ميمون حـرش
في مدينتي، قبالة واجهات المحلات التجارية، ووسط أهم الشوارع، تتوزع عربات يجرها حمير لا تحمل أسفاراً،بل خضراً من كل الأنواع.. تسير في مجالات السيارات، لا يأبه أصحابها بقانون السير!.. الطرق هي مجال التحرك، ولا يهم لمن.. الأصوات مبحوحة، لكنها حادة، تنادي وتصرخ. وللأيدي مآرب كثيرة؛ منها عرض بضاعة للبيع، وحمل السوط في وجه الحمار، وأحياناً في وجوه الناس، وقرص المؤخرات.
أصحاب العربات المجرورة أشبه بدلالي الأزمنة الغابرة، يُسمع صوتهم مع نهيق الحمير في تناغم عجيب..
الحمير تنهق، تكتسح الشوارع، ولا أحد يعرف القائد.. الحمار أم صاحبه…
يتحرك الناس بصعوبة. صاحب عربة يتصدر الطريق غير مكترث. يسد منفذ المرور. وبدل التنحي، أخذ يربت على ظهر حماره وسط أصوات منبهات السيارات التي وقفت في طابور طويل .. الصراخ من كل ناحية. كل واحد يحتج على من قبالته. الراجلون – وأنا واحد منهم – كانوا حلقة من هذه الصورة المتموجة في وقت الذروة..
الناسُ من حولي حَيارَى، أرجلهم تحملهم على إسفلت مغشوش، لا ينظرون فوق أبداً.. وأنا مـأخوذ بما يحدث حولي، تناهى إلى سمعي صوت سائق سيارة يحتج بشدة على صاحب العربة التي صدت الطريق عليه:
– افسح المجال .. دعني أمـــر..
يجيبه صاحب العربة:
– الأسبقية لحماري، وأنت التالي..
يرد صاحب السيارة بغضب:
ما مَاشْ أيَغْيُورْ؟!
– أيهما كان السباقَ للوجود: سيارتك أم حماري؟!
ودون أن ينتظر الجواب، أضاف:
– حماري هو السباق إلى الوجود. إذاً الأسبقية له أولاً، رغماً عنك..
قهقهت بهستيرية، والمارة من حولي غرقوا في ضحك لا لون له، كجمهور يُغصَب على التصفيق عنوة بإشارة من الكواليس.. الحمير وحدها في الشارع،كانت تنقاد لأصحابها دون حرن.
كنا – والحق يقال – مواطنين نَفر بضحكنا، من زماننا الحاضر للإبحار في محيط أزمان غيرنا.. نتوق إليها كأطفال يرتمون في أحضان أمهاتهم بعد طول غياب.
…………….
*كاتب من المغرب