ترجمة وتقديم : د. عفاف عبد المعطي
لم يكن دينيس جونسون ديفيز مترجما عاديا عابرا تجاه الأدب العربي، بل كان ساعيا لأن يكون جزءاً من هذا الأدب، حيث ظل منذ أربعينيات القرن الماضى حتى رحيله فى مصر 2017 مخلصا لقراءة وترجمة الأدب العربي، وقد ظهرت مذكراته (ذكريات فى الترجمة عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية 2006. ثم نقلتها إلى اللغة العربية كاتبة ومترجمة السطور التالية، صدرت عن المركز القومي للترجمة ) دالة بين دفتيها على حبه للأدب العربي ومن ثم ترجمته له التى جعلها رسالة أمينة يجب تقديمها الى القارئ الغربي . ضمت مذكرات دينيس جونسون ديفيز مقدمة لنجيب محفوز عن علاقته بذلك المترجم الكبير . وظهر ايضا فى المذكرات فصلان من رؤية دينيس لأدب نجيب محفوظ وكيف شق ذلك الأدب طريقه الى العالمية . أيضا يجد القارئ القصة الكاملة الحقيقية لحصول محفوظ على جائزة نوبل 1988 .
**
مقدمة من محفوظ الى دينيس
انه من دواعى سرور الكاتب أن تكون نصوصه مترجمة ، و تُقرأ على الصعيدين المحلى والدولى، إنه لشئ عظيم! تعرفت على دينيس جونسون ديفيز منذ 1945 واعجبت به منذئذ وهو اول من ترجم لى نصاً ، قصة قصيرة ، ومنذ ذلك الحين ترجم عددا من كتبى، لذلك فانا مدين له بامتنان استثنائى. لقد فعل –حقا- أكثر مما فعله اى مترجم فى ترجمة السرد العربى الحديث للإنجليزية والترويج له، ولطالما بحث عن كُتّاب جُدد مثيرين للاهتمام، كما عمل جاهدا لا ليترجم رواياتهم ومسرحياتهم وقصصهم القصيرة وشعرهم فحسب، بل سعى لإيجاد ناشرين لهذه الترجمات أيضاً. لقد مرت سنوات منذ أن ترجم دينيس أولى قصصى القصيرة، وقد حان الوقت المناسب له كى يتذكر الماضى البعيد مسترجعا سيرة مهنية طويلة ومتميزة، ومن ثم يحكى عن قصة ريادته للترجمة الانجليزية للكتابة العربية الحديثة. و الكُتّاب الذينتعايش معهم خلال مسيرته. ويسرنى أن دينيس كتب سيرته عظيمة التشويق والمتعة ؛ واتمنى للقارىء أن يسعده قراءة هذا الكتاب مثلما حدث لى بمعرفة ترجمات ديفيز لستة عقود مضت .
**
محفوظ الكاتب الذى لا يعرفه أحد
(من مذكرات دينيس جونسون ديفيز ذكريات فى الترجمة ) .
***
تعرفت على نجيب محفوظ فى الفترة التى قضيتها فى القاهرة ما بين عامى 1945 و 1949 ، حيث كنا نلتقى فى إحدى المقاهى التى كان يتردد عليها وفى وقت مبكّر ترجمت قصة من إصداره الأول “همس الجنون” ثم تم بثّها فى البرنامج الاوربى بالاذاعة المصرية . فى عام 1947 قرأت روايته زقاق المدق فشعرت تواً أنه لا توجد كتابة مثيلة لها فى اللغة العربية . تذكرت أننى ذهبت إحدى أمسيات لقاء طه حسين الاسبوعى مع لويس عوض آنذاك ذكرت الرواية فلم أجد أحدا قد سمع نهائيا عن محفوظ أو عن روايته .
