أميمة عبد العزيز
شهر أغسطس، الشمس لا تطاق، ارتفعت الحرارة فوق معدلاتها بعشرة درجات، رطوبة مرتفعة، جو خانق. أصبح الناس يختبئون فى منازلهم طوال النهار، تساقط العديد صرعى هذه الموجة الحارة، ثم ما لبثت الأجواء أن تحولت إلى ضباب كثيف يحجب كل شيء استمر لأربعة أيام، كان السفر على الطرقات شبه مستحيل.
ثم هطلت الأمطار ومنعت الكثيرين من مغادرة منازلهم، أمطار لم نشهد لها مثيلا، يصاحبها من وقت لآخر دوامات باردة حتى تحولت أغلب المناطق المأهولة إلى اماكن خاوية.
بحثت كثيرا عن سبب هذا التغيير الغريب فى المناخ فكانت كل اصابع الاتهام تشير إلى الاحتباس الحرارى. فبعد احتراق الغابات الاسترالية وغابات الامازون بات الامر خطيرا، لم تعد الدوامة القطبية متماسكة كما كانت تحفظ توازن المناخ الذى نعهده. انقسمت الدوامة القطبية واقتربت منا. كل شيء بات غير متوقع وينذر بالخطر.
ماذا أفعل والموعد يقترب، أخشى عدم استطاعتى الذهاب، هو لن يهتم بالمطر، وسيجد غيرى يقبل بالعمل، هو شخصية صارمة تقدس النظام والمحافظة على المواعيد، اتمنى ان يؤجل الموعد ولكن إلى متى.
غيوم كثيفة لا ادرى متى نرى الشمس من جديد أتمنى أن يتعثر الجميع فى الذهاب مثلى. منذ عدة أيام لم يطرق بابي أحد، الكل مختبئ، الحياة شبه متوقفة. جميع وسائل التواصل انقطعت. هل أعلنت الطبيعة الحرب علينا، بسبب التمرد عليها بالتقدم التكنولوجي السريع.
شعور مخيف أصابنى بالعجز، ماذا إذا استمرت هذه العاصفة شهورا وانتهت بعصر جليدى جديد. هل نستطيع مقاومته، لا أدرى، من الواضح أن العاصفة اثرت على تفكيرى أيضا، ربما أصبت بالاكتئاب. تمر الأيام قاتلة فى هذا السكون، سيول تهطل ليل نهار، وظلام دامس ونهار بلا شمس. لم يتبق من الطعام إلا القليل، لن أنتظر حتى أموت جوعا، أسمع صيحات الجيران وأحيانا بكاء الاطفال، الكل بات على وشك الجنون.
لم أعتد الاستسلام، أخرج إلى الشارع، ربما استطعت العثور على الطعام كل ما احتاجه هو توخى الحذر.ها هو معطفى وكوفيتى وقبعة صوفية ومظلة وحذاء رياضياحتى لا انزلق والله المستعان.
نزلت درجات السلم بحذر، كانت كلها مبللة، وصلت للباب الرئيسى وهالنى ما رأيت، السيول جرفت كل شيء. لم يبق فى الشارع شيء يدل على ما اشتهر به من أكشاك أو عربات الطعام التى كانت تقف امام المتنزه العام فى بداية الشارع، اغلقت المحال جميعها، وستار الماء يغطى هذا المشهد.
أخيرا رأيت ضوءاً من بعيد يظهر ويختفى. أعتقد أنه محل بقالة يبعد عنى بنايتين فقط، الأمر هين، سأحاول الوصول إليه بأية وسيلة.
أمسكت بالمظلة وضعتها فوق رأسى مباشرة وبدأت فى عبور الشارع، وعينى لا تبرح الضوء الآتى من الرصيف الآخر. معاناة كبيرة حتى اقتربت من مصدر الضوء، وفى لحظات اكتشفت أنه مصباح فى يد شاب يقف بجوار المحل، نظر إلى ونظرت إليه فى دهشة.
توقفت، ماذا أفعل، أعود أدراجى أم أكمل البحث عن محال آخر، لم يكن اختيارا جيدا الوقوف فى وسط الشارع وخاصة وأنا ممسكة بالمظلة.
