أديب كمال الدين
لكثرةِ ما أحلمُ بلقائكِ
ليلَ نهار،
نبتَ لي جناحان من ريشِ الرغبة
ونقاطِ الحروف.
*
لكثرةِ ما أفكّرُ بكِ
صارَ الحرفُ يغارُ منكِ
ويتّهمني بنسيانه
ونسيانِ نقطته الوحيدة.
*
لم أتركْ شيئاً عنكِ
إلّا كتبتُ عنه قصيدةً أو أغنيةً أو صرخة.
كتبتُ عن سريركِ الأبيضِ والأسْوَد،
وأغنياتكِ الساذجة،
ودموعكِ التي امتزجتْ بالكحل،
ومواعيدكِ التي كانَ الحلم
يتعلّمُ منها فنونَ القُبْلَةِ كلّ ليلة،
وأزمنتكِ التي ذابتْ في الماضي والمستقبل
كما يذوبُ النهرُ في البحر،
واشعلت النارَ في مطلعِ القصيدة
حتّى تحوّلَ إلى رماد.
*
أتصوّركِ، مَرّةً، غيمةً، تاهتْ
فعبرت البحرَ معي
لكنّها تلاشتْ في ذاكرتي السِّحْريّة
أو ربّما أتصوّركِ لعنةً
كانتْ لي هدية الشِّعْرِ الوحيدة.
*
لكثرةِ ما كتبتُ عنكِ
بالأبيضِ الثلجيّ
والأحمرِ الناريّ
والأزرقِ الخفيفِ أو المُوَسوِس
والأسْوَدِ الغُرابيّ
والأصفرِ الملآن بالآهاتِ والقُبُلات
والرماديّ الذي لا يكفُّ عن ملاحقةِ حروفي
ومحاصرةِ عناوين قصائدي،
ارتبكَ القُرّاء
وصاروا يقرأون قصيدتي
ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال.
*
عجيبٌ أمر هذي القصيدة
تتحدّثُ عن قصّةِ حُبّ
تبخّرتْ أو احترقتْ أو ذابتْ قبلَ نصفِ قرن.
كيفَ ستطرقُ هذه القصيدةُ الباب؟
وكيفَ ستنظرُ من الشبّاك؟
وكيفَ ستقولُ الذي عجزَ نصفُ قرنٍ عن قوله
دونَ أن تتبخّرَ أو تحترقَ أو تذوبَ مَرّةً أخرى؟
هل سترسمُ حرفَها غيمةً
أو طائرةً تسقطُ في مثلثِ الرعب
أو جبلَ ثلجٍ يذوبُ دونَ سابق إنذار؟
*
الحُبُّ نافذةٌ
لا يمكنُ أن ترى أيَّ شيء
خلفَ زجاجِها المُظلم.
هذا ما ما قالهُ
غرابُ طوفانِ نوح.
لكنَّ الحمامةَ قالت:
الحُبُّ غصنُ زيتون
ودمعةُ أملٍ للناجين من الهَول.
*
الحُبُّ أكذوبةٌ جميلة،
يتعلّمُ منها الكونُ سرَّه الوحيد.
هذا ما قالتهُ الحاء.
لكنّ الباء قالتْ:
أنا سرُّ الحاء
ولوعتها الكبرى
وبي يكتملُ لحن الوجودِ المُظلمِ المُضيء.
*
الحُبُّ ومضةُ القلب
من دونها لا ترقصُ الروح
ولا يشرقُ الفجر.
هذا ما قالهُ الصوفيّ .
*
وقالَ الحروفيّ: الحُبُّ أبجديّة
مِن دونها ليسَ هنالك شمال أو جنوب
وليسَ هنالك شرق أو غرب
وليستْ هنالك أيّام أو سنوات
وليسَ هنالك مطر أو زلزلة أو طوفان.
*
لكنّ الشَّاعِر قال: الحُبُّ ماء
مَن لم يذقه لا يعرف القُبْلَة
ومَن لا يعرف القُبْلَةَ لا يعرف المرأة
ومَن لا يعرف المرأةَ لا يعرف المرآة
ومن لا يعرف المرآةَ لا يعرف الشِّعْر
ومن لا يعرف الشِّعْرَ لا يعرف الشَّوق
ومن لا يعرف الشَّوقَ لا يعرف الماء.
ثُمَّ بكى الشَّاعِرُ وقال:
كلّ شيءٍ ما عدا الحُبّ فناء.