نبهتنى فاطمة موسى –إحدى رائدات النقد الادبى المصرى وأم الروائية أهداف سويف – أخيرا عندما كانت تلميذتى فى أننى قد تحدثت بحماس فى إحدى المحاضرات عن محفوظ وقصته ” ذقاق المدق ” بما يؤكد أن لدى تعليقات عدّة تجاهها، لذلك بدأت فى ترجمتها قبل حوالى ثلاث سنوات من إصدارها برغم شعورى أننى لن أجدا ناشرا لها . على أية حال قام المستعرب الكندى “تريفور لابرسيك ” بترجمة النص أيضا واستطاع نشر ترجمته فى بيروت .
عرفت أن نجيب محفوظ كان يحدوه الأمل فى أن اترجم مثلما سبق أن ترجمت عددا من قصصه القصيرة فسرت على العهد فى ترجمة إحدى رواياته التى كان يعرف مدى شغفى بها وكم اعجبت بكتاباته. عندما كنا نلتقى فى إحدى المقاهى المفضلة له كنا دائما نتحدث عن ابداعه آنذاك لم أكن اتخيل أننى اتحدث مع الفائز المستقبلى بجائزة نوبل .
لقد اتخذت –بإصرار- وسيلة النقد للاستشهاد بان رواية مثل ” اللص والكلاب” تفتقر الى قدر من الوصف للممارسة الجنسية والعنف التى يتوقعها القراء الإنجليز فى رواية بمثل هذه الحبكة .
اعتقد أنه انعكاس مُحزن على الناشر البريطانى بأنه لو لم يفز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب حتى عام 1988 لماوجد الناشر الحقيقى المتحمس لنشر نصوصه باللغة الانجليزية .
فى إحدى زياراتى المعتادة للقاهرة – عندما كنت أعيش فى مكان ما فى العالم العربى – فى عام 1980 علمت أن نجيب محفوظ قد أمهر عقدا مع مارك لينز مدير قسم النشر بالجامعة الامريكية للحصول على حقوق ترجمة نصوص محفوظ للغة الانجليزية ، وعندما قابلت محفوظا بعد ذلك فى المقهى سألته عن ذلك فعبرت عن املى فى ان يكون قد حظى بفرصة تعاقد جيدة مع قسم النشر ، وقد قرر لى انه منحهم كل حقوق الترجمة دون تلقى أى مقدم مالى لضمان جدية التعاقد، وكذلك تضمن العقد لحقوق الترجمة لجميع اللغات الاخرى ، اندهشت وتمنيت ذلك عندما قال:” على الاقل بذلك سأتمكن من ترجمة ونشر بعض أعمالى باللغة الانجليزية واللغات الاخرى ” عندئذٍ لم انطق ببنت شفه . وستتضح وتثبت حكمته وصواب رأيه فى ابرام اتفاقية الحقوق الاجنبية . عندما – بشكل غير متوقع– أصبح صاحب نوبل للآداب والسبب الرئيسى فى ذلك أن تسع روايات من نصوصه قد صدرت ترجمتها عن قسم النشر بالجامعة الامريكية عندما ظهر عنوان أو عنوانين فى سلسلة الكتاب العربى التى شرعت فى تقديمها مع الناشر البريطانى “مؤسسة هيمنين التعليمية ” .
تعتبر قصة نجيب محفوظ وجائزة نوبل مثيرة للاهتمام. فاثناء إحدى زياراتى للقاهرة خلال سنوات إقامتى فى فرنسا أو اسبانيا ، تلقيت مكالمة من صديق عبر لى عن رغبة زوجة السفير الفرنسى فى تونس فى لقائى وهى فى القاهرة الآن وتريد مقابلتى . بالفعل تقابلنا فى فندق كليوبترا ، بادرنى بان لجنة منح جائزة نوبل تتطلع الى إمكانية منح جائزة نوبل الى كاتب عربى وانها اقتنت قائمة بأسماء الكُتّاب المرشحين متضمنة الشاعر ادونيس وكاتب القصة القصيرة المصرى يوسف إدريس والكاتب السودانى الطيب صالح ونجيب محفوظ .