اشتدت العاصفة، جذبتنى الريح وأخذت تدور بى، ارتفعت فى الهواء فأمسكت بعمود النور وخرجت من دوامة الهواء بأعجوبة، سقطت على الارض، لا أستطيع الحركة فقد ارتطمت رأسى بها. هنا وجدت المصباح يقترب نحوى
ـ أنت بخير، لا أحد يخرج فى هذه العاصفة
ـ لم يعد لدى طعام
ـ هل تستطيعين الوقوف
ـ نعم أستطيع. آه رأسى
ـ تعالى ندخل العمارة المجاورة لنبتعد عن المطر
كنا نسير فى اتجاه الرصيف والمصباح الخافت سلاحنا فى مواجهة ضباب السيول وظلام الغيوم. وصلنا لبوابة العمارة بصعوبة، شعرت بأننى جندي أعطوه هدنة من الحرب ليلتقط أنفاسه ويضمد جراحه. لم يظهر من وجهه أو وجهى سوى عيوننا، فقد أخفينا باقى وجهينا من البرودة الشديدة.
ـ هل خرجت لنقص الطعام أيضا؟
ـ أبدا. شيء أحب أن أحتفظ به لنفسى
ـ آسفه على تطفلى.
ـ آسف، ربما تستطيعين مساعدتى ما دمت تقيمين هنا.
من حوالى سنه قررت الاستقلال بذاتى، استأجرت مكان بدأت العمل، استعنت بذوى الخبرة والكفاءة واصبحنا شركة قوية.
سكت برهة، وتغيرت ملامحه وقال: ثم قابلتها. فاتنة، حالمة، تتعثر فى رداءها. لم ألحظ أن لى قلبا يدق إلا عندما رأيتها تجلس مع صديقاتها.
كانت تشرب عصير المانجو، تضحك باستمرار، لم تلحظ وجودى، ألغيت كل مواعيدى لمجرد النظر إلى ابتسامتها.
لا أدرى ما حدث لى ولا ما الذى يجذبنى اليها، تركت المكان وقلبى يركض خلفها يلاحق خطواتها حتى وصل إلى هذا الشارع وهنا انقطع أثرها.
ازدحم الطريق ولم أستطع ترك سيارتى و مواصلة السير خلفها، هنا توقف الحلم ولم اعثر عليها.
منذ عدة أسابيع، استقال احد العاملين، نشرت أعلانا عن وظيفة علاقات عامة، حددت موعدا للاختبار وموعد لبداية العمل بعد القبول وشددت بوجوب احترام المواعيد. لم أكن أدرى أننا على موعد للقاء جديد، فقد تقدم للعمل ثلاث افراد، هى واحدة منهم،، كانت ترتدى…
قاطعته بهدوء: فستان أزرق وحقيبة وحذاء ابيض.
نظر إليها والابتسامة تضيء عينيه: وقالت متلعثمة مساء الخير، جئت حسب الإعلان والموعد.
ـ إذن أخبرنى كنت تقف هنا الآن !! هل تبحث عنها فى مثل هذه الأعاصير، ألا تخشى الموت.
ـ الموت هو الحياة بلا حياة. وهى أنت الحياة، الآن يبدأ ميلادى.
ـ قصتك غريبة، والأغرب، أن نلتقى فى مثل هذه الظروف.
ـ ليست بالنسبة لى هكذا، انا أحضر هنا باستمرار كلما اشتقت إليكِ، لأشعر أننى بالقرب منك وإن كنت لا اراك ولا تشعرين بوجودى. والآن هيا نحضر بعض الطعام لتعودى إلى منزلك قبل اشتداد العاصفة مرة اخرى.
ـ كيف. لا اجد أى شيء يدل على الحياة، وكيف نصل لأى مكان فى هذه الأجواء.
ـ ثقى بى، فقط تمسكى بذراعى، هذه سيارتى ذات الدفع الرباعى، أستطيع التنقل بها فى هذه العاصفة بأمان.
صعدنا السيارة وانعطفنا يسارا إلى الشارع الرئيسى لنصل لسوبر ماركت كبير ومازال يفتح ابوابه للجميع بالرغم من الظروف الصعبة، بالداخل وجدنا عدة اشخاص يجمعون ما يستطيعون من المؤن، جمعنا احتياجاتنا وخرجنا. عدنا للسيارة، وقلت بصوت خافت: اشعر أننى أحلم، لا أستطيع تقبل كل هذه الأحداث.
