دوائر الرحلة

حسين عبد الرحيم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

أمشي تحت ركام سحب تتحرك ببطء، تحت سماء حيادية، تحت/ فوق/ في أرض الله ، تدور، وحدك والملكوت والمواسم وجفاف ريح لاتأتي إلا بلفحات غبارساخن، يسد مسام الروح قليلا ليفتح الخياشيم للتنفس إلى مالا نهاية.

لم يعد للمطر جدوي، نعم، رغم هطول متكرر كان قد استمر هناك لخمسة ساعات، منذ عقدين من الزمان كانت ثكنتنا تغرق بعد منتصف الليل، وأنا أضحك على كدر أبي وضحك أمي ولهفة المذعورة على أحبال الغسيل وعباءة الجوخ التي تتطاير فتلامس رماد الأدخنة فوق شفاه أبي وهو يدخن سيجارة الحشيش منتشيا بالبرد، بت الآن أضحك في وحدتي والوجود، أبدل القبلة من الساحل لمريوط للمنتزه لقبرص لأثينا، باحثا عن معني للعقود الخمسة بالامس كنت أراود الأربعين عن خاتمة الأيام، لم يتغير كثيرا لون الشفق إلا في بلادي، اليوم بت أضرب خمسينيتي بعنف، بلا مرار، بلا نقصان ولا لوعة أضرب يدي لأفض سماء مهولة حبلى بالكذب لعلها تفيض بسري، وعلاقتي برب الزراق والعدم والحواس.

أضرب الأرض من تحتي ببيادة وخف وحذاء جوخ وآخر هلنكة تحتفظ به الصديقة في دولاب الكراستة القديم فوق أحد أسطح المنازل المجاورة لبيتنا القديم المعلق مابين السماء والأرض، في مناخ المشير إسماعيل، وضرب الصدي في يافوخي وذاكرة لاتخمد بقرب مدرسة الجلاء، أمشي وخلفي ثلاثمائة عام ويزيد، فتتجلي الخفة في بلاد الله خلق الله. أتذكر وقفاتي، هنا كانت كرستينا تقدم الساليزون في بهو امفتريون وضحكة ترج قلب البحر الغامض الطافح بالغضب والجبروت في سكندريتي في الخريف، وفريدة ترمح تجلب اللهو من قبل الأمواج المصطخبة وهوي المنشية، ورائحة الشواء في تريانون، تجلي يا بنت الحواس القلقة النزقة، يطول النهار وعيني تحدق بروية، دون خوف لقرص شمسا ذابت في آخر الأرض وقتما التقت بأقرب سماء يدوران حول بعضهما البعض .

 ـ فرح ؟!!

ـ أتي بالفصام إلا من حماية الإله وجبروته.ودعتهم منذ سنوات ثلات على أمل اللقاء شاحذا همة ما تصلح لآخر أيام المدينة التي أذابت ألف حذاء في مشواري الممتد بلا منتهي ولا رؤية للطريق، من جاء بتلك الطلاسم في صورة غناء رخيص “اللي قضي العمر هزار.. اللي قضي العمر بجد” تضحك في البرية والصحاري الممتدة، وتردد في نفسك أنا ظل عمر الحمزاوي سئمت الحياة…الخريف في غمامه أنا، ولدت شقيا بلا ذنب، عيني كليلة.رمدي يطول، وعملي في المصح البحري بباب الخلق، مدد ياسيدة، يا نفيسة العلم، بت الجاهل بالرسالة وبالرفيقة. تهت فأصرت على مقربة من غصة راكمها عنفوان الطفولة في جيدي وعنقي، أمشي ببطء، بعنفوان وركضا في بعض الأحيان .تغمرني نشوة الصحاري والرمال وأصوات غرباء يشاركونني الرحلة على الجانب الآخر من الخارطة.وثبة ممشوقة من حادي جمال يهذي فوق صفار رمال الذهب وقد طال المغيب رغم سراج الأفق بحمار وهج سقوط آخر صفحة لقرص الشمس الواهن في فتور وفتون، هذا المساء لي وحدي والليل.كم من الأعوام مرت. كم يوما تواروا منذ ترك لموسم الربيع الخائب المحمل بغبار الخديعة والدنس في بلادي، يقول المرافق لظلي في البعيد.

: قل لي يا رفيق متى سيصل الركب لميناء معلوم ؟!!

_متي ستنتهي المسيرة ويسير المسار ذي جدوى !!

أقول : “عندما تباد الخليقة حتى آخر متشائل يمتزج ضحكه بالبكاء بلا اكتراث يذكر إلا من سخرية الطفلات في البيت الأصم إلا من هوائيات تربطنا بجهامة عصف الكذب.أمش بروية، بعدما مللت التسول. أنا الشحاذ ابن النكبات والثورات والرجاء والأمل وخيبة اليقين. لم أعد أكترث بالصدمات، أراود السأم على مقربة قريبا جداجداً الموت، من أبي، ولي أقرب.ألعب في دائرة العتبات المعنونة بالهوة أو القبو، تتدلي خيوط الأمل في عجل ولهفة وعبث فأشهق في فرح مخاتل، أمدن يدي، أفتح ذراعي محاولا الفوز بثمة براح وأمل فاتحا صدري عاصفا بأزرار قميصي المنتفخ  أتحسس طبقات من الأسفنج المخاتل تحت أقدامي أدوس في الرمل، أناطح السحاب وقت اصطكاك السحب ودوي الرعد دون خوف .أسري وقد فاتتني خارطة المعراج في صحاري النبوة لعلني أفوز بلؤلؤة المستحيل ليعصف بي جديد اليقين المراوغ أصرخ دون قيد أو شرط في عيش حسبته حقيقية لتنفرط العزائم على صفحة الرمال التي لم تزل طامعة في قطرة ماء لتكمل دائرة الخمسين .

.

يتبع.

……………..

*من “يوميات البناية”

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال