آلاء حسانين
١-
قالوا له: عاد البحارة في مراكب من جلود.
قالوا: وكانت أضلاعهم مواربة.
مشى، وخطواته دم على الرصيف..
ورأى النجار الأعمى يُقاد إلى عزلته.
البحارة جُنّوا، قال للنجار. وناول
مُرافِقَه مصباحًا.
وصل إلى الساحة، الغرباء مقيدون
الحزن له شراعان
أطفالكِ يصطادون قمرًا ومجازات
وأنتِ تجدفين في العتمة.
أفرغ جيوبك، قال الغريبُ، صديقكِ.
فسال شتاتًا، وأبناء لا أسماء لهم.
الغريب ظل.
وقال له: عروقي زرقاء.
وقال له: قلبي مياه عميقة.
ونظرا للّيل، بلا مفاصل يجري في المدينة.
٢-
بعد سنين رأيتكِ، ليس تحت نافذة
أو عند مفترق.
بل جلسنا، وجثمان النجار يتدلى من
صليب صنعه.
قلتِ بأنه علق سنين في الليل
وأنه مشى، ولم يصل مرة إلى نهرٍ أو قارب.
وسألتُكِ عن الأمومة، وقلتِ بأن لها أسوارًا.
وعن الغزال الموشوم على رسغك، ولمَ يقطر دمًا..
ودعوتك إلى دفءٍ، وأشعة تدخل النوافذ.
وقلتِ البرد يقيد الغرباء ببعضهم، لأن
الهواء شظايا
سكاكين تلمع في وجه الوحيد.
نقلنا قلوبنا من يدٍ إلى يد.
كنا خائفين
الميتون على الطريق مرمَّمين بالأغصان
طفل أو طفلانِ.. طفلاكِ
جاهزان للحرقِ.
نظرنا إلى الجنود، وخلفنا الساحة
التي لم تعد لنا.
البنادق تلمع، أقدامنا تخطو
فوق طريق لهم.
الشارع المؤدي إلى الميناء
الصرخة التي تنقلت بين أفواهنا
القبضة التي صارت حجرًا
والباب الذي اهتز سنينًا بفعل الخوف.
طرقت باب بيتي،
كنا مسافريْن، نصغي إلى حربٍ بعيدة.
العرافون حملوا رفات نسلنا، وأخفيت وجهك في الهواء،
فجرحك جفافه.
وقفنا خائفيْن. قلتِ: البحَّارة قادمون في معاطف من جلود.
ومسحتِ عن وجهك موجتين.
طرقنا باب البيت
وسألَني الغريب: من أنت؟
وقلتُ له بأنَّ أصابعي من حجارة.
وأن البحَّارة قادمون وأضلاعهم هروات.
وعلقنا سنينًا في الليل
وأجسادنا توابيت تحمل أرواحنا الملفوفة بالأسلاك.
وطرقنا باب البيت
وقلنا للغريب بأننا آخر اثنين
فسألني: من أنا؟
فقلتِ له: أنتَ ظِلُّه.
٣-
الذين فتحوا بابي بأوجهٍ مُعدّة للحداد
كانوا رفاقًا تَرَكُوا الهواء مسكونًا بآثارهم..
إيقاع قديم عَبَرَ الممر
حشرجات مَنْ غصُّوا بأحلامهم
ملامح تحللت بفعل أزمنة موقوتة
حبالٌ من عروق لنشر الهزائم
نصف ابتسامات تلوّح أمامي
بينما أبحث عن حقيقة للأمل، بوصفه
غلطة، أو قدرًا.
وأنتِ على السرير، نصفكِ في الضوء
وظلال رفاقي أغطية تتدلى عن الحافة.
أحفر أوكارًا جديدة للشمس،
وأحاول الخروج من نبرات أمهاتٍ يرجمنني تحت جلدي. أنا قتلت أطفالهن.
بِعتُ المجراتِ، وقدمت الأمل بوصفه بابًا.
والمدينة التي حمّلتنا الهزائمَ ولاحقتنا بالبراكين والحطام، لم تسألنا عن أسمائنا.
ثيران حمراء تبحث عن المصب؛ ثم راكمتنا جسورًا للعبور.
وأنا، مختبئًا من الأمهات اللواتي يكشفن الأشرعة عن أجساد أبنائهن،
أحدق في الآلهة التي تتقدم حاملة مناجلها
وأحاول أن أقفز إلى النار، مفكرًا بالأصدقاء الذين ليسوا أقمارًا أو مجرات
لكنهم خلعوا جلودهم لامرأة تربط شعرها عند المصب..
ونزلوا ذاهلين يطاردون الأنبياء، ويوقدون النار في خيام الجنود.
………..
١٩- ٢١ / ٢ / ٢٠١٩