هبة النواتي
لا أشبه نفسي ولا الأرض التي ضاقت بي،
كأن العالم أضيق من قلبي،
أدفع نفسي للخروج مني،
أترك قطعةً من روحي في كل زاوية،
أمضي بقلقٍ لا يفهمه أحد،
لا أخشى الغربة بقدر ما أخشى الوداع،
أخشى أن أترك شقيقتي،
أخشى على طفلتها أن تحتضن غيابي أكثر مما تحتضنني،
أخشى أن أحمل وطناً من الذكريات في حقيبة لا تسع لملامحي،
أُزاحم أنفاسي لقميصِ والدتي،
وصورة تجمعني مع والدي،
ودفترٍ تهشمت على صفحاته أحلامي الهشة،
كُل شيءٍ صار عبثاً،
الذاكرة، الأسماء، نبرة الصوت، وحتى الحنين،
هل يُعقل أن أحشو عمراً في حقيبة؟
وهل تغفر الأرض لمن يغادرها مُجبراً؟
أقف أمام تلك الحقيبة كأنني أفرز الروح،
أيُّ الذكريات ستبقى؟
وأيها يمكن نسيانه مؤقتاً حتى يتسع المكان؟
أُلملم شتات ذكرياتي،
وفي صدري صرخات معلقة لم تجرؤ على الخروج،
أسير وأحمل أثقالاً لا تُرى،
كل أرضٍ بعد النزوح مؤقتة،
وكل سماءٍ غريبة،
يسألنا العالم عن أوراقنا لا عن أوجاعنا،
عن هويتنا لا عن مَن سرقها،
أستمع للأخبار،
كُل قناةٍ تضوغ الألم بلغةٍ مختلفة،
هذا يُدين وذاكَ يُبرر،
وأنا أُطالع وجهي في المرآة ولا أحد يروي الحقيقة،
أخوض صراع النجاة وبداخلي ألف صراع،
أحمل حقيبتي التي تحمل سِوى الضرورة،
لكنَّ داخلي مكتظٌ بما لا يُحمل،
أسئلةٍ بلا أجوبة،
أحلامٌ مؤجلة،
وإيمانٌ يتأرجح بين الرجاء والانكسار،
كل صباحٍ أنهض وكأنني أجر جسدي من تحت الأنقاض،
أتجاهل شريط العاجل الذي يُلغي خططي كل يوم،
أهرب من عالمٍ يُطالبني أن أبتسم بينما روحي على الركام،
أن أدرس، أن انجح،أن أنجز،
كل ما أريده أن أتنفس دون أن يخنقني بُعد ذويّ،
بعيدانِ كالدعاء حينَ يتأخر عن الإستجابة،
أُثقل كاهلي لبُعدهما،
فيا ربِّ،
ما عدتُ أبتغي شيئاً،
يكفي أنك أنت هنا،
وأنك تسمع همسي حتى لو خنقني الصمت،
وتراني حين أختبئ من العالم كله.
………………….
*شاعرة من غزة