سألتنى اولا : هل هناك كاتب عربى أخر يستحق الترشيح وقد تجاوزته القائمة ؟ ثم تناقشنا بإسهاب عن المزاياالكثيرة لكل هؤلاء المرشحين المحتملين . لم يكن إدونيس شاعرا شعبياً ، كما أن ثم إن قراره بالبعد عن اسمه العربى مفضلا عنه اسم كـ “ادونيس” لم تحبه العرب . وهناك جانبا فعليا وهو ان شعره فوق مستوى تلقى عقول عدد من القراء.
يحظى يوسف ادريس بشهرة كبيرة بين القراء فى العالم العربى ، لكنه لم يحظ بقدر كافٍ بترجمة لنصوصه فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية تلك اللغتان المعروفتان لدى أعضاء لجنة التحكيم . وفى تلك الأثناء لم يكن قد صدر للطيب صالح سوى روايته “موسم الهجرة الى الشمال” وروايته القصيرة ” عُرس الزين ” ، وبعض القصص القصيرة المتاحة فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية ، وهذا العدد القليل حال دون ترشيحه للجائزة. بالطبع كنت اتمنى لو كان الفائز . وبعد مناقشاتنا عن المرشحين بات جليا أن نجيب محفوظ هو الافضل ليس بسبب ابداعه الفائق فحسب، لكن –بشكل استثنائى- لكثرة اصداراته الروائية والقصصية . لذلك آثرت التعبير عن إمكانية ان يكون الكاتب العربى الفائز نجائزة نوبل .
لم افكر فى لقائى بالسيدة السويدية بعد ذلك كثيرا ن أما بالنسبة لمحفوظ فلم يكن يعرف –مسبقا- أنه سيُمنح الجائزة .
أثناء إقامتى فى بيروت بين عامى 1970 / 1974 تم الاتصال بى للانضمام الى فريق المترجمين المكلف بترجمات محفوظ الى الانجليزية إيذانا بنشرها بقسم النشر فى الجامعة الامريكية هناك . وارتئى أن معظم المترجمين ليس لديهم معرفة جيدة –بشكل كافٍ- باللغتين العربية والإنجليزية ، لذلك كان لابد ان يُعهد بالترجمة المبدئية الى أحد المتحدثين باللسان العربى مع إمكانية تسليم الترجمة لواحد أو أكثر من شخص يتغلب على صعوبات النص الأصلى . لكننى لم استجب لأن أكون جزءً من هذا الفريق . وقد صدق حدثِى مثلما لا يجب تداول الكتاب فى لجنة مُشكّلة من مختلف البشر ، فإن ترجمة الكتاب لابد أن تخرج عن شخص واحد .
بالنظر – على سبيل المثال – الى رواية ” ميرامار” لمحفوظ يظهر أنه تم ترشيح اكثر من اربعة اسماء قد شاركوا فىترجمتها وهذا يعنى أن النتيجة النهائية غيرسديدة تماما، لكنها فى رايى ليست الطريقة المُثلى للترجمة . آنذاك كانت الخطة التى وضعها قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تنتج عددا من رواياته التى تُشكّل قدرا مقبولا ومتاحا فى الإنجليزية بما يؤهله للفوز بجائزة نوبل .
لذلك آثرت توجيه المترجم “فيليب ستيورات ” للنص الذى أثار خلافاً ليس هَيناً نص “اولاد حارتنا” تمنى أن يجد عملا يمكنه ترجمته. اعتقد رسالته لنيل درجة الماجستير فى جامعة اكسفورد .
