ليديا ديڤيس*
ترجمة: محمد عبدالهادي
الفئران
تسكنُ الفئران حوائطنا دون أنْ تُزعج مطبخنا. يغبطُنا الأمر لكنّنا لا نفهم لماذا لا تأتي إلى مطبخنا حيث ننصب الفِخاخ لها، بينما تذهب إلى مطابخ الجيران. وعلى الرغم مِن راحة البال، يزعجنا كيف تتصرّف الفئران وكأنّ مطبخنا يعاني مِن خطبٍ ما. وما يجعل الأمر غامضًا أكثر أنّ منزلنا أقلّ نظافةً مِن منازل جيراننا. هناك الكثير مِن الطعام الذي يتناثر في مطبخنا وتمتلئ الطاولات بالفتات، بينما تقبع قشور البصل القذرة أمام خزانة الطعام. في الواقع، هناك الكثير مِن الطعام السائب في المطبخ ولا يسعني إلا التفكير في تخاذل الفئران عنه. في المطابخ المُنظَّمة، تواجه الفئران تحدّيًا لتجد ما يكفيها مِن الطعام ليلةً بعد أخرى مِن أجل البقاء حتّى الربيع. يصطادون بصبرٍ ويقضمون بلا توقّفٍ لساعاتٍ حتّى يشبعوا. على أنّهم يواجهون، في مطبخنا، شيئًا خارج إدراكهم بحيث لا يمكنهم التعامل معه. يغامرون، ربما، بالخروج بضع خطواتٍ، بينما تحملهم المناظر والروائح الجارفة على العودة سريعًا إلى جحورهم، منزعجين، يربكهم ألا يستطيعوا الاقتيات كما ينبغي.
نُزهةٌ قصيرةٌ
هناك فورةٌ مِن الغضب قرب الطريق، امتناعٌ عن تبادل الحديث بطول الممشى، صمتٌ في غابات الصنوبر، ووجومٌ عبر قنطرة السكّك الحديديّة القديمة، مساعي التودّد جوار البحيرة، والتمنّع عن حلّ النزاعات على الحجارة المستوية، صرخة غضبٍ بسبب الشائعات المتجاوِزة، ونشيجٌ بين الشجيرات.
تصرّفٌ عرضيٌّ
تَرَى كيف يُمكن إلقاء اللوم على الظروف. لستُ، حقًّا، غريب الأطوار لأنّني، فقط، وضعتُ مِزَق المناديل الورقيّة، بشكلٍ متزايدٍ، في أذنيّ، وربطتُ على رأسي منديلًا: حين كنتُ أحيا وحيدًا، كنتُ أتحصّلُ على كلّ الهدوء الذي أبتغيه.
خوف
قُرابة كلّ صباحٍ، تهرولُ امرأةٌ ما، في حيّنا السكنيّ، خارج منزلها، بوجهٍ شاحبٍ ومعطفٍ يخفق بعنف. تصرخُ، “حادثٌ طارئٌ، حادثٌ طارئٌ،” فيجري أحدنا ويضمَّها، حتّى يَهدَأ خوفُها. نُدرك أنّها تختلقُ الأمر؛ فلمْ يحدث لها شيءٌ بالفعل. لكننا نتفهّم ذلك، لأنّه بالكاد لو نجا أحدنا مِن نفس فعلتها تلك، وفي كلّ مرةٍ، ينال الأمر مِن قوّتنا، ويستنزف بأس أصدقائنا وعائلاتنا، حتّى يُهدّئوا مِن روعنا.
أشياءٌ تائهةٌ
إنهم تائهون، ليسوا مفقودين بل هم في مكانٍ ما مِن العالم. أغلبهم صغير الحجم، رغم ضخامة اثنين منهم، أحدهما معطفٌ والآخر كلب. ضمن الأشياء الصغيرة، خاتمٌ مُعيّنٌ، وزرٌّ مُعيّن. لقد ضاعا مِنّي ومِن عالمي، لكنّهما لمْ يهلكا. إنّهما في مكانٍ آخر، ربما، وهما هناك لأجل شخصٍ آخر. لكن إنْ لمْ يكن هناك شخصٌ آخر، فإن الخاتم، لايزال، لمْ يفقد نفسه، إنّه هناك، بعيدًا عن عالمي، والزرّ أيضًا، لايزال، هناك، بعيدًا عن عالمي……………………………….
- ليديا ديڤيس كاتبة أمريكية، حازت على المان بوكر الدوليّة عام 2013، ونيشان الفنون والآداب برتبة فارس.