فرج مجاهد عبد الوهاب
(تعرفت إلى صديقى فرج مجاهد عبد الوهاب فى مناقشة لرسالة جامعية تقدم بها الباحث فهمى متولى إلى كلية آداب الزقازيق لنيل درجة الماجستير. ولأن الرسالة كانت عن أبى الطيب المتنبى فى الأعمال الإبداعية الحديثة، ولأن روايتى «من أوراق أبى الطيب المتنبى» تناولت الفترة التى أمضاها أبو الطيب فى مصر، فى عهد كافور الإخشيدى، فقد تفضل صديقى الكبير الدكتور الطاهر مكى بدعوتى لحضور مناقشة الرسالة..
ناقشنى فرج فى أحدث كتبى أيامها «نجيب محفوظ ـ صداقة جيلين». وأدركت من خلال توالى رسائله، أنه متابع جيد لإصدارات المكتبة العربية. فهو يشير إلى ما نشر فى الكتاب والجريدة والمجلة، بحيث فرض السؤال نفسه: كيف يجد هذا الشاب وقتًا لمحاولات الكتابة؟ وكيف يجد وقتًا للحياة أصلًا؟.. وتضخمت علامة الاستفهام حين عرفت أن عمل فرج مجاهد الوظيفى يستغرق معظم يومه.. ولكن فرج مجاهد ظل يرفق بملاحظات قراءاته، نماذج من إبداعاته القصصية. وقرأت له نماذج فى الصحف والدوريات. وعندما أراد أن يصدر مجموعته الأولى، فإنه اختار من إبداعاته ما تصور أنه الأصدق تعبيرًا عن ملامح فنه).
بهذه الكلمات بدأ الأستاذ محمد جبريل مقاله الأول عنى والذى جاء بعد أن صدرت مجموعتى القصصية الأولى «هذا العبث» عام 1998 بجريدة المساء، وكما هو واضح أن المعرفة كانت قبلها بسنوات؛ كنت أحيانا أحضر ندوة المساء وأحيانا أزوره فى البيت وربما طلب منى الزيارة فى جريدة «المساء» ظهرا إذا عرف أننى سأعود إلى مدينتى مساء فى نفس اليوم.
ورحلة محمد جبريل لن تنتهى بوفاته فى 29 يناير2025 بل سيبقى بأعماله فى القصة والرواية والدراسات النقدية والبحثية والتراجم التى قدمها وتلاميذه فى ندوة المساء وغيرها
وكانت الحوارات بيننا لا تنتهى عن الأدب، والفن، والثقافة، والرواد، والذكريات، والإسكندرية، والصحافة، والبحث العلمى، وقضايا النشر، وغيرها من القضايا، ومرة بعد مرة، ولقاء بعد لقاء نبتت فى ذهنى فكرة كتاب عن هذا المبدع الروائى الذى فاز بجائزة الدولة التشجيعية فى النقد عن كتابه «مصر فى قصص كتابها المعاصرين»، وعلى الرغم من أنه صحفى كبير وناقد كبير إلا أنه يعتز ويحب لقب «الروائى».
وكثيرا ما كنت أتحدث معه عشية نزولى القاهرة فيقول لى كلمته التى ألفتها «هاستناك» فنحدد موعد الزيارة، لعلمى بظروف عمله وظروف مرضه وبخاصة فى السنوات الأخيرة.
حين اختارنى الصديق المشترك بيننا الدكتور حسين على محمد لمنصب مدير تحرير سلسلة «أصوات معاصرة» بعد ترشيح الأستاذ محمد جبريل لى وبعد أن رأى متابعاتى للواقع الأدبى والثقافى وبخاصة أن الدكتور حسين كان يعمل فى جامعة الامام بالرياض بالمملكة العربية السعودية، فترك لى أمر إدارة السلسة وكان أن أصدرنا الكثير من الكتب الهامة مثل المجموعة القصصية الوحيدة للشاعر الكبير الراحل ياسين الفيل، وقدمت السلسة عن الاستاذ جبريل عددا من الكتب نذكر منها «تجربة القصة القصيرة فى أدب محمد جبريل» لحسين على محمد، و«فلسفة الحياة والموت فى رواية الحياة ثانية» تأليف نعيمة فرطاس (الجزائر)، و«محمد جبريل مصر التى فى خاطره» حسن حامد، و«سيميائية العقد فى رواية النظر إلى أسفل تأليف د. عبد الرحمن تبرماسين والعطر بن داده، المنظور الحكائى فى روايات محمد جبريل» للدكتور محمد زيدان، بنية الخطاب الروائى فى أدب محمد جبريل: جدل الذات والواقع – آمال منصور(جامعة بسكرة بالجزائر)، وأخيرا كتابى «محمد جبريل: ألق الوجدان المصرى» الصادر فى عام 2012 بعد وفاة مؤسس السلسلة وقد أهديته لصديقنا المشترك الراحل الدكتور حسين على محمد رحمه الله هو وأستاذنا الروائى القدير.
