لطالما سمعتُ عن البشر حكاياتٍ خيالية، سمعتُ أن الأطفال لن يهمهم لوني، وإن كانوا يفضلون الوردي. سيحتفظون بأوراقي المزركشة بين وسائدهم، سيتوجونني بطلة في أحلامهم، سيحلمون برداءٍ كفستاني يتسع لسعادتهم، وسيحتالون على أمهاتهم وينقلون إليَّ كل قصصهم.
خرجتُ أنتعل حذائي الورقي، تعثرتُ في أرصفة غير مضيئة، وضايقتني الطرق غير المستوية، لن أدع الأمر يزعجني. تكفيني الحكايات التي سأرويها لزميلاتي الكسلاوات، اللواتي اكتفين بالفرجة من خلف حواجزهن الزجاجية.
رأيت الكثير من الوجوه، أعجبتني بالأخص حلقةً من الأطفال، يلعبون بوجوهٍ يلوِّنها الشغب، طلبت منهم مشاركتهم اللعب، قالوا إنني من طرازٍ قديم، وإن ردائي المنتفخ لن يسعفني، ثم احتدم النقاش حول كيفية التقاط الكرة بذراعٍ قصير، وكيفية التسديد دون عيون.
لملمتُ شظايا دعاباتهم المُرَّة، ورحلتُ إلى الجهة المقابلة؛ حيث فتاة صغيرة تراقب محلاً للعب الأطفال، حاولتُ الاقتراب منها، فانتفضت الطفلة، ونادت بصوت مبحوح على أمها. أشارت إلى وجهي الخالي من الملامح، وأسمتني “مسخاً”. حاولتُ أن أمنحها جزءاً محلَّىً من ذراعي، فألقته في سلة المهملات. ألهتْها أمها بعروسٍ بلاستيكية بعيونٍ زرقاء ورموشٍ اصطناعية طويلة.
للوحدة قسوتها، ولكنني مازلت في بداية الليل، أرتحل إلى طرقٍ معبأة ببشرٍ من كل الوجوه، طقوس فرحٍ، وزينات وأعلام تظلل المكان. جذبني تجمع دائري، حاولت الوصول إلى مركزه، ساعدتني قامتي القصيرة. في الداخل رأيت مريدين يتمايلون على وقع الموسيقى والأذكار. كان هو في منتصفهم، بتنورة تشبه تيجاني الدائرية، وبنفس ألوان سعادتي. كم أعشق ألوان قوس قزح!
دار عقلي معه، وخطف قلبي، فسِرْتُ في اتجاهه في غفلة من الشهود، واحتميت بتنورته، حملني هو بين كفيه كوليد الشمس، ورفعني عاليًا كقربان، افتديت الحضور، ولم أعد أشعر سوى بتوشيحاته. التصقتْ بي أذكاره كتعويذة، ولفني بين ردائه فأصبحت كوليد تطهَّر للتو من دنسه.
تمايل الوجود في حضرته، وعلى وقع دفوفه لم يعد العالم سوى صدى لمحبته. وحينما انتهى ورفع إليَّ بصره، تطلع لوجهي الممسوح، ارتسمت ابتسامة عذبة على وجهه. وضعني بين كفيه، وطالب الحضور بصدقة إضافية إكرامًا لي.
بعد كثير من المماطلة، أرتأيت الراحة بجانب أحد الصناديق. كان آخر ملتحفاً ببعض ملابسه، وحينما اشتم رائحة السكر، قضم قطعة من أذني دون استئذان، ثم غط في نوبة شخيره.
في رجوعي لفاترينتي، وبينما بدأتْ بلوراتي المحلاة في الذوبان، وبدأتْ أسراب النمل في التسرب عبر حذائي الورقي المهترئ إلي قدمي، وقفتُ ألمح صاحب المحل وهو يودع عرائسه، ويغلق دكانه، حينها أمسكتْ بذراعي طفلة صغيرة، حملتني بين كفيها، وأخرجت من شنطة يدها الصغيرة ألوانها الشمعية وبدأت تخط ملامح لي.