جاءت أحداث الرواية واقعية اقتبسها الكاتب من الواقع وقد تكون خيالية قام بنسجها من مخيلته وتدور أحداث الرواية في إطار يجعلك تنتظر ما الذي سيحدث حيث تأتي الأحداث في البداية بطيئة غير مستقرة وغير متماسكة فكأنها لمحات سريعة يطل عليها الكاتب وهو في قمة استعجاله ليلحق بما يوالي مقدمته من وقائع.
وإذا تحدثنا عن البطولة فإن هذه الرواية ليس لها بطل بعينه فمن الصعب تحديد البطل الرئيسي فى الرواية إلا أننا أمام شخصية محورية تتحدث دائما عن هواجس نفسية تحيط بها؛ وهي شخصية سالم والتي منحها الكاتب اهتماما خاصا ولكن إلى جانب ذلك تأتي شخصية محورية أخرى في الرواية على غرار البطل الغائب والذي له تأثيره الخفي والمؤثر حتى ولو لم يظهر على الإطلاق طيلة الأحداث لكنه يمثل أهمية كبرى لأبطال الرواية وهو شخصية سيد المقيم بالسعودية والذي تُبنى على رجوعه آمال شخصيات الرواية الأساسية سالم، ونعمة ، ونهى، حتى الأم المريضة والتي تركها تعاني من الألم ومن جور أحد أبنائها عبد العاطي شقيق سيد الأصغر.
تأتي إلى جانب ذلك شخصية “نعمة” تلك المرأة التي تحيط بها الأوهام وتعيش واقعها الأليم منعزلة عن الآخرين تمتعض من زيارات الجني لها وتخشى من افتضاح أمرها وتبقى دائما في انتظار الخلاص من جنها والذي يسكنها وتسكنه في واقع أليم تتمنى ألا تعيشه.
شخصية أخرى بالرواية وهي شخصية “نهى” الشقيقة الصغرى لسيد والتي يحملها لنا الكاتب فى لمحة بسيطة لكنها مؤثرة.
هذا وقد جاءت شخصيات الكاتب سابحة، كلٌ منها يرمي إلى الخلاص من المعاناة هذا إلى جانب الشخصيات المُعيقة فى الرواية وهنا يجدر بنا الذكر أن نقول إن الكاتب بنى شخصياته على محورين؛ شخصيات مُعينة كشخصية الشيخ عبد العال والشيخ سيد وشخصيات معيقة كشخصية عبد العاطي مثلا إلا أنها جاءت مؤثرة متضافرة جنبا إلى جنب لتخدم الأحداث.
وعن الأطر المكانية والزمانية في الرواية فقد جاءت مبهمة فلم يحدد لنا الكاتب أين دارت أحداث الرواية ومتى كان زمانها حيث أتى الكاتب ببيئة قامت بها الأحداث، وهي القرية التي يعيش بها بمنطقة يطلقون عليها اسم “الجبل”، وأسهب فى وصف المكان وما يدور حوله من أحداث (وإن كان يُعاب على الكاتب كثرة إغراقنا في الوصف والذي أخذ جزءا ليس بقليل من الرواية ) لكنه مع ذلك لم يُشر إلى مكان وزمن الرواية بالتحديد وقد يكون ذلك جاء مقصودا منه.
وعن الحبكة الدرامية جاءت بها الأحداث متفرعة متشابكة دقيقة وواضحة بعض الشيء، وهذا يجعلنا نشير إلى الأسلوب الذى استعمله الكاتب، وقد جاء منوعا؛ فنجد تارة أسلوب السرد والذى بنى عليه الكاتب الفعل الماضى والذى استعمله بكثرة فى قوله: اقتربت منه أربكني/ أحتضن /ألمس استسلمت جوارحى/ أغمضت عيني إلى آخره..
وجاء الحوار فى الرواية كاشفا عما يحدث فى نفس الشخصية وما يدور بها من انطباعات وكان مُجليّا لدوافع الشخصيات بطريقة واضحة سلسة ومفهومة.
أما عن إبراز رأي الكاتب فقد تكون الأحداث والتى فسرها لنا الكاتب تكشف عن رأيه فى قضية مثلا كقضية الموالد والموروثات الشعبية والتبرك بالولي والشيخ والتلهف لانتظاره حيث يكون المخلِّص والشافي والمنجى والذي بيده تحل الكثير من المشكلات فأراد الكاتب أن يسلط الضوء على مثل هذه المعتقدات السائرة فى بعض المجتمعات
يبدأ عرض الرواية بنهايتها فيبرز لنا العاطفة والتي جاءت قوية تكشف لنا معاناة البطل وذكرياته التي لا تفارقه حتى بلوغه المشيب وقد جاءت التراكيب جميلة وبها مناطق إبداعية نتوقف عندها قليلا لنلحظ جمالياتها والتي زينت الرواية وأعانتنا على التواصل مع معاناة البطل وإحساسنا به فكان موفقا فى بعضها وأخفق فى البعض الأخرى فنرى مثلا قوله :
” يطلق الوقت من بين تأملاته “فكم جميل هذا التركيب البلاغي إلا أنه كان سيكتمل جماله لو لم يردفه الكاتب بقوله أو ينسحب منه الوقت فلا يعرف غروبا أو شروقا.
“بدا غريب الشبه لكائن لم يخلق بعد هذا التركيب خيال لا داع له يجعلك تتساءل ما هو الكائن الذي لم يخلق بعد فهذا مجاز لا قيمة له.
ومن التراكيب الرائعة فى النص:
بنى في نفسه صرحا من الود والعزلة
خياله العليل أحلام معطوبة
ترجلت عن منكبيه أحزانه
ينهل من شراب الترقب
أينع فصار دوحة تنعق فوق أغصانها الغربان
وعن الإقتباسات داخل الرواية فقد جاءت مناسبة جدا خادمة للنص وهنا نشير إلى أن الكاتب فى لغته ونسج تراكيبه بدا أسلوبه متأثرا بالقرآن الكريم فى قوله مثلا “حرمت على المراضع” , “نساء يتطهرن من حيضهن”. إلى جانب ذكره لبعض آيات القرآن نجد أيضا اقتباسه من الموروث الشعبي في غناء المواويل عندما قال:
ولوى حزامي وشيَّلني تَقيل الاحْمالْ
قال لي رِق الخطاوى ياجملْ .. وامشي على مهلك
ده كل عقدة ولها عند الكريم حلاّلْ
وأخيرا جاءت رواية ليالى السيد كمقطوعة جميلة ورائعة أمتعنا بها الكاتب فتحية له ونتمنى له المزيد من الإبداع.
.
الرواية متاحة الكترونيًا على الموقع