عاطف محمد عبد المجيد
في صعيد مصر الواقع بين أحضان النيل نَبتتْ جذور حمزة قناوي، لكنه وُلد ونشأ في أحد أحياء القاهرة الشعبية ويُدعى حي المطرية. يحمل بشرة سمراء يمتاز بها الجنوبيون عمن سواهم، كما يمتازون بفطرتهم النقية، وبقلوبهم البيضاء، التي تحمل في أوردتها وشرايينها كل الحب للجميع.
على الرغم من أنه تجاوز عامه الأربعين إلا أن رصيده من التعب والكد والعناء والهموم متضخم جدًّا.يحمل جبالًا وتلالًا من الهموم ومصاعب الحياة التي مر عليها ومرت عليه طوال سنين حياته.
لقد عانى كثيرًا، واضطر إلى أن يعمل في أماكن عديدة، لا تليق ربما لا بقيمته كمبدع ولا بشهادته الجامعية.اضطر إلى هذا حتى يتمكن من مواصلة الحياة، دون أن يمد يده إلى أي أحد: ” خمسة أعوام مرت إلى الآن وأنا أبحث عن فرصة ولا فرصة أبدًا.لا كارت توصية معي لأحد، وليس غير شهادة لا يريدها أحد “.
عن بداياته يتحدث قناوي فيقول: كانت البداية منذ الطفولة الباكرة، كانت تزورني أطياف من الدهشة، ولا أعرف باعثها، وفي الإجمال كنت أشعر بالتصاقي بالطبيعة وتأمُّل الأشياء من حولي، وكنتُ أجنح إلى الوحدة والهدوء، شيئًا فشيئًا كنت أصغي إلى موسيقى الأشياء من حولي، ربما كان هذا هو الباعث الأوّل لتشكُّل وجداني موسيقيًّا واحتشاد ذاكرتي البصرية.
كل هذا الاحتشاد في داخلي كان يبحث عن قناةٍ يعبر من خلالها عن هذه المشاعر والمُدرَكات، وعندما دلفت إلى مدارج الدراسة كنتُ أكثر ارتباطًا بمادة اللغة العربية والشعر والمحفوظات، كان هذا يصقل حسي الموسيقي، وهو في رأيي ثاني أهم العناصر التكوينية للشعر بعد الرؤية الموضوعية، استمريت في تنمية حسي الشعري من خلال القراءة والدراسة، حتى أن دراستي للآداب واللغة العربية كان دافعه الأول الشعر وصقل موهبتي عبر الدراسة والتخصص.
إنه شاب نشأ شاردًا في فترة زمنية لم يجد فيها معنى للحياة.كان حائرًا يفكر في غد، في مستقبل لا تبدو منه أية ملامح مطمئنة.هو واحد عاش فعليًّا ظروف بلده وما هو فيه ليس إلا انعكاسًا لكل واقعها، وكل ما هي فيه، ووضعه الحالي نتيجة لها، لسياسات طبقتها على جيل كامل من الشباب الذين هو واحد منهم.
خرج في كلية الآداب التي درس فيها علوم اللغة العربية، لكنه وبعد أربع سنوات من الجد لم يعثر على وظيفة بسهولة، بل لقد حفيت قدماه حتى يستقر في وظيفة هنا أو هناك، ولم تفلح كل مساعيه حتى أُجبر على مغادرة البلاد إلى الخارج للعثور على عمل أو وظيفة.
يقول حمزة قناوي عن نفسه: عشت حياتي طائرًا في مدى يحترق، عانيت الحزن كثيرًا وعشت الكثير من التجارب القاسية، وتأرجحت بين الحيرة واليقين، عانيت آلام الموت في فراق أبي، وخسارة الحب الأول، وانعدام الإنسانية في مجتمع يتشيّأ لصالح المنفعة والقيم المادية.كانت أسئلتي عطشى تتوق إلى اليقين والمعرفة، كان الشعر بديلًا عن الانتحار بالنسبة لي في الكثير من الأحيان، تمامًا كحالة أمل دنقل، فكان الشعر هو كهف الفرح الذي ألوذ به من وقع الحياة الصاخب المضطرب المليء بالعنف والصراع والتناحر.يبقى نجمة الأمل الوحيدة التي تضيء هذه الظلمة الحالكة، لا أخفيكِ أن الشعر أنقذ روحي من التردي في أوقات كثيرة كادت روحي تحترق فيها وأنا أحاول فهم هذا العالم وتحليل قيمه التي صار مركزها الأنانية والصراع.هو شاعر وروائي ويكتب المقالة الأدبية والسياسية.يمكن أن نطلق عليه ونحن في اطمئنان كبير لقب المثقف الحقيقي لا المزيف.عمل مصححًا لغويًّا في إحدى دور النشر في دولة عربية، ويعمل الآن بإحدى جامعاتها، إلى جانب كتابته.كان حمزة قناوي دائمًا ما يجر حقيبة سفره للانتقال من مكان إلى آخر، باحثًا عن وطن حقيقي يمارس فوق أرضه وثراه طقوس حياته الخاصة، من دون أن يكدر صفوها أي شيء.حتى أن أحدهم كتب عنه ذات يوم قائلًا: الشاعر المصري حمزة قناوي واحد من الشعراء المصرين الذين ضاقت بهم بلادهم، فغادرها إلى مكان آخر يعلن فيه عن وجوده ويفر فيه بروحه وشعره.
إنه في رحلة تنقيب عن حرية مفقودة وهارب يفر من أرض تكتظ حبيبات ترابها باليأس والقنوط: ” لم أكن أعرف إلى أين ستنقلني خطوتي التالية ولا كلمتي التالية ولا ماذا ستحمل لي صبيحة اليوم التالي وأنا في أرض غريبة في قارة أخرى.. مغادرًا كل شيء سرته في مصر وعبرت على ترابها معه..عدا مصر نفسها التي لم يكن لي حيلة في نزعها من روحي التي سكنتها..مصر بكل ما فيها من غُلْب وقلة حيلة وعشق ذائب في دم أبنائها وإن قست عليهم “.
غير أنه وعلى الرغم من كل ما لاقاه ويصعب وصفه حقًّا ربما ينوء بحمله الكثيرون إلا أنه ما زال متمسكًا بحب بلده وبعشقها اللا حدود له: ” ما أعرفه أنني عشت كالكثيرين فوق ترابها..عشقتها مثلهم..هُمِّشتُ وأُسْكت قسرًا مثلهم..وصبرت على الظروف وقسوتها مثلهم..ولم أستطع إلا أن أحبها “.
وعن حمزة قناوي يقول د.صلاح فضل في مقالة نشرتها له جريدة الأهرام: حمزة قناوى مبدع جسور، تألق فى كتابة الشعر، ثم احتضن تجربة جيله كله وأخذ يسردها فى كتابات تعبر منطقة السيرة الذاتية لتصبح شهادة مجتمعية توثيقية فى كتاب « المثقفون »، ثم فى روايته «من أوراق شاب مصرى»، ومن الواضح أنه من سلالة إبداعية لا تنحدر من جمال الغيطانى. صاحب مجموعة « أوراق شاب عاش منذ ألف عام » ١٩٦٩ وإن اقترب بعنوانه من فلكه، ولكنه فى الواقع ينتمى لمدرسة صنع الله إبراهيم، صاحب الأسلوب التسجيلى فى الرواية العربية المعاصرة، وإن كان كذلك يختلف عنه.
وعما وصل إليه حال الشعر يقول في حوار أُجري معه: آمل أن يستعيد الشعر وجهه في ظل الفوضى التي يعيشها، بين الكثير من المدعين الذين يملؤون الساحة صخبًا باعتبارهم شعراء وهم لا يعرفون من الشعر وروحه شيئًا ولكنها المنابر والعلاقات وملء الفراغ، بينما يتوارى الشعراء الحقيقيون في خلفية المشهد، إما عزوفًا عن كعكةٍ فاسدة، أو احترامًا لإبداعاتهم عن إهانتها بالركض بها خلف منحةٍ أو جائزةٍ أو النشر في مطبوعة تعتمد على العلاقات.
وهذه هي آفة المشهد الثقافي الآن.تحكيم العلاقات لا القيمة.والشللية لا جودة النص.وكما أن دولاب حمزة قناوي الإبداعي مليء بالأعمال الشعرية والروائية فبه أيضًا عدد لا بأس به من الجوائز التي حصل عليها مكافأة لأعماله الجيدة التي يخرجها للنور من فينة لأخرى.