يمكن تأمل رواية عز الدين كبناء ذي معمار سردي شديد الإحكام يحوي حكايات عدة في اصطخاب بوليفوني ما بين أسطوري وعجائبي وواقعي حيث التناص مع “ألف ليلة وليلة” والشعور بـ “هفهفة” أفكار كتب أخري (تذكر الكاتبة بعضها آخر الكتاب) ونسف الزمن عبر أسطرته حينا أو إذابة زمنين في بعضهما البعض (الواقعي والفانتازي) أوقاتاً وتقنيات الفلاش باك واعتماد موتيفات مثل موتيفة القوة والمعرفة المحظورة (علي الإناث) وموتيفة العفاريت وموتيفة سرد الحكاية عبر عدد من الوثائق السرية ( الرقوق التي تتم سرقتها) والحكايات المحذوفة وموتيفة الجنون وموتيفة الانتحار وموتيفة التيه وموتيفة الطيف والضباب (الأخير في نظر إيكو يعد استعارة جميلة للذاكرة) كلها تناسب الأفكار الفلسفية والطموح المعرفي لرواية تريد مواجهة “الليالي” كما تُرسّخ لفكرة المصائر المتوازية عبر الزمن أو في أمكنة مختلفة بنفس الزمان .
لا يمكن الحديث في مساحة محدودة عن “جبل الزمرد” التي وجدت فيها حتي محمود درويش مُضمرَا عبر مقولته “أنا لست لي” حين تكتب الذات الكاتبة “لستُ لي” ووجدت فيها توظيفاً ذكياً لفكرة التناسخ فبعض الشخوص تري أحلاما تحوي وقائع محزنة حدثت للغير وتحكي قصة طعنها لنفسها واستيقاظها بعده ربما في حياة أخري طالما حياتنا كالحلم ثم تتقمص “هدير” وجه الأميرة الغائبة زمردة ذات الحكاية المحذوفة من الليالي والتي يعطل تجميل حكايتها من فرصة انبعاثها . توصي بترديد حكايتها بلا كلل “الحكاية ستعيدني وكاهنة الأبيض والأسود ستجمع شظاياي”.
النزوح من جبل قاف سيصبح الشرط الوحيد ربما ليعود كما كان. فهل هذه رائحة أسطورة فقط أم أليجوريا لواقع سياسي يتمثل في إيران (بعض أهم شخوص الرواية من إيران) وربما بالنسبة للمؤلفة في مصر؟. ألا يمثل انشغال “الحكماء” بالنقاشات في رحلة التيه مما يجعلهم يتفاجئون بانتحار بعض مواطنيهم علي أشجار المانجو إدانة لنا جميعاً حين تصحو “هدير” لتجد المتشرد أخضر العينين أمام بيت جدتها وقد انتحر؟ . نتساءل هل مصدر الاستذناب واحد في عالمي الخيال والواقع ؟. حين تقرأ “هدير” “حكاية الفتاة التي أضاعت خاتماً من الزمرد” هي تقرأ مخطوطة قدرها التي أعارها الله لها للتصفح ، ستقرأ العبارات التي قالتها لأمها كنبوءة مستقبلية حققتها هي ، ونحن أسري الحكاية مرتين : حكايتنا التي نكتبها حين نحقق قدرنا الذائب وحكاية الرواية التي تكتبها عز الدين . الحكايات عديدة : إيليا ( وصفه لمدينته يُذكر بكالفينو في “مدن لا مرئية”) ، بلوقيا ، هدير، مروج ، نادية .. ثم كل التمييز بين الشفاهية والكتابة، والتنقل المستمر بين لغتين لخلق حالتين متباينتين تتم مزاوجتهما أخيراً وصولاً إلي النهاية حيث تمد بستان البحر يدها إلي “ألف ليلة وليلة” الذي تتوسطه حكاية “جبل الزمرد” في تناص واضح مع اسم الرواية التي بين أيدينا. هذا عمل أرهق صاحبته!