قلت له أنه إذا استطاع ترجمة نص ” أولاد حارتنا ” فإن بإمكانى ضمها الى سلسلة ترجمات الكُتّاب العرب. حيثصدرت تحت عنوان ” أبناء الجبلاوى ” حدث ما لم اكن اتوقع للرواية التى نصحت بترجمتها أنه سيظهر آنفا حولها نفس الخلاف الذى أحدثته رواية سلمان رشدى ” آيات شيطانية ” وكاد ان يودى بحياة صاحبه –فيما مضى- عندما كانت “اولاد حارتنا ” تنشر مسلسلة فى جريدة الأهرام تم الضغط على الجريدة كى توقف نشر بقية الكتاب لان السلطة الدينية –آنذاك – إدّعت تضمنها لما يحضُّ على الكُفر . فى الوقت ذأته طلبت السُلطات من الكاتب تفنيد ما بين ثنايا الكتاب . ما الذى يتضمنه الكتاب من الشخصيات المتباينة الساكنة فى الحارة وتمثُّلها حقيقة ؟
تصادف فى إحدى زياراتى للقاهرة –فى ذلك الوقت- كلمنى نجيب محفوظ عن الوضع الى وُضع عُنوة فيه ، قلت له إنه لا يجب عليه أن يتماسك بقوة . تلك حالة ليست متعلقة بالكاتب فلا يجب عليه ان يشرح نصه . ويجب ان يرفض الرد عن أى سؤال يمكن ان يعرضه للهلاك أمام السلطة الدينية فى الأزهر. آنذاك توقفت جريدة الاهرام بالفعل عن نشر النص متسلسلا . وظلت الرواية محظورة فى القاهرة لامد بعيد ، باستثناء الطبعة اللبنانية التى كانت مُتاحة خِلسة فى أفضل مكتبة فى وسط البلد بالقاهرة . الطبعة الإنجليزية لرواية “اولاد حارتنا” تم حظرها فى القاهرة . وقد بلغ الشأن مداه فى عام 1994 (بعد اكثر من ثلاثين عاما عقب نشرها مسلسلة فى الاهرام ” عندما قام إسلامى متطرف بالظن أن الرواية تدعو الى الكفر (علما بانه ذكر بعد ذلك أنه لم يقرأها ) لذلك هاجم محفوظ وأحدث جرح قطعى عبر طعنه فى رقبته .
بعد منح جائزة نوبل الى محفوظ ، تم دعوة ” فيليب ستيوار” إلى تضمين ترجمته رسميا ضمن إصدرات قسم النشر بالجامعة الامريكية بالقاهرة ومؤسسة ” دوبل داى”الامريكية ، لكن بعد أن رأى أن مترجمين آخرين للكتاب قد تعرّضوا للهجوم ، قرر السماح لمترجم آخر بعمل ترجمة رسمية جديدة لهذه الرواية الى الانجليزية .
عُرضت علىّ لكننى تراجعت ثم عرضت على المترجم الأمريكى “بيتر ثيرو” (أخو الكاتب الرحالة بول ثيرو) تم نشر ترجمته لـ” اولاد حارتنا” فى نيويورك 1996، وضمن الإصدار السنوي العشرين لقسم النشر بالجامعة الأمريكية عند الاحتفال باتمام نجيب محفوظ لعامه التسعين من عمره فى يوم ميلاده سنة 2001 .
عندما فاز محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 ، اقترحت على الجامعة الامريكية بالقاهرة إنشاء جائزة سنوية باسمه لأفضل رواية باللغة العربية ، ثم لسنوات ظل الاقتراح طى النسيان حتى وصل “مارك لينز” مدير قسم النشر لمدة ثلاثة اعوام منذ منتصف الثمانينيات . قبلما يعود للمنصب نفسه بالقاهرة فى عام 1995 . وضعت الفكرة بين يديه فتحمس لها ثم قرر أن تكون الجائزة متكونة من ميداليا فضية تحمل صورة نجيب محفوظ ، إضافة الى مكافئة مالية الفا دولار ، فضلا عن ترجمة النص ثم نشره بقسم النشر بالجامعة الامريكية . ثم نسقنا انا وهو زيارة الى نجيب محفوظ الذى رحّب بالفكرة وأعرب عن تمنياته ان اكون ضمن اللجنة التى تختار الفائز بالجائزة . وبعد أن خرجت الفكرة الى النور قررت أن انسحب عندما استشعرت أن اللجنة يجب ان يكون اعضاءها من المصريين فحسب أو على أقل التقدير من العرب .