ومن المواقف التى لا أنساها أيضا للأستاذ جبريل؛ منذ عامين كان يكتب فى جريدة القاهرة بشكل منتظم إبان رئاسة الصحفى القدير عماد الغزالى سلسلة مقالات بعنوان «ناس من مصر» عن شخصيات عرفها وكان له مواقف معها أو لقاءات خاصة بينه وبينهم، وكانت هذه الحلقات تحظى بشعبية جارفة ويتابعها العديد من القراء حتى أن لى صديق أديب سعودى من الرياض عاشق لمصر وللأدب المصرى وبخاصة الأعمال القديمة وأدباء مصر الكبار وكان من المتابعين لجريدة «القاهرة» وجريدة «أخبار الأدب» بالإضافة إلى عدد من المجلات الاخرى وكان من المواظبين على حضور معرض القاهرة الدولى للكتاب وربما يقيم فى القاهرة حتى تنتهى دورته وفى أحد الزيارات له قال لى أنت تعرف الأستاذ محمد جبريل؟ قلت: نعم، قال: أتمنى أن أزوره وأن ألتقى به فأنا أتابع مقالاته وكنت أتحدث كثيرا عنه مع الصديق الراحل الدكتور حسين على محمد رحمه الله، فهل يمكن ذلك، وكان ذلك منذ عامين – تقريبا عام 2023 – فترددت وقلت له: الأستاذ جبريل مريض ونادرا ما يستقبل زوار لا يعرفهم ولكنى سأتحدث معه إذا سمحت ظروفه باللقاء.
وبالفعل تحدثت مع الأستاذ محـمد جبريل، فقال لى: أين أنتم الآن؟ قلت له: أنا وصديقى سعد بن عايض العتيبى فى وسط البلد حاليا بالقرب من ميدان رمسيس، فقال على الفور: أنا منتظركم هاته وتعالى دا من ريحة الحبيب الدكتور حسين على محمد.
أغلقت الهاتف وقلت لصديقى: هيا بنا، فكانت الفرحة كبيرة فى عينيه، وتوجهنا إلى منزل الأستاذ جبريل فى شارع د. سليمان عزمى بمصر الجديدة وكان جالسا على مقعده فى انتظارنا وقد جهز بعض مؤلفاته للصديق سعد وراحا يتحدثان عن الأدب السعودى والصديق المشترك الدكتور حسين وقضايا مختلفة فى الأدب والثقافة بين مصر والمملكة حتى مضى الوقت سريعا وقال الأستاذ محمد للرجل: لابد من تكرار الزيارة عند نزولك مصر فى أى وقت، لا تتردد.
كان الأستاذ جبريل مشجعا لكثير من الأدباء وخاصة إذا أصدر أحدهم كتابا جديدا، فكان ينوه عنه فى جريدة المساء أو فى مقاله الأسبوعى أو فى البرنامج الشهير «مع الأدباء الشبان» فى الإذاعة، وقد أسعدنى الحظ أن كتب عنى مقالة فى «المساء» وتحدث عنى فى أحد الحلقات من البرنامج، وعند ظهور أحد أعمالى الجديدة، كنت أحرص على نسخته قبل أى شخص آخر، وتصادف أن خرج كتابى «غواية شهرزاد» مع كتابى للأطفال «ذكاء ابن الملك» عن المركز القومى لثقافة الطفل فحصلت على النسخ وعندما تحدثت مع الأستاذ قال لي: منتظرك لا تتأخر، وكنت فى ميدان رمسيس أستعد للعودة لمدينتى، فركبت باص مصر الجديدة وذهبت إليه وأهديته الكتاب وكانت الصفحة التى يحررها بالجريدة قد توقفت ولكنه كان لا يتوقف عن القراءة والمتابعة والكتابة، وقد ساهمت فى نشر كتابه «عمر من الأغنيات» فى دار ميتابوك فى المنصورة وحملت النسخ له، وكان له فرحة خاصة بهذا الكتاب.
الحقيقة أن الأستاذ محمد جبريل يستحق العديد من الدراسات وله العديد والعديد من الذكريات مع المثقفين والأدباء فى مصر والعالم العربى، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.