وصعدت في وهج الحماس مكائناً = تعلو السماءَ تُجيبها الأمصار
وتجوبُ أطباق السماء كأنّها = برقٌ وقلبي فوقها إنذارُ
روحي كأرواح المئات تعلّقت = فوق الغيوم تسوقها الأقدارُ
لكنّ شوقي طاف خوفي وارتقى = كوناً لمن قلبي لها مضمارُ
ما كنت أشعرُ في السماء بأنني = للفاجعات وقودها وشَرَارُ
اللهُ يمسكُ علوها ومسيرها = نحو الجنان يشدها الستّارُ
عبر المحيط كأنني البحّارُ = فقطعتُ آلافاً لبيتك قاصداً
وتركت أهلي في حماك كأنهم = أفراخ طير ما لهم أستارُ
ونزلتُ جدّة ثمّ مكة والهوى = صوب الصفاء كأنّني إعصارُ
وبدأتُ أجري نحو بيتك لائذاً = ودنوتُ منه فالمسيرُ عثارُ
وتلعثمَ النطقُ المتوّج بالحيا = وتبلّلت من مقلتي قفارُ
واهتزَّ من حولي المكانُ لرجفتي = واهتزّ من قدمي الذرى وذمارُ
كيف اللقاء وعشت دهري لاهياً = والقلبُ كاد من الدّجى ينهارُ
ورأيت كتفي في الشمال محمّلا = بالمنكرات تزيدُه الأعمارُ
ورأيت كتفي في اليمين كأنّه = غصنُ الشتاء وما علته ثمارُ
فتحيّرت قدماي أين مسيرها = وتصارعت في مهجتي الأفكارُ
أنت الحليمُ وخير جودك نافذٌ = وأنا الجهولُ وملبسي الإنكارُ
ونسيتُ عند المفرحات كريمها = وكأنّها من قدرتي أزرارُ
ورجوتُ عند إساءتي متضرّعاً = عطفَ الجليل ومظهري استغفارُ
فتسابقت نحوي المكارمُ جمّةً = وكانّها غيثُ الشتا ينهارُ
فأجبتها بالموبقات تجاهلا = فأمدّها من فضله الجبّارُ
ودخلتُ بيتك والذنوب كبائرٌ = والظهرُ قوسٌ والمشيبُ صفارُ
ودخلتُ أحبو والجبين ملطّخٌ = والرأسُ أرضٌ والعيونُ جمارُ
وجلستُ أنظرُ للسواد كأنّني = في عالمٍ قد حاطه الأنوار
وبكيتُ حتى بُلّلت جدرانها = ودعوتُ حتى هدّني الإكثارُ
وجلست عند جدارها وقصيدتي = تحكي اللقاء وحرفها إبحارُ
وسعيت في خجل أدور بروضها = وكأنّها للكائنات مدارُ
حاشاك أخرج من مقامي مذنباً = ويدومُ بعد الضارعات ضرارُ
وخرجتُ من باب الرجاء يسوقني= للموت حشدٌ ما لهم أعذارُ
وخرجتُ أبكي والرجاءُ يزفني = والعينُ من قِصر اللُّقا مدرارُ
أملي بانّ الله يكفلُ عودتي = ولقاءُ من رُفعت بها الأوزارُ
وخرجتُ والبشرى بوجهي راجياً = أرضَ الرّسول تسوقني الأسفارُ
ودنوت من خير الأنام مقاربأً = فكأنّ قربي للهدى أشبارُ
وجلستُ أقرأ للرسول قصيدتي = فتعيدها من بعديَ الأسحارُ
وخرجت أنظر للبقيع فضمّني = طوقُ الضياء بأرضه ومزارُ
وركبت أقصد في المسير حدائقا = تعطي الدماء لريّها الأبرارُ
وتبعت عطراً رائقا فإذا بحمـ= زةَ يستقيم كأنّه الجرّارُ
ووقفتُ أقرأ في عُلاه قصيدةً = تحكي الفداء فشاقني التكرارُ
يا أرض يثرب قد ملكتِ معالماً = ومآثراً قد صاغها الأنصارُ
وحملت أعباء الرسالة قدوةً = فتوهجتْ من صانعيك كبارُ
وفتحت أبواباً لسيّد آدم = فإذا بك للعالمين فخارُ
ورأيتُ فيها كالآلئ حاضراً = أحداثُ نور قادها الأخيارُ
بعض من الأيام كان مدادها = مثل الكواكب ما طواه مسارُ
لو كان ظرفي في الحياة مواتياً = لبقيت فيها والقبابُ جوارُ
ــــــــــــــــــــــــ
*شاعر عراقي مقيم في نيويورك
خاص الكتابة