حلم 3:  مرايا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

ورأيتني وقد أبرزت من جيبي مرآة، بلاستيكية كانت في حجم كف يد طفلة بيضاء بعيون سوداء، كانت مرسومة في ظهر المرآة بطلة لفيلم سينمائي أبيض × أسود، ماركة تنتمي لزمن مات.

عصر انقضى كنت هنا بجسدي، وروحي في زمن آخر، أزمنة، صفحة المر آة مصقولة، في باطنها فرشة شعر، قبضت عليها في ثوان، قل لحظة، دهراً، ساعات، زمنا ما رحل أو غرب دون دراية مني ولا تحكم في مساره، لم أكن أرغب في تصفيف شعري، دائما ما كنت أتركه مهوشا، حتى تنسجم أنفاسي من تلك التيارات الهوائية الجارفة التي تأتيينني في الغالب في لحظات الكدر، نظرت للمرآة من جديد، وسط ميدان مصطخب كالعادة لا أعرف هل كان الوقت ليلا أم نهارا، زحام وغبار وبشر بالآلاف يعبرون في صمت يشبه الخرس، وأنا أحاول التحديق في الوجوه، بعدما أدخلت مرآتي في جيبي، في شبه مراوحات ما بين القلق واللا جدوى وتلك الملامح الغريبة التي بانت فوق صفحتى في تلك اللحظة كنت أحاول قدر المستطاع نسيان ملامحي. أبرزها وأطل من جديد للملامح خلسة، فيزداد عبوسي، تنطلق الأصوات فلا أتبين من أين تأتي.

 نظرت في ساعتي فرأيت ساعة الميدان معطلة وصوت القطار يزعق، وباعة جائلون ينادون على نسوة وعجائز لا يشترون شيئا مكتفيات بالنظر للساعة الكبيرة، أعود لأحدق لهيئتي ملابسي، أجتر عقودا ما لا أعلمها ولا أملك ثمة مواقيت لما فات. مكاني، زمني موقعي من الميدان الكبير وتلك النوافير المعطلة، وتمثال رمسيس الراقد في شموخ وبلادة وعدم اكتراث، والحفر دائر في طرق ملتوية.أتثاءب دون وعي، وأصابعي تتحسس ملاءة بيضاء مفرودة على جسدي حتى صدري، لأراني وقد وقفت. أطل من نافذة ديزل، يهدر، فترتجف القضبان، تخترق حواسي، ترعبني، ماكينة الديزل تصدر صلصلة وتكات منتظمة وأذناي تستقبلان الرجرجة وقت أن فارق القطار باب الحديد، الكمسري ينادي على الجنود، ويقول بصوت مسموع، الأبطال، ياريت تنتظموا في صف واحد، يكفي ماحدث بالأمس!

الملاءة تسحب من على جسدي، أتلفت في الاتجاهات الأربعة، وحدي، أقفل ازرار بيجامة كستور تغطي لحمي وتستر عوراتي، بلا ملابس داخلية كنت، أنظر لشكل العربات في بلاهة، ويقظة حادة تنتابني فجاة لأرقب اللوحات المعدنية، فوق العربات ـ أجرة اسكندرية 223 77 ملاكي بورسعيد 3264 القاهرة 55555، أستند على باص يمرق ببطء قريبا من طوار جهم، تنبهني السرينة المفاجئة، أنني وسط زحام ما، في مدينة تعرفني ولا أعرفها، أسحب خصلة منتصبة من شعري الأهوش لأرميها برفق خلف أذني التي تطن، أخرج مرآتي من جديد، فأسمع من يلعنني من نافذة عربة فولكس، أفق يا شيخ، أنتبه على وقع الكلمة في أذني، شيخ في أي زمن أنا، أدير المرايا تحت ضوء الشمس، لأرى بريقا ما لخاتم ذهبي، وطفل يصرخ في الزحام قريبا من مسجد الحسين، وعساكر الداخلية تجري بلا هدف متسللة من مداخل الباطنية للدراسة فباب النصر يتفرقون في صحراء المماليك. ورئيس الدولة يلوح بيده في غضب وحسم، ينتظر في غرفة ما مغلقة إلا من وزير داخليته ورئيس المخابرات، وزير الدفاع يمر بحراسة تقليدية متوجهاً للطريق الصحراوي صوب مخارج المدينة، بموازاة طريق المطار كانت الطائرات الحربية الهيلكوبتر تحلق في مستويات منخفضة، وأبي يصفعني على وجهي فأنكفئ بوجهي بين كفي اليمني وصدري النحيل العظمي أبي يكرر السؤال وقد انتابتني حالة فزع:

ـ من خطف ذهبك؟، أشير لمدخل المشهد الحسيني بأصابع رفيعة ترتجف في برد لم أتبين مصدره.

وقت المغارب كنت، وكان الزمان، يدق رأسي وأنا المنتظر لقدوم الخامسة صباحاً وصوت البواخر في الميناء، فتيات شقراوات من جنسيات مختلفة يعبرن الممر المائي في رحلات تتكرر مع كل سفر جديد، أتثاءب، وأنظر في ساعتي االواقفة عند السابعة، أعاود الكرة متنقلا مابين ميناء الساعة وتلك المرآة المصقولة. أتحسس وقفتي من جديد، أطيل النظر لملابسي، جسدي، خطوتي، عمري، زمني لأجدني وقد صرت كهلاً. يمشي بوهن وقد أمسكت بعصا خشبية سقطت في حفرة صغيرة قريبة من طريق متسع ومعتم فلا أشتم إلا رائحة ملبس قديم وحذاء كلاسيكي أسود برباط قصير. وبنايات ضخمة تفر من أمامي وقد سقط من فوقها إعلان لأحدى ماركات الساعات القديمة، وقتما لاحت الألوان تجذب بصري مابين الأزرق والأحمر والأسود والأبيض.

مقالات من نفس القسم