ـ داليا، دعينا نتفق على أن ما أشعر به تجاهك ليس قيدا عليك، أنا أعرفك جيدا ولكنك ما زلت تجهلين من هو صادق الذى اقتحم حياتك بدون استئذان.
دعينا لا نسبق الأحداث، أولا أعيدك لمنزلك وأحاول استطلاع أية اخبار عن هذا الطقس الغريب، وكيف ينتهى، لقد تضرر الجميع وإذا استمر هكذا فالموت المحقق هو مصيرنا جميعا.
ـ أرجوك خذنى معك، انا لا أهاب المخاطر.
ـ معذرة داليا. المناخ سيء للغاية وربما يسوء أكثر وأخشى عليك من هذه المخاطرة.
ولم يكمل كلماته إلا وقد توهجت السحب بوميض متقطع أحمر اللون، صاحت داليا: انزل سريعا وابتعد عن أى شيء معدنى.
نزلا سريعا من السيارة، احتميا بجدار عمارة، سألها صادق: ماذا يحدث؟، فقالت له: تلك هى العفاريت الحمراء، هى تفريغ كهربائى يتبعه برق. وبالفعل بدأ البرق يضرب الأرض بقوة وكثرة غير مسبوقة وكاد أن يحطم سيارتهما لولا وجود شاحنة كانت قريبة منها جذبت البرق نحوها.
وبعد انتهاء العاصفة الرعدية نزل العديد من الناس من بيوتهم، الكل خائف منزعج، حاولوا فهم ما يحدث وتعالى صوت الهمهمات. البعض حلل هذا اللون الأحمر والبرق المدمر إلى غضب الرب، ولم يهتم سوى باقتحام السوبر ماركت للحصول على أكبر كمية من المؤن.
وبينما المكان يعج بالبشر نظرت إلى صادق، قرأت فى عينيه ما يجول بخاطرى، تلاقت نظراتنا وانفجرنا معا فى هستيرية ضحك. نفس الفكرة خطرت لنا فى نفس اللحظه، إذا كانت هذه أول مرة نخرج مع بعضنا فماذا سيحدث للعالم إذا ارتبطنا.
خفت حدة الأمطار مع بقاء الغيوم والضباب الكثيف يحجب الشمس، وبدأ ظهور جماعات من الناس تسير فى الشوارع معلنة نهاية العالم تدعو الناس للتوبة، تتهم البعض بأنهم السبب فى غضب الرب وكثيرا ما حدث شجار عنيف بين هؤلاء وبعض المارة الذين يرفضون الوقوف بين ايديهم لإعلان التوبه.
زاد الهرج والمرج وكثر الشجار بين هذه الجماعات وبين الناس، أصبحوا أكثر تنظيما وأطلقوا على أنفسهم اسم (جماعات الخلاص من الفناء) وتحول المشهد إلى ما يشبه عصور الظلام، عقول تعتنق الخرافة، تريد السيطرة على عقول البسطاء بالدجل. أغلقوا الطرقات بالحجارة، تسلحوا بالسيوف والخناجر، منعوا المارة من اجتياز البوابات.بدأت الكهرباء تعود ولكن نتيجة التخريب المستمر كثيرا ما كانت تنقطع وكذلك الهوتف والانترنت، ولذلك اتفقت مع صادق على موعد ثابت نتقابل فيه.
واليوم كالعادة كنت أسير بجوار البنايات حتى لا يلحظوا وجودى، ولكنهم أمسكوا بى كمذنبة تحتاج التوبة. اقتادونى إلى شخص يطلق على نفسه اسم هامان، يقف فوق كومة من الأحجار شكله غريب لاشك أنه مريض نفسى، شعث أغبر يرتدى جلبابا ممزقا وخوذة حديدية تشبه خوذات الجنود النازيين وحول رقبته عدة سلاسل حديدية يتدلى من كل منها حجر صغير يسمى كل حجر باسم كوكب من كواكب مجموعتنا الشمسية، كان يتابع بفرح هستيرى جمع وحرق آلاف من الكتب والمخطوطات الأثرية وأعدادا كبيرة من الآلات الموسيقية، وكأن معركته القضاء على العقل والروح.
