ديوان “أقص أيامي وأنثرها في الهواء” لـ مروة أبو ضيف

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد أبو زيد
هل سمعتم الأوبرا التي ألفتها بمفردي من الأنين؟، الإجابة على هذا السؤال الذي يأتي في إحدى قصائد مروة، هي الديوان بأكمله، الذي يأتي أشبه بقصيدة أوبرالية واحدة طويلة من الأنين ونعي الذات والعالم، ومواجهة ذلك بالسخرية وإعادة تشكيل هذا الكون الذي غدى يقص أيامها وينثرها في الهواء.
تهتم مروة في ديوانها بالإجابة على سؤال الناقد الشكلاني رومان جاكوبسون ‘ما الذي يجعل من رسالة لفظية أثراً فنياً؟’، فالسؤال الذي سعى من خلاله الناقد الروسي الشهير للوصول إلى مفهوم الشعرية، تجيب عليه مروة من خلال نصوص تمزج فيها ما بين السرد والشعر، ما بين صور مدهشة ورسائل متبادلة، والتناص مع نصوص تراثية، كما أنها تمتح في بعضها من التراث الشعبي، في محاولة لاستبطان الشعرية من كل هذا، فلا تغفل مروة الصورة الشعرية المدهشة، التي تبدو قوام الديوان الأبرز، لكنها في نفس الوقت تسعى إلى استخراج الشعر من المفردات العادية.
تذهب مروة إلى التراث الشعبي، وتعيد استخدام نصوص كلماته التي تبدو معروفة للأذن، لكن مروة تمنحها شاعرية قصائدها، مثل قولها ‘لا قمر ولا شمس ولا يحزنون’، و’بيني وبينكم.. لقمة العيش صعبة’، و’كلنا يسعى لجبر الخاطر’، و’صرفتُ الجِلد والسقط’، و’اعمل الخير وارمِهِ في البحر’ هذه الكلمات التي قد تبدو لأول وهلة كلمات نسمعها يومياً يتغير معناها عندما تصبح جزءاً من نص شعري، بل يعيد القارئ اكتشاف معناها من جديد، كما يقدمه الديوان
بالإضافة إلى هذا تقدم مروة صوراً مدهشة، ويمكن القول إن أكثر من يميز الديوان هو الصور المدهشة، والتي لا تأتي منبتة من القصيدة، بل جزءاً من صورة كبيرة فيها، ‘هل فرغتم من عد الفراشات، التي خرجت من بين أصابعي؟هل علق آخر الغرقى ملابسه، علي جدار قلبي؟’، وبهذا الشكل لنا أن نتخيل مروة وهي ترسم لوحة سريالية فيها ‘رأسي منزِلٌ مُهشّمٌ، لا يملؤه سوى صفير الرياح’، و’أخبط رأسي جيدًا، لتسقط منها الأشباح’، أو ‘ لغتي ناقصة بمفردات، تصلح لتلميع الأحذية’، وقولها: ‘الأرض تشبه برتقالة عفنة، كلما وضعتَ ثقلك على موضعٍ، غاصَ بك العفنُ إلى الأسفل’، هنا يصبح العالم كله جزءاً من صورة متخيلة، ‘تفاجئك بعنوان جريدتها المفضلة: مقتل بابا نويل علي يد قاتل محترف’.
الشيء اللافت للنظر في هذا الديوان، أنه يكاد يخلو من القصائد التي تخلو من الحديث عن الحب والجنس الآخر، والذي يسم معظم الكتابة النسوية، ليحل بدلاً منه الحديث عن الخيبات الشخصية، ونعي العالم، هنا تكون الذات حاضرة أكثر من حضور الآخر، ربما لأنها تتجاوزه، بل إن الشخصيتين الأكثر حضوراً في الديوان هما ‘الله’، و’الأم’، الذين تكتب مروة إليهما جل قصائدها.
يقول بابلو نيرودا: ‘عندما أفتح النافذة في الصباح، وأرى قتيلاً ووردة، هل من الطبيعي أن أكتب شعراً عن الوردة’، لذا تصدر مروة ديوانها بمقطع، يمكن من خلاله قراءة العلاقة بين الشعر والحياة من وجهة نظرها، فهي تتحدث عن رغبتها في كتابة قصيدة، القصيدة كما يتخيلها الناس العاديون، عن العشق والولع، لكنها تنتقل من الواقع إلى الواقع المتخيل، لذا فلأن ‘السماء تلهو بشمس تشوي الفراشات علي مهل’. لذا تقرر أن تغني ‘لقطٍّ أسود, أو شارع يبتلع المارة، أو فالْس عسكريٍّ يصلح للقتلى, أو الإبادة الجماعية للآدميين لصالح الآلة’، وتقرر أن يكون ديوانها ‘عن جماليات الهزيمة وتبرير الخيبة’، إذن فدايوان مروة عن الجمال كما أرادت في البداية ، لكنه جمال الهزيمة، وبدلاً من أن تبرر العشق، تبرر الخيبة.
تتقاطع هذه المقدمة مع قصيدة ‘هدايا صغيرة لا تعجبكم’، والتي تنعي فيها العالم، لتؤكد هذا المعنى، وتؤكد رؤيتها للقصيدة ودورها وأهميتها بالنسبة لها: ‘كنت أود لو أبتسم بهدوء 
ونحتسي شاينا معًا، لكن العالم مشغول اليوم بالحروب، والأطفال لم يذهبوا للحدائق. ربما غدًا نغني معًا علي الطريق، و نحتسي قهوة دافئة، ونبتسم جميعاً بصفاء بالغ، في رحلة الصعود إلى الله’.
لكن المهزوم في الديوان، لا يكف عن السخرية، ربما في محاولة للنسيان، وتبريراً للخيبة، لذا فهي تسخر من الشمس، ومن البحر، ومن الليل ‘مرةً عايرتُ الليل بلونه:أسود ولا يصاحبه سوى المنسيين’، هذه الحالة المدهشة من السخرية، تمتد على طول الديوان

من مقال عن جماليات الهزيمة وتبرير الخيبة

........

 

 يمكنكم الآن تحميل الديوان الكترونيًا >> من هنا

مقالات من نفس القسم