث.

قرأت روايتك “مزرعة الحيوان” عندما كنت صغيرة السنّ – صغيرة جداً على فهمها، وكنت أحسبُها محض حكاية رمزية هزلية لا أكثر، في كل يوم أشهد فيه الظلم على شاشات الأخبار، وفي الشوارع، وفي منزلي، في كل يوم أرى فيه المستضعفين يثورون على حكّامهم. لقد كنتُ أشبه بالعمياء فيما مضى، لكنني تداركت الأمر وعدت للتأمّل، لتأمّل الناس والأمكنة والدوافع وردود الأفعال من حولي، وحاولت جمع ما استطعت من أجزاء عالمي المتناثرة مستعينة بالخريطة التي أبدعتها أنت.

ثم انبثقت روايتك “1984” إلى الوجود وكانت المفتاح الذي أدار القفل في عقلي، وسمح لي برؤية الحقيقة، والعثور على اليقظة التي كنت أفتقر إليها. أبصرت أوجه القساوسة في أحقر البشر، ورأيت النفاق، وتكتيكات التخويف، والخداع والهستيريا. ورأيت مخاض الإرهاب الحقيقي كما هو، ثم رأيت الذعر الأكثر هولاً منه، والأكثر فتكاً ورعباً.

والآن ماذا سأجد عندما أغامر بالخروج من جنّتي الصغيرة الآمنة؟ طائرات درونز تحوم حول المنطقة، وهواتف محمولة ترصد كل حركة، وتسجّل المحادثات وتحلّلها بحثاً عن أية شبهة، ورغم ذلك كله يبدو أن الجميع يشعر بالرضا! الفضائح تنتشر بسرعة، وتختفي بسرعة. أصبح الناس يحلمون بالعيش في عصر يحكمه أبطال خارقون ورجال مسلّحون بوسعهم حل مشكلات العالم بأسره.

أنا يا سيدي، لا أؤمن بفساد عناصر المجتمع كلها، ولا أظن أن من واجبنا محوها وتحطيمها. أنا أحب هذا العالم، وأريد حمايته، لذلك أقول (كما كنتَ تردّد دائماً): على البشر أن يحذروا ويراقبوا العالم من حولهم عوضاً عن الانشغال في أداء واجباتهم والانسياق خلف المــُــتع فحسب، كما يفعل الكثيرون اليوم. وهذا ما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة – لأقول لك: (للمرة الأخيرة) كنتَ على حق، كنتَ على حق عندما ألّفت كتبك، وعلى حق في كل ما فعلته لجعل العالم مكاناً أفضل للعيش. وها أنا ذا أخطو أولى خطواتي في عالم الكتابة، لأصف العالم من حولي كما كنتَ تفعل، وكلّي أمل أن أغدو مثلك، متأمّلة أسير وأحكي قصصي للجميع، وأحاول جاهدة مساعدة العالم علّه يستجيب.

إنك حقّاً ملهمي، وكلماتك سيتردّد صداها في هذا العالم لقرون لاحقة.

وداعاً الآن.

………………………….

المصدر:

https://io9.gizmodo.com/a-high-school-students-remarkable-letter-to-george-orwe-1614514198

نبذة عن المؤلف:

يعدُّ جورج أورويل (1903م – 1950م)، من أهم الكُتّاب البريطانيين في القرن العشرين، واهتم طيلة حياته بالدفاع عن المظلومين والديمقراطية ومحاربة الديكتاتورية والظلم والفقر. وكتب المذكرات والشعر والرواية. من أهم رواياته “مزرعة الحيوان” و”1984″.

 

 

مقالات من نفس القسم