محمد فهمي
استهلت معلمة الفصل الجديدة الحصة الدراسية للعام الجديد بعبارة “نظرة صادقة“.
كانت تلك الكلمات البسيطة بمثابة الفتيل الذي أشعل قنابل الفضول داخل عقولنا.
وأخذ عقلي يتساءل: كيف لها، وهي ما زالت في عنفوان شبابها أن تقف بكل ثقة وسلاسة وتفتح المواضيع وتقنعنا بوجهات نظر جديدة علينا؟ ولكن كانت هناك جملة خرجت منها عبرت عن شخصيتها الطيبة الحنونة، “أنا منار، ولا أريدكم أن تعتبروني معلّمة، بل أنا كأختٍ لكم، ونحن هنا مكان والديكم في المنزل”.
“منار” شابة يافعة في منتصف العشرينات، بيضاء البشرة، ممشوقة القوام، ترتدي فستاناً بلون السماء الصافية.
في يدها مدونة التحضير، وفي الأخرى كوب قهوة تحتسي منه رشفة صغيرة مع كل سؤال فضولي يطرحه أحد تلاميذها.
قالت بثقة :
كل شيء في حياتنا يبدأ بنظرة، ودوام هذا الشيء من عدمه أيا كان ماهيته، يأتي من صدق تلك النظرة؛ فالحب يبدأ بنظرة، والصداقة تبدأ بنظرة، والغدر يبدأ بنظرة، حتى العلاقة التي ستربطني بكم طيلة هذا العام بدأت بنظرة.
يا لها من معلمة واثقة الخطى تعي كل ما ينساب من شفتيها، وتطلق كلمات نافذة سكنت في قلوبنا، وأشعلت في كل منا فضولاً لا يخمد.
وبينما كنت في طريقي إلى المنزل، ظلت كلماتها تتردد في ذهني حتى فتحت الباب ولم أجد سوى أمي.
جلست إلى جوارها وسردت عليها ما حدث في المدرسة، ابتسمت أمي وأكدت كلام “منار” وأردفت قائلة :
حتى التعارف بين الأم ورضيعها يبدأ بنظرة، فالنظرة تحمل سحراً غريباً ثم أضافت ضاحكة :
أنا، بمجرد النظر في عينيك، أعرف أنك غاضب من زيارة صديقتي الثرثارة، وأوقات سعادتك حتى وإن كنت بعيداً عني لكن كل ما يهمني أنت وأشقاؤك ووالدك، فأنتم كل ما لي في هذه الدنيا.
شعرت بدهشة عميقة
أحقاً تدرك أمي معنى نظراتي؟
تدفقت في ذهني صور كثيرة
تلك السهام الغاضبة التي أطلقتها نحوها في لحظات ضيق، وتلك النظرات الساخرة التي رميت بها شقيقتي دون قصد
أرهقني التفكير
كم من النظرات نطلقها دون أن ندرك وقعها في قلوب الآخرين؟ كم من نظرة تُزرع كزهرة، وأخرى تجرح كحد السكين؟
كيف يراها الآخرون، وكيف تُفسر نظراتي في أعينهم.
تمنيت لو أستطيع أن أتحكم في عيني كما أحاول جاهداً أن أتحكم في كلماتي، فالنظرة لها صوتها الخاص ومعناها الواضح لمن يراها بقلبه.






