رسائل سيمون دو بوفوار/ نيلسون ألغرين (الحلقة 13)

سيمون دي بوفوار
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ترجمة: سعيد بوخليط

 بدعوة من جامعات أمريكية عديدة، سافرت سيمون دو بوفوار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث مكثت هناك طيلة الفترة الممتدة من شهر يناير غاية ماي.

خلال شهر فبراير، في نيويورك، التمست ماري غولدستين من صديقها نيلسون ألغرين، حين زيارته مدينة شيكاغو، الذهاب قصد التعرف على الكاتبة.

فعلا اجتمع بها وقضيا معا ليلة، وعند ظهيرة اليوم التالي، اصطحب ألغرين بوفوار في جولة شملت أحياء المدينة المهمشة، وكذا حانات الحي البولوني.

بعد ذلك،  أخذت بوفوار القطار المتجه إلى لوس أنجلس.  

                                    

 الخميس  12 يونيو1947

حبيبي الغالي،

طيلة أسبوع. لم تصلني أيَّ رسالة منكَ. لامشكلة لدي كي أتحلى بمزيد من الصبر،  بهذا الخصوص، سوى التشكيك في تقاعسكَ عن المبادرة إلى الكتابة. لقد تهامسنا :”لن نخسر معا وجودنا المشترك”. أومن بكَ مادمت أعلم إيمانكَ بي، وأدرك بأنكَ لن تنساني. مع ذلك،  يغمرني الحزن.  

حينما وصلتُ باريس، توجهتُ قبل فعل أيّ شيء ثان، صوب الفندق أملا في العثور هناك على رسالتكَ :البارحة،  وجدتُ صندوق الخزانة الصغيرة فارغا، كما الشأن هذا الصباح، ولازال الوضع على حاله طيلة اليوم.

من ناحية أخرى، مكثتُ ثلاثة أيام في القرية، ثم غادرتُ على متن سيارة أجرة، فكان الاختيار سيئا، وإن سحرتني خلال المسافة مشاهد قرى جميلة ذات طابع فرنسي حقا، ممرات صغيرة، تحيط بها غابات وأودية.  

انكببتُ جديا على عملي، لأن تهيئ كتاب حول أمريكا يشغل هواجسي، سيكون مشروعا طويلا، فبالإضافة إلى أنِّي لست معتادة أبدا على الإسراع في الكتابة، يبدو صعبا جدا ما أتطلع قصد إنجازه. بهذا الصدد، لم أتبيَّن بعد الايجابي من السيئ، مع ذلك أتقدم وبمتعة.  

عدتُ إلى باريس البارحة.  

سأقيم هذه الليلة حفلة!لذلك وجهتُ دعوات إلى عشرين صديقا تقريبا، بغية الاحتفال برجوعي من أمريكا(أو بالأحرى حبيبي”الإبعاد القسري”عن أمريكا، بينما يسميه هؤلاء رجوعا).

عثرتُ على معالم قبو جذاب يمكننا الرقص داخله على إيقاع أسطوانات رائعة لموسيقى الجاز وكذا معزوفة فنية أخرى. اشتريتُ قنينات من أصناف الكحول التالية :ويسكي،  كونياك،  جين،  فودكا، بعد ذلك تفرغتُ للعناية بمظهري فاتخذتُ كامل زينتي، بحيث ارتديتُ الفستان المكسيكي الذي اشتريته في نيويورك،  ثم القلادة الزجاجية التي تحبها. بدوتُ حقا أنيقة، رغم إقراركَ لي خلال مناسبة سابقة باستحالة أن أكون كذلك.   

حبيبي، كم سأشعر بالسعادة، لو تراجعتُ عن استضافتي لهؤلاء المدعوين وشرعتُ في تكسير الزجاجات، وخلعتُ فستاني المكسيكي ثم فجأة أراك تلج غرفتي ذات الإضاءة الوردية التي تشبه لون معجون الأسنان!بالتأكيد، سنعيش ذات يوم هذه اللحظة. سيتملى ثانية أحدنا وجه الثاني، تقبِّل شفتاكَ شفتي، فأرهف حينها السمع إلى صوتك. نعم، سنعيش هذه الأجواء، لكن ليس الليلة الحالية، بل سأذهب إلى الحفلة، تحت حافز أمل التسلي، سأخبركَ بالتفاصيل.  

اهتم ثلاثة ناشرين بكتابكَ. مما لاشك فيه، أن جوابهم النهائي يستغرق وقتا، لكني متيقنة مع  ذلك بأن النجاح سيحالفنا. ربما ظفرتَ في نهاية المطاف ببعض المال الفرنسي.  

باريس مدهشة. نعاين عند زوايا أمكنة صغيرة لشارع سان جيرمان، مجوعة فنانين بصدد رسم لوحات عن الأشجار، الكنيسة،  وأمكنة صغيرة، تنقصهم الموهبة(لماذا؟ لاأعرف،  لكنهم يفتقدونها فعلا) مع ذلك تظهر ملامحهم ارتياحا حين التطلع إليهم. شعور تأتى لي على الفور.  

حبيبي، كيف تجري الأمور في شارع  وابانسيا(شيكاغو)؟ أرجوك. راسلني، تحدث إلي،  ابتسم إلي، عانقني.  

أحبُّكَ .  

أبعتُ لكَ ببطاقات صغيرة لصور التقطت في بلدة رايت (نيويورك).  

سيمون التي هي لكَ.                                

……………     

*المصدر: رسائل سيمون دو بوفوار،  غاليمار، 1997 .

        

مقالات من نفس القسم