حوار مع الكاتب الغربي عمران: كثيرًا ما يُسقِط الكُتّاب آراءهم وأفكارهم ومفاهيمهم

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره: محمود حسانين

يقول الكاتب إرنست هيمنجواي:
“أنت تصنع بقدرتك على الابتكار شيئًا لا يكون تمثيلًا، بل هو شيء جديد كليًا، وأكثر صدقًا وحياة. وإنك تحييه، وإن أجدت في ذلك بالقدر الكافي، فأنت أيضًا تخلّده”.

من هذا المنطلق يرى الكاتب والناقد الغربي عمران أن كل ما يكتبه هو إرهاصات لأفكار لم تُكتب بعد، متخذًا من القراءة رافدًا يتجدّد ينبوعه، لتنصهر تلك القراءات مع التجارب، فتنتج عصارة فكرة مغايرة. فهو يعتمد في كتاباته على مفاتيح سحرية تتفوّق على الألعاب السردية المعتادة.

الغربي عمران كاتب يمني حاصل على ماجستير التاريخ المعاصر من جامعة صنعاء، وهو عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وشغل منصب رئيس نادي القصة، كما كانت له تجارب في أثناء تولّيه منصب الأمين العام لاتحاد البرلمانيين السابقين. وبما يتّسق مع كتاباته، انغمس كذلك في معترك الحقوق الإنسانية، فشغل منصب رئيس مركز الحوار لثقافة حقوق الإنسان.

ننطلق إلى قلب المدينة التي ألقت فيها الملكة بلقيس طموحها وشيدت أعظم إمبراطورية، حيث وُلد الكاتب الغربي عمران، اليمني المولد والهوية، والذي يؤكد أنه مهما اغترب ستظل اليمن محل الإقامة والعشق. فالغربي عمران كان يرى أن لا فارق كبيرًا بين جذوة الإبداع المتوهجة وإحداثيات الواقع المعاش؛ فقد سجّل بقلمه التباين السردي بين التناول الواقعي للحياة وأوجهها المتخيّلة، ليسرد كل ذلك من خلال مجموعات قصصية متنوعة الأفكار، كما أشبع توهج التجربة من خلال كتابة الرواية، التي سجّل فيها معترك الإنسان والمجريات الاجتماعية. فكتب روايات عدّة، منها ما أثار الحراك السياسي، ومنها ما لامس شغاف القرّاء وقريحة النقّاد، لتتأهل ثلاث منها للفوز بجوائز مثل: جائزة الطيب صالح، وجائزة راشد بن حميد، وكتارا، إضافة إلى الوصول إلى القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ.

ومن خلال التطواف في رحلته الإبداعية نجد له مشاركات في معظم الصحف والمجلات العربية، وكُتب عنه في عدد منها، كما شارك في العديد من الفعاليات الأدبية وغيرها، ليحفر اسمه بقوة بين الكُتّاب المعاصرين.

تقول الكاتبة سوزان سونتاج:
“الأدب يعلّمنا ما الحياة. ما كنتُ لأكون الشخص الذي أنا عليه لو لم أكن أفهم ما أفهم. أحتاج أن أعتني بما أقرؤه، وأن يلمسني ما أقرؤه، ولا يمكنني أن أبالي بكتاب لا علاقة له بالمساهمة في مشروع اسمه الحكمة.”

ومن هنا بدأ كاتبنا سرد حواره، من حيث الاختلاف في مفاتيح الكتابة:

في كتاباتك كسرتَ لأول مرة فكرة نمطية الأفكار وتكرارها، فالتناول خلق لها خطوطًا موازية. هل هذا نابع من قراءات مختلفة؟
(قراءتي تأتي من واقع تجربتي الروائية؛ فلا ألجأ لنظرية أو منهجية، بل أتتبع الجديد والمختلف، وأركز على مواطن الجمال في العمل الذي أقرؤه).

من حيث كونك ناقدًا؛ ما علاقة الكاتب بالبطل/البطلة في العمل؟ وإلى أي مدى يؤثر أحدهما على الآخر؟
(من حيث كوني متذوّقًا، كثيرًا ما يُسقِط الكُتّاب آراءهم وأفكارهم ومفاهيمهم، لكنهم يتخلصون من ذلك من عمل بعد آخر. وأنقل لك من تجربتي؛ إذ كثيرًا ما تتمرّد شخصياتي على ما خططتُ لها، مما يضطرني إلى أن أجاريها، لأكتشف في النهاية أنها تعلّمني وتدهشني بمسارات عكس ما أردتُ لها).

“بر الدناكل، أساور مأرب، مملكة الجواري، حصن الزيدي” روايات تتباين في مضمونها وقد تتقاطع في بعض التناول، إلى جانب المجموعات القصصية: حريم أعزكم الله، منارة سوداء، ختان بلقيس. فهل ترى تباينًا أم تباعدًا فيما تناولته تلك الأعمال من حيث طرح الأفكار ومعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية؟
(في جميع أعمالي خيط شفيف ومشترك يتجلى في حضور المرأة الفاعلة، عكس الرجل الذي يظهر في الدرجة الثانية. هذا أمر. وأمر آخر: أكتشف من عمل بعد آخر أن جميع أعمالي تحمل همومًا مشتركة، مثل سيطرة فكر الموروث الديني، والوصاية المكرسة من عصر إلى آخر على المرأة).

لو كان للكاتب علاقة بعوامل الصدق الفني؛ هل سيؤثر ذلك على الصدق الموضوعي لتحسين الصورة فيما يطرح؟
(له علاقة، وبالضرورة يؤثر ذلك على الجانب الموضوعي، بل ويجلّي ما يُطرح).