مُنحت الجائزة الاولى للفائز فى سنة 1996 بعد ذلك اكتسبت منزلتها المحتومة ، حيث جودة الترجمة فضلا عن الانتاج والتسويق الاحترافى مثل أى كتب تصدر فى الغرب . وعلى الرغم من ذلك لاقت إحدى الروايات الفائزة بالترجمة لاقت ناشرا خصا فى لندن ونيويورك ، لذلك قرر قسم النشر بالجامعة الامريكية عقد اتفاقية بيع خاصة لنشر وتوزيع الكتاب مباشرة فى اوربا و أمريكا الشمالية، وبما اننى أول من ترجم نصوص نجيب محفوظ –قصة من باكورة إصداراته – فقد قمت بعد ذلك بترجمة قصة أكثر نضجا المعنونة بـ “الزعبلاوى” وقد أدرجتها ضمن إصدارات جامعة اكسفورد فى مجلد تحت عنوان” القصص العربية القصيرة الحديثة ” والتى سرعان ما سرت ضمن مختارات نورتون لروائع الادب العالمى ، وكانت النموذج الوحيد الممثل لكتابة الادب العربى الحديث .
قبل فوزه بجائزة نوبل ، لم اكن قد ترجمت كتابا كاملا لمحفوظ ، لكن بعد الجائزة وفى احدى المرات التى كنت فيها بقسم النشر بالجامعة الامريكية تدخلت فى احدى العقود ابرمت مع “دوبلداى” للتعاون فى نشر أكثر النصوص من أعماله الانجليزية ، لذلك سنحت الفرصة كى اترجم عددا من أعماله المفضلة لى وقد اخترت أولا صفوة إنتاجه القصصى مستشعرا بان المجلد الذى يصدر عنها لابد ان يتسم بالاعتدال والقبول الجيد . وعلى مر السنين ستظل القصص تُتداول بالنشر باعتبارها مختارات أدبية مما اثبت حقيقة أن القصة القصيرة المعنونة بـ “الزعبلاوى” قد اعيد إصدارها مرات ومرات خاصة فى الولايات المتحدة .
وإبان ترجمة إحدى قصص المُجلّد واجهت صعوبة غالبا ما يواجهها مترجمو اللغة العربية، اقصد لنسبة للاخطاء الطباعية فى وغيرها من الأخطاء فى ” الحاوي تخلص من الطبق” وعند وصولى للفقرة النهائية لم ادر ماذا افعل فيها لذا استشرت صديق مصرى قرأ نصوص محفوظ جيدا ، لكنه لم يتمكن من تقديم المساعدة . لذلك شرعت فى الاتصال بلكاتب نفسه الذى اعترف بانه بالفعل قد حدث إهمال ما فى تصحيح النص وحل المشكلة بتوفير سطرا كاملا حذفته الطبعات ، إذ لا أحد –فيما يبدو- قد لاحظ بشكل حاسم الجزء المفقود من القصة . تحدث مثل هذه الأخطاء لأن الناشرين العرب فى مصر لا يجدون غضاضة فى الاستعانة بالمحررين للنص الذى سوف ينشرونه ، وبصرف النظر عن التأكد من الأخطاء لا تتسلل الى النص المطبوع قد يقترح المحرر على الكاتب إجراء بعض التغييرات به . اعرف ان عددا من الروايات العربية كانت ستستفيد من اقترح المحرر –وبكياسة- على المؤلف أن الحذف والتغيير مفيد للنص .
بعد إكمال المجلد الذى ضم قصصَ محفوظٍ ، اخترت ان اترجم روايته القصيرة المعنونة بـ” رحلة ابن فطومة” المجسدة لجولات الرحالة المصرى . كانت الفكرة الأساسية جيدة ، لكننى شعرت أن المؤلف لم يتنامى بداخله الحماس الكافى للفكرة الرئيسية للرواية ، وعندما شرعت فى ترجمتها ، وجدت فجاة أن اسم البطل قد تغير فى منتصف الرواية . لذا، اتصلت بالمؤلف لمناقشة ذلك الذى ضحك بشدة لما اكتشفته ، ثم اردف ؛ إذن ما الاسم الذ يمكننى أن أدعوه به اجبت :” اختر ما تفضله فيهما ” اجاب ضاحكا إنها مجرد تناقضات والاخطاء الطباعية التى تؤكد احتياج النشر العربى الى محررين .
شعرت مع الترجمات الانجليزية التى ظهرت عبر الاتحاد القائم بين مؤسسة ” دوبل داى” و” قسم النشر بالجامعة الامريكية ” بميل ما لأخذ رواية إضافية لنجيب محفوظ فاخترت فى ذلك الوقت أن أترجم رواية طويلة تحت عنوان ” ليالى الف ليلة وليلة ” بناء على نصيحة صديقى الكاتب عبده جبير . وشعرت انها سوف تقرأ جيدا فى الانجليزية وعقدت النية على أن يكون عنوانها “أيام وليالى عربية” كى تكون وثيقة الصلة بقرأ الإنجليزية الذين تآلفوا بالفعل مع الليالى العربية إشارة لعنوان آخر . فى رأيى عندما يكون هناك مولاة للنص الاصلى فسوف يصب ذلك فى مَعِين الهدف . فى الترجمة أنا حريص بخصوص إضافة اى شىء للنص الاصلى او اهمال اى شئ يحثنى – لا يمكن للمرء الا ان يكون مدركا أن الانجليزية وكذلك اللغة العربية لغتان مختلفتان ففى النهاية سيبحث القارئ –بقدر ما- عن ترجمة مفهومة وممتعة لقارئ اللغة الانجليزية. بيعت ” الليالى والأيام العربية بشكل جيد وكانت ضمن القائمة القصيرة لنيل جائزة خاصة للعمل فى مجال ترجمة النص الروائى . والآن بعد بضع سنوات مضت ، قرأت فى الجريدة الأدبية العربية الاسبوعية أخبار الأدب أن طبعة محدودة من الكتاب مع رسوم توضيحية معدّة خصيصاً قد صدرت فى الولايات المتحدة .
ولقد اخترت فى النهاية ان اترجم الكتاب الذى يعكس شخص وأفكار محفوظ هو اصدأ السيرة الذاتية التى صدرت بمقدمة للكاتبة نادين جورديمر الفائزة هى الاخرى حائزةبجائزة نوبل والمعجبة كذلك بكتابات محفوظ .
قبل ترك موضوع استحقاق كاتب عربى لجائزة نوبل من المثير للاهتمام ان نلاحظ قبل بضع سنوات قرأ الكاتب الإنجليزى المتميز “جون فاولز” رواية محفوظ “ميرامار” مترجمة ثم كتب مقدمة متميزة للرواية حق قدرها وصدرت فى سلسلة “هينيمان ” للكتاب العرب بعد ان فاز محفوظ بالجائزة ، وقد صدرت ترجمة رواية “ميرامار” باشتراك قسم النشر بالجامعة الامريكية و “دوبلداى ” ، لكن دون مقدمة فولز ، لماذا ؟ السبب – بلا شك – أن المقدمة قد انتهت باقتباس عميق من محفوظ حيث عبر عن رأيه ، بما صنّفه ضمن المرتبة الثالثة بدلا من الأولى للكتاب وهذا ببساطة يشكف مدى تواضعه؟ . على أية حال جون فولز نفسه موهبة يُشار اليها بالبنان ، ومن المؤكد أنه من المهم العثور على مثل هذا الكاتب الذى يُشيد بمحفوظ فى وقت قبل حصوله على تأييد جائزة نوبل . من المريح الآن أن العديد من زبائن مقهى ريش بالقاهرة الذى يصنّف محفوط بـ ” القبّعة القديمة “.