حكاية “صديقي الظل”

موقع الكتابة الثقافي default images
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 تحكيها وترسمها: سارة عابدين

 

اليوم كان مرهقاً، وكنت أرغب في النوم، أغمضت عينيّ ونمت بمجرد أن لمست رأسي الوسادة. استيقظت في منتصف الليل لأشرب، لكنني وجدت الغرفة غارقة في الظلام، باستثناء ضوء أصفر خفيف يتسرب من باب الغرفة. 

ماهذا؟ غرفتي تشبه بيت الرعب بمدينة الملاهي، أشباح كبيرة وصغيرة تتراقص على جدران الغرفة، يبدو أن هذه هي الأشباح التي سمعت عنها كثيراً. كان صوتي مكتوماً، وكنت خائفة من مناداة أحد حتى لا تتعرف الأشباح على مكاني وتلتهمني. بصعوبة أحاول كتم أنفاسي حتى لا تسمعني الأشباح.

أغطي وجهي حتى لا يرونني، ومن ثانية لأخرى أنطر من أسفل الغطاء، ربما يغادرون غرفتي، لكنني مازلت أراهم يحتفلون على جدراني.

إنهم يملكون وجوهاً مرعبة، كما أنهم يتحركون بسرعة على الجدار. أغالب خوفي وأخرج أطراف أصابعي لألمس الجدار، لكنني لا أستطيع إمساك أي منهم، يبدو أن كل ما سمعته عن الأشباح حقيقي، نحن فعلاً لا نستطيع الإمساك بهم.

كان احتفالهم على الجدران مستمراً، وكان خوفي يزداد مع مرور الوقت، لكنني كنت أراقب شبحاً صغيراً، في ركن الجدار، يبدو وحيداً، ولا يشاركهم الاحتفال.

كنت أراقبه من أسفل الغطاء، ويبدو أنه أيضاً كان يراقبني، مع استمرار نظري إليه، سمعت صوتاً رقيقاً يهمس لي:

ـ “كوكي..كوكي.. هلا شاركتيني اللعب؟ أنا وحيد هنا في عالم الكبار ولا أصدقاء لي”.

نظرت حولي لأعرف مصدر الصوت، ياااه، إنه الشبح الصغير في ركن غرفتي يتحدث إلي ويبتسم لي، غطيت رأسي بسرعة، وتملكني رعب أكبر. ربما أرسلوا هذا الصغير لخداعي حتى أخرج من تحت الغطاء ويلتهمونني، أو يأخذونني رهينة عندهم ويحبسونني بداخل الجدار، وقتها لن أستطيع أن أرى إخوتي وعائلتي من جديد.

من أسفل الغطاء سمعت نفس الصوت ينهنه، قائلاً بصوت ضعيف:

ـ “يبدو أنني فقدت فرصتي الأخيرة في أن يكون لي أصدقاء، وسأقضي بقية حياتي وحيداً”.

كان صوت بكائه حزيناً، وأنا أيضاً كنت أرغب في صديق، ليس لي أصدقاء، غالبت خوفي وأخرجت جزءاً من رأسي من أسفل الغطاء، وقلت له:

ـ “لا تبكي أيها الشبح الصغير أرجوك”.

في هذه اللحظة، تحول بكاء الشبح الصغير إلى سعادة، وقال لي:

ـ “مرحباً ياكوكي، أنا سعيد لأننا سنصبح أصدقاء”.

سكتّ قليلاً، ثم قلت له:

ـ “لكنني أخاف من مصاحبة الأشباح، الأشباح مخيفة وتلتهم الأطفال”.

قال لي صديقي الصغير:

ـ “ومن قال لك يا كوكي إنني شبح، أنا لست شبحاً، أنا ظل صغير لكرتك الصغيرة الملقاة بجوارك على السرير، أنا لست مخيفاً، ولا ألتهم أحداً، ولكي تتأكدي من كلامي، حركي كرتك الصغيرة بأي شكل ستجدينني تحركت على الجدار مثلها تماما”.

نظرت بجواري فوجدت كرتي الصغيرة، حركتها ببطء فتحرك صديقي الظل ببطء، رفعتها لأعلى فارتفع، حركتها بسرعة فتحرك فعلاً مثلها تماماً، كنت سعيدة بهذه اللعبة، لكنني وضعت الكرة في مكانها الأول، وعدت لصديقي الظل الصغير.

سألته:

ـ “هل أنت موجود هنا دائماً؟”

فأجابني:

ـ “نعم أنا هنا طالما الكرة هنا، مكاني يتغير بحسب مكانها، لكن ضوء الشمعة التي أوقدتها والدتك ساعدني على الظهور بقوة”.

فكرت قليلا وسألته:

ـ “وهل كل هؤلاء الأشباح على جدران وسقف غرفتي أيضاً ظلال؟”

قال لي:

ـ “نعم، بالطبع، الظل الكبير هذا ظل دميتك الأرنب، وهذه الأصابع التي ترينها مرعبة، ليست أكثر من أذني الأرنب، وهذا الظل المتدرج هو ظل كتبك المرصوصة على المكتب، أما هذه الظلال المدببة، فهي ظلال أقلامك الموجودة بداخل المقلمة”.

أخرجت رأسي وجسمي من أسفل الغطاء، ودققت النظر من جديد في كل الظلال التي كنت أظنها أشباحاً، فاكتشفت بالفعل أن كل ظل على الجدران مماثل لأحد الأشياء الموجودة في غرفتي”.

ـ “لكن لماذا تتراقصون هكذا يا صديقي الصغير؟ يبدو شكلكم مرعباً”.

قال لي صديقي الظل:

ـ “نحن لا نتراقص من تلقاء نفسنا أبداً، فقط تتغير أماكننا حسب اتجاه الضوء الملقى على الأشياء، فكلما اهتز ضوء الشمعة، تظنين أننا نتراقص على الجدران”.

كان صوته متهدجاُ وهو يقول:

ـ “نحن في الحقيقة لا نفعل أي شيء، نحن لا شيء يا كوكي، مجرد ظلال للأشياء، تابعين لها نفعل تماماً كما تفعل، لا نختار شيئاً ولا نقرر شيئا، تبدأ حياتنا وتنتهي دون أن نعرف  أنفسنا ودون أن يهتم لأمرنا أحد”.

ـ”في حقيقة الأمر يا صديقي الظل، أنت جعلتني أرى الظلال التي كنت أظنها اشباحا، بنظرة مختلفة، لقد تعاطفت معكم بقدر ما كنت خائفة، أشكرك يا صديقي الصغير.

هل تعلم يا صديقي الظل الصغير، أنا أيضاً أشعر بالوحدة وأشعر أن لا أحداً يهتم لأمري، أمي تعمل بالمنزل وتهتم بإخوتي  الصغار، وأبي في العمل، وأختاي صغيرتان لا أستطيع التحدث أو اللعب معهماً، لذلك أنا أتفهم وحدتك جيدا”.

استمع صديقي الظل الصغير إليّ، ويبدو أنه كان متعاطفاً معي، ثم بدأ هو في الكلام قائلاً لي:

ـ”أنت لست وحيدة تستطيعين ملء فراغك كما تحبين، أنت قادرة على اللعب والنوم والنهوض والتحرك، والقراءة والرسم، أما أنا مجرد تابع، إذا اختفت الكرة أختفي، إذا تمزقت أتمزق، لو تغيرت الإضاءة ربما أتلاشى، كم هو مؤلم يا صديقتي أن أكون ظلاً للآخرين، رهن تحركاتهم، حتى الكرة التي أنا ظلها لا تستطيع الحركة إلا إذا رغب أحدهم في اللعب بها”.

كنت أرغب في طمأنة صديقي الصغير، فأخبرته إنني سآخذ الكرة معي في كل النزهات، والأماكن التي يمكن أن يزورها، ووعدته ألا ألقي الكرة في ركن مهمل بعد الآن.

أخبرني صديقي الظل أنه سعيد، لأن هناك من اهتم برغباته، وقال لي:

ـ “هل تعرفين، كنت دائما أحسد ظلال البشر، لأنها تتحرك مع كل حركة، تمشي وتجري وتهرول وتزور الحدائق وترى الشمس والقمر”.

في المساء حملت الكرة بين يدي، ووقفت في البلكونة، وأخذت أدحرج الكرة على الأرض، وأضعها على كفي وأرفعها للسماء، حتى يشعر صديقي الظل ببرودة الشتاء المحببة ويرى القمر.

في يوم آخر أخذته للحديقة، كان سعيداَ بملمس الحشائش الرطبة، ودفء الشمس، في صالة السينما استمتع بالفيلم، لكنه كان خائفاً في البداية من الأبطال الكبار على الشاشة، تماماً مثل خوفي من الظلال التي رأيتها على جدران غرفتي.

في المساء عندما عدنا للمنزل، أخبرني صديقي الظل أنه سعيد جداً بمغامرات هذا اليوم الحافل، لكنه متعب جداً بعد هذا اليوم الطويل.

أحضرت وسادة الدمية الصغيرة ووضعتها بجواري، ووضعت الكرة فوقها، وهكذا نام صديقي الظل الصغير على الجدار المجاور لسريري.

لم أعد أخاف الظلال، تعرفت عليهم عن قرب، وأصبحت أحرك كل شيء أمام الجدار وأتابع ظله، كنت أرى حكايات وحكايات على الجدار، كلما حركت أصابعي أو ألعابي، أصبحت صديقة الظلال، لكن يبقى دائماً صديقي الظل الصغير، هو الصديق الأقرب، الذي ساعدني على التخلص من خوفي من الظلال.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي default images
حكايات سارة
سارة عابدين

ربما