كشفك للمتغيرات الاجتماعية في الوطن والبطل المهزوم في بعض الأحيان؛ هل حضور الاغتراب هو معادلة لحياة أفضل؟ أم يعتبر نوعًا من التمرد على مصير مجهول لم يتوقعه البطل؟
(الاغتراب لم يعد ممثلًا بالهجرة خارج الوطن، بعد أن أضحى الاغتراب الروحي والإحساس بالضياع يجسّد في أعمالي هزيمة الإنسان “البطل”. وهو نوع من التمرّد في طريق تحقيق الذات، ولو نفسيًا. ولذلك بطلي الرجل مهزوم، والمرأة أقل انهزامًا في أعمالي).

هل استطاع الأدب أن يعالج قضايا الإنسان ومعاناته تجاه المجتمع بكل سلبياته وإيجابياته؟
(لم يُعالج، لكنه جعل القارئ يفكر، وفتح آفاقًا واسعة لبدائل أفضل. فالأدب خلق فكرًا جديدًا، ويكفي أن يصل بالفرد إلى المواءمة مع نفسه).

هل أثّرت التكنولوجيا على الإبداع بغزو الذكاء الاصطناعي؟ وما سلبيات استخدامه؟ وكيف تفسّر اتجاه بعض الكُتّاب للاعتماد عليه ولو لمراجعة النصوص؟
(أكيد، والقادم ما لا نتصوّره. وفي تصوري سيكون هناك إبداع للذكاء الاصطناعي له جمهوره، ويستمر الإبداع الإنساني له جمهوره، ولن يحل أحدهما محل الآخر. وسلبياته أن من يستخدمونه ينكرون ذلك، وهذا غش. والمفروض أن يجاهروا به؛ كإبداع له اختلافه، وسيكون له جمهور عريض).

هل ترى أن قراءة الترجمات معين يضيف إلى الكاتب؟
(تقصد الأدب المترجم. نعم، يضيف، ويضيف فنونًا وأساليب. فالأدب في نهاية المطاف، بكل اللغات، هو أدب إنساني).

هل هناك جهد متصنّع وآخر حيّ يترتب على الكاتب مزاولته قبل وأثناء الكتابة؟
(الجهد بداية بالتخطيط ورسم مسارات الأحداث وأدوار الشخصيات، ثم يأتي تمرد الشخصيات، وأظنه الآخر الذي تخرج فيه الشخصيات عما خُطط لها، ليجد الكاتب أن عليه مواكبة تطورها).

الجوائز والنشر؛ هل يضيفان للكاتب؟ وماذا مثّلت لك الكتابة في عموم الإبداع؟
(النشر يضيف وصول ما يكتبه الكاتب إلى الضلع الثالث؛ فالعملية الإبداعية تبدأ بالكاتب ثم ما ينتجه، لتنتهي بوصول ما كُتب إلى القارئ. الجوائز تعزيز للكاتب بأنه على الطريق الصحيح، وتكريم ودعم وزيادة إشهار لأعماله. كل ما ذكرتَ مهم جدًا. لقد وجدتُ في القراءة ثم الكتابة حياة وتصالحًا مع نفسي ومع الحياة والوجود، وسعيد أني وجدت هذه الحياة المفعمة بالتوحد مع الذات).

بعد تطوافه في رحاب الإبداع يأخذنا الكاتب الجميل الغربي عمران ببساطة إلى عوالمه الخاصة، فيضيف أن حياته الاجتماعية لم تختلف عمّا تناوله في إبداعه. فهو يحدثنا بصراحة قلّ أن يتحلى بها كاتب، وبشجاعة متصالحة مع النفس. يصرّح بأنه وُلد في مدينة ذمار جنوب صنعاء اليمنية، وبدأ طفولته برعي الإبل في جبال اليمن، ثم تعلّم القرآن في مسجد القرية، وبعدها رافق أسرته ـ وهو لم يتعدّ العاشرة ـ إلى السودان، ودرس هناك شطرًا من الابتدائية في مدينة “القضارف- الاتحادية”. وعندما عاد إلى اليمن أكمل دراسته الابتدائية، ثم هاجر إلى شرق السعودية.

وبكل وضوح وفخر يصرّح بأنه امتهن عدة مهن: “كبائع ثلج، وعامل بناء، ثم مقاول”. لكنه لم يهمل دراسته، فأكمل الإعدادية وشطرًا من الثانوية في السعودية، ليعود إلى اليمن السعيد ليدرس التاريخ في جامعة صنعاء، ثم دبلوم دراسات عليا في التاريخ.

واستكمالًا لكفاحه في الحياة الاجتماعية، يذكر أنه انتُخب رئيس مجلس محلي في مديريته، ثم عضو مجلس نواب، إلى أن أصبح وكيل أمانة العاصمة صنعاء.

لكن خيال الإبداع وجنونه أبَيَا أن يجعلاه أسيرًا لتلك المناصب، لينطلق حرًا إلى آفاق الإبداع وغوايته، فيُقال من عمله عام 2010 على خلفية صدور أولى رواياته “مصحف أحمر”. ومنذ إقالته تفرّغ للكتابة وغواياتها.

نعود إلى رأي الكاتبة سوزان سونتاج:
“الأدب يعلّمنا ما الحياة؛ ما كنتُ لأكون الشخص الذي أنا عليه لو لم أكن أفهم ما أفهم.”

مقالات من نفس القسم