قيدوا يديّ خلف ظهرى، جذبونى فوق الحجارة لكبيرهم هامان، وضع يده على رأسى، أخذ يتلو كلمات غير مرتبة، أشبه بتعويذة سحرية، طلب منى أن أرددها خلفه، فلم أستطع أن أخضع لمثل هذا الهراء حتى وإن دفعت حياتى ثمنا له.
وأخذت أحدثهم بالمنطق: انظروا إلى السماء هذه الغيوم وهذا الضباب هو نتيجة الاحتباس الحرارى، إنه نتيجة إهمالنا وجشعنا جميعا، كيف تفكرون بهذه الطريقة
تطاير الشرر من عين هامان واخذ يصيح بصوت عالى: من يمتنع عن التوبة ويهذى بمثل هذه الأفكار جزاءه القتل. نظر أتباعه لبعضهم البعض ثم تقدم أحدهم بالقرب منه:
ـ نحن نرى أن السجن يكفى، هى مجرد فتاة صغيرى ولن يلتفت لكلامها أحد.
ـ هل جننتم، هل تناقشوننى فى قراراتى، هل تريدون فناء هذا العالم، أتتحملون غضب الرب؟
طأطأ الرجل رأسه واعتذر، وجذبنى من يدى وسار بى وسط الجموع، البعض ينظر لى نظرات اتهام والبعض نظرات الشفقة حتى رأيت شخصاً نظرته مختلفة تماما.
نظرت أمامى وتظاهرت بتجاهل لما رأيت، لم يشعر الرجل بأن هناك من يتبعنا، وصلنا لشارع جانبى، توقفت بحجة اننى متعبة. تفحص وجهى جيدا وقال لى: تشبهين كثيرا ابنتى الصغرى الله يرحمها، وفك قيودى وقال: لن أحتمل موتها مرتين.
رأى صادق ما حدث، شكر الرجل، الذى نصحنا بالابتعاد قدر المستطاع فرجال هامان لن يتركونا أحياء.
أكملنا سيرنا حتى ابتعدنا عن المكان، كنت أحاول إخفاء ارتجاف يدى حتى لا يشعر بمدى خوفى، وأدركت أننى بدأت أبادله نفس الشعور، لم أبال بحكم الإعدام ولكنى الآن أخاف أن يتأذى إن أمسك بنا أتباع كبيرهم.
ـ كيف ومتى ينتهى هذا الكابوس؟
ـ سينتهى كما بدأ، لكل حدث او كائن دورة حياة تنتهى بالموت او الفناء،لا تقلق يا صادق،ع ندما يعيد الغلاف الجوى اصلاح ذاته ستنقشع الغيوم والضباب وينقشع معها هذا الجنون.
ـ هيا. سآخذك تجلسين مع والدتى، الوضع اصبح خطيرا جدا، والبيت قريب من هنا.
ـ ليس لدى حل اخر. وليس لدى من يفتقدنى بعد وفاة امى وابى.
ـ لا عليكِ. نحن اسرتك ويسعدنا وجودك.
رحبت والدة صادق بوجودى معهم، كنا نقضي معظم الوقت أمام التلفاز نشاهد تطورات ما يحدث فى الشارع من صراع بين هذه الجماعات وأصحاب المحال الذين يتعرضون لهجماتهم المستمرة، ومحاولات الأمن السيطرة على الأوضاع.
بدأت تصلنا أخبار متفرقة حول العالم، تشابه كبير بين ما يحدث لدينا وبين ما يحدث فى اكثر دول العالم تحضرا. أخذت التساؤلات تفرض نفسها: لماذا يتحول الإنسان إلى كائن مدمر، يعتنق الخرافة، ويميل لإراقة الدماء. لماذا لا يحتوى أطماعه ونزعاته المدمرة ليحولها طاقة ايجابية لجلب السعادة للبشرية، هل هذا السلوك كامن فى الجينات الوراثية من عصر الإنسان البدائى والاخطار التى كان يتعرض لها، أم أن وجود الخطر يلغى المنطق ويفقد الإنسان التوازن النفسى؟.
تحاورنا كثيرا ولكن بقى الحال كما هو عليه والأمل يتضاءل فى الخروج من هذا الموت البطيء. شعرت بالإعياء من كثرة التفكير وعدنا نتابع التلفاز، وإذا بالسماء توهجت بالوميض الأحمر المتقطع وتبعه البرق الكثيف، اخذ يضرب الأرض بشدة وسرعة خاطفة، انقطعت الكهرباء بقينا فى اماكننا لا نقوى على الحركة، ننتظر الموت فى اى لحظة.
للحظات كنت أتساءل، ماذا إذا كان هامان على حق !!!
ربما أنا ومن مثلى المسئولون لأننا نستخدم عقولنا كثيرا، لا أريد أن اتحمل ذنب أذي أى مخلوق، فكيف أتحمل كونى سببا فى فناء مليارات البشر؟؟ ساد الميدان الذى يقف فيه هامان الذعر، وهو متمسك بمكانه فوق الأحجار رافعا يده للأعلى كأنه يتحدى العاصفة الرعدية. ولم يتأخر رد السماء على نداءاته، التحمت الصاعقة بخوذته فصعقته وفى لحظات أصبح مجرد ذكرى من الرماد.
وبعد انتهاء العاصفة الرعدية عاد الجميع لتفقد المكان، وحين عثروا على الخوذة المحترقة والسلاسل وسط الرماد أصابهم الذعر.
كيف للسماء أن تحرق المخلص من الفناء، إنه هامان وسيلتنا للنجاة، لكنهم عجزوا عن التفسير فمن امتلك حق التفكير احترق واصبح رمادا، تركوه وهم يقاومون الشك الذى دب فى قلوبهم. هل هو !!! عادوا إلى بيوتهم، احتموا بدروع الصمت من الإجابة على تساؤلات ابنائهم، وكأنما كانوا تحت تأثير التنويم المعناطيسى. أخذت اسئلتهم تطرق بشدة على ابواب عقولهم المغلقة، تدق على اقفالها بشدة، تحاول اطلاق سراح تلك العقول التى سجنت على يد هامان.
عادت الكهرباء، التففنا حول التلفاز، كنت انظر للمشهد وكأننى اشاهد عملا دراميا، لم استوعب ما حدث، حتى صادق وامه كلنا لزمنا الصمت فقد اذاعوا نبأ تفحم هامان على أثر الصاعقة.
ذهب الجميع فى سبات عميق تلك الليل حتى جاء الصباح، استيقظنا على صوت رياح عنيفة تكاد تقتلع الاشجار وامطار متقطعة ولكنها غزيرة وانقطعت الكهرباء مرة اخرى.
وبعد عدة أيام قلت حدة الرياح وبدأت الغيوم تنقشع ورأينا زرقة السماء تطل علينا معلنة تعافى الأرض من عبث الطامعين، انه انذار قوى بالخطر، فهل الإنسان وصل لدرجة من الوعى تجعله لا يكرر اخطاءه، ام مازال مراهقا يملك تكنولوجيا لاي ستطيع استغلالها لتحسين حياته بالمحافظة على البيئة. عادت الحياة ببطء شديد، بدأ العالم كله حملات إزالة ما خلفته الصواعق، ومن بين تلك المخلفات خوذة هامان وسلاسله الحديدية والفكرية.
هامان لم يكن مجرد رجل لديه هوس بالشهرة، بل كان ذكيا يملك كاريزما ساعدته على السيطرة على الكثيرين، لذلك حرم التفكير وحرق الإبداع الإنسانى. وكما لوثت الأرض بالعوادم، لوث أمثال هامان العقول على مر العصور.
عدت إلى منزلى، وبدأت إصلاح النوافذ بعد ان ازلت فروع الأشجار التى حطتها، عاد صادق لشركته وعادت الحياة تدب من جديد، اصبحت اسير مطمئنة، عاد الأمان بعد أن أشرق النور فى العقول بعد اطلاق سراحها، إلا من بعض المارقين الذين ارادوا الاستمرار فى السلب والنهب، فتولى أمرهم الأمن وأعادوهم خلف القضبان.
تغيرت حياتى كثيرا بعد هذه التجربة، أصبحت أعمل مع صادق بالشركة ولكن بوظيفة أخرى وهى مديرة مكتبه، كنت ألازمه ساعات طويلة. ومرت الأيام حتى قارب الخريف على الانتهاء، كان خريفاً بلا ضباب، شعوراً واضحاً جلياً، وكأننا خلقنا لنُكَمل بعضنا، ونُكمل عمرنا معا، فى