حاوره: حسن عبد الموجود
هذا الحوار يرسم صورة حقيقية للشاعر السوري حسين بن حمزة، الشاعر الذي يحوِّل كل ما يلمسه إلى ذهب، لكنه يضنُّ علينا بالكثير، وهو شاعر مقل، يفكر في المحو أكثر من تفكيره في الكتابة، ويفكر في الانزواء أكثر من تفكيره في الظهور، ويفضِّل القصيدة القصيرة، والصوت الخافت، والعزلة. عاش عمره كله هكذا، فلا مجال لأحد أن يشكك في دوافعه، أو يدعي أن ابن حمزة يريد أن يرسم لنفسه صورة الشاعر في برجه العاجي، إنه صادق إلى أقصى درجة، يمتلك لغة رائعة في الشعر، وحتى في المقالات، ولا يمكن أن تتعامل معه إلا باعتباره واحدا من المعلمين الكبار، سواء في الأدب أو الصحافة.
ولد حسين بن حمزة في مدينة الحسكة بسوريا، ودرس الاقتصاد في جامعة حلب، ونشر مقالاته ونصوصه في الصحافة السورية، قبل أن ينتقل عام 1995 إلى بيروت، حيث أقام وعمل محررا وناقدا في الأقسام والملاحق الثقافية لعدد من الصحف اللبنانية والعربية.
يقيم منذ عام 2017 في ألمانيا، وصدرت له 3 دواوين هي «رجل نائم في ثياب الأحد»، «قصائد دون سنّ الرّشد» و«كمن يريد أن يمحو» الذي يدور عنه معظم هذا الحوار.
مرَّ بين صدور ديوانك الأول «رجل نائم في ثياب الأحد» والثاني «قصائد دون سن الرشد» اثنان وعشرون عاما.. لماذا هذا الزمن الطويل؟
السبب هو أنني مقلٌّ في الكتابة، وعلاقتي بالشعر خاصة وشخصية فعلا، أحيانا يصعب شرح ذلك للآخرين، هي علاقة وجودية وجوهرية، ولكن في الوقت نفسه عدم كتابة الشعر أو عدم نشره لم يكن يوما مصدر شكوى بالنسبة لي، أستطيع أن أكتب كل يوم، ولكن مزاجي الشخصي لا يدعمني في ذلك، لديَّ كسل غير عادي في التمهل، في تأجيل الكتابة، في تجنبها أيضا، هناك شعراء يفكرون بالكتابة بشكل مستمر، أتذكر أن محمود درويش كان يتأنق صباحا ويجلس إلى طاولته وأوراقه بشكل يومي تقريبا، قد يكتب وقد لا يكتب، ولكنه جعل من ذلك طقسا وعملا يوميا، وهناك أمثلة مشابهة لشعراء آخرين أيضا، بالنسبة لي لستُ محترفا إلى هذا الحد بل أكاد أكون هاويا، لستُ شاعرا بدوام كامل، علاقتي بالشعر ليست جدية بالشكل الكافي، ولكن الجدية لا تعني لي الاستمرارية فقط، الجدية هي أن تكتب شيئا جيدا، شيئا تحبه، شيئا يشبه مزاجك وفكرتك عن الكتابة، القلَّة في الكتابة تسبَّبت في توقفي عن الشعر لفترات متعددة بعد صدور ديواني الأول، وبعض هذه الفترات دامت سنوات، وأثناء ذلك كنت أستلطف لقب «صاحب الديوان الوحيد» من أصدقاء لي إلى درجة أن التخلي عن اللقب صار صعبا، في ألمانيا، حيث انتقلت للعيش هناك قبل 7 سنوات، بدأت بكتابة قصائد جديدة، ومع القصائد السابقة التي كانت لديَّ، صار ممكنا التفكير بإصدار ديوانٍ ثان.
من يقرؤك جيدا يلحظ أن هاجسك هو الحذف أكثر من الكتابة، حتى أن ذلك ظهر في عنوان ديوانك الجديد «كمن يريد أن يمحو».. لماذا أنت مسكون بذلك الهاجس؟
لا أحب الثرثرة في الشعر، غايتي هي إنهاء القصيدة بأقل ما يمكن من الكلمات، وأن تكون كل كلمة في مكانها بلا زيادة أو استطرادات، الهوس بالكثافة والاقتصاد جعلا نَفسَي قصيرا ربما، فأنا لا طاقة ولا جَلَد لديَّ لكتابة قصائد طويلة أو حتى متوسطة الطول، ديواني الثاني كله تقريبا هو عبارة عن مقاطع شعرية قصيرة، بعضها يتألف من سطرين فقط.
في قصيدة «طقس» تقول: «أحب أن أقرأ قصائدي لشخصين أو ثلاثة لا أكثر».. هل تكشف هذه الكلمات مفهومك للتلقي؟
لم أفكر بذلك من قبل، ولكني أظن أن هذه القصيدة تتحدث عن نوع من التلقي لا يحتاج فيه الشاعر إلى جمهور أو إلى منبر، كأن القراءة هي جلسة صداقة حميمة تضم المقربين فقط، ربما هذا يتعلق بفكرة القلة أيضا، أن تكون القصيدة قليلة الكلمات وتخاطب أفرادا قليلين، أفرادا وليس جمهورا غفيرا.
في قصيدة «نجاة».. تنجو قصيدة من فوضى تدوين الشعر على خلفيات فواتير الهاتف والكهرباء وإيصالات البنك والأقساط المدرسية.. هل هذا انعكاس أيضا لهاجسك عن المحو؟
في هذه القصيدة كانت هناك محاولة للقول: كتابة قصيدة ممكنة في