عمرو عاطف
كَتِف
كَيفَ كانَ بِوِسعِكُمْ
أن تَخونوا مَن نامَ على كَتِفِكُمْ
تَعَباً
في طَريقِ السَفَرْ؟!
كيفَ جاءتكُمُ الجُرأةُ
كَي تقتُلوا الغافِلَ الناعِسَ
هَكذا
بدمٍ بارِدٍ؟
هَكذا
قتلتُموهُ وهو يَحلُمُ بالوُرودِ
وبالوُرودِ
وبالسَلامِ
هَكذا
وقَلبُهُ يُغنّي
في مَديحِ النِهاياتِ
قَد يَغفِرُ اللهٌ للعَبدِ كُلَّ الخِياناتِ
لكنَّهُ لا أظنُّهُ يَغفِرْ
خِيانَةَ الكَتِفْ!
ظَهري
أنتِ لا تَدرينَ مَعنى..
أن يُحدَودَبَ ظَهرُ الإنسان..
مِن ثِقَلِ الأفكارِ على عَقلِهْ
أن يَسخَرَ مِنهُ الناسُ
لأن قَوامَ ظهرِهِ
مُقوَّسٌ دائماً
ولأنَّهُ لا ينظُرُ أبداً
إلا بعيونٍ زائِغةٍ
تبدو للأعُينِ – وَهمَاً –
أنَّها مُنكَسِرةْ
وأنَّها
تَنظُرُ للأسفلْ
لكنه فقط ثِقَلُ الأَفكارْ
يُثقِلُ الجِفنَ على عِينيِهِ
فتُحدَودَبُ عَيناهْ!
هَوَ لا يشعُرُ بوجودِ الناسْ
لا يشعُرُ بالسُخريةِ
ولا الشَّفقةِ
لا يشعُرُ حتَّى خَيبةَ أملِ كثيرٍ فيهْ
هُوَ فَقَطْ
يريدُ أن يُزيحَ أحَدٌ عَنهُ تِلكَ الأفكارِ
كي يَرفَعَ عَينيَه بمِلء ما فِيها
كي يَستَطيعَ النَظَرَ للسَماءِ
ولَو لِمرَّةْ!
صَوتي
صَوتي..
يَغورُ عالياً صادِحاً
في الدَاخِلِ الوَاسِعِ المُغلَقِ
صَوتي..
يُحاربُ في دَاخلي
كلَّ شيءٍ
يُحارَبُكم
ويُحارِبُ القَلَبَ في حُبِكُمْ
صَوتيَ القويُّ الذي
يَنهَشُ الأضلُع
ويَغلي في دِمائي
وفي قَدَمَيَّ
صَوتيَ الغَليظُ الذي
يَحمي جِلدي مِنَ الاحتراقِ
صَوتيَ الكَبيرُ القَديمُ الذي
طالَتْ مُقاوَمَتُهُ
للنَدى والحَصى
والضَبابْ
صَوتيَ المِسكينُ التَعِبْ
بِرِبِّكُمْ
كَيفَ عَسَاكُمْ تُريدونَهُ
أن يَصيحَ عَالياً قَوياً الآنَ
بِما يُريدْ!
عُمري
إلى رياض الصالح حسين، وكل ما يمثله عندي..
أحيا..
وعُمري على كاهِلي..
كصُندوقٍ مُغلَقٍ..
ثَقيلٍ..
ولا أملِكُ مِفتَاحَهُ!
لا أعلمُ أينَ أمضي بِهِ،
وكلُّ رُعبيْ
أن يَضيعَ هَباء
وأن يَدفِنَهُ الناسُ مَعيْ
حينَ أموتُ
ويَحسبونَهُ – خَطَئاً – جُزءاً مِنَّي!
إنّي أبيعُهُ الآنَ
في مَزادٍ عَلَنيٍ
لا.. بَل أتبرَّعُ بِهِ
لطفلٍ صَغيرٍ
سَيَموتُ فجأةً
وهُوَ يَركُضُ في حِصَّةِ الألعابِ
أو لِطفلٍ يُصارعُ دبابةً وَحَدَهُ
مَن يَدري
ربَّمَا يَملِكونَ ما لَم أمتَلِك مِنَ الحظِّ!
إنَّني أهونُ مِن أن أحمِلَ الزَمَنَ الثَقيلَ على عاتِقيْ
أهونُ مِن أن أصيغَ المَرايا لنَفسيْ وأنظُرْ
أهونُ مِن أن أُحِبَّ
فإن كانَ لابُدَّ لي أن أعيشَ
سأغدو إذَن ما أرادَ لي كاهِليْ
حامِلاً للزَمَنْ!
ولن أتوَّقَفَ عَنِ الشَكوَى والثَرثَرةْ
ألا تَقتُلوني فَيصمُتُ هَذا الصُداعْ؟!
المَسخ
في كُلِّ ليلةٍ..
أقومُ من النَومِ..
على ألمٍ في قَدَميَّ..
اللتين لم يعُد باستِطاعَتَها أن تَنامَ مُستَقيمةً..
أبداً، في سَريري الصَغيرِ.
وهَو يَضيقُ بِها أكثرَ في كُلِّ يَومٍ،
وتَزدادُ آلامُها
وأتذكَّرُ كيفَ كانَ يَسَعُني قَديماً،
وكيفَ كُنتٌ أنامُ سَعيداً، وأتمطّى في هَناءٍ
وأتعجًّبٌ من هَذهِ الفجوةِ في ذِكرياتي، التي
سَرَقَتني، فلا أتذكَّرٌ في أيِ يومٍ ضاقَ عليًّ السريرُ..
ولا مَتى
صَحَوتُ من النَومِ لأصبحَ هَذا المَسخَ المَسجيَّ
مُنثَنيَ القَدَمينِ
الذي يَرقُدُ في سَريريَ القَديمْ!
…………………….
* من ديوان “أغاني الفصول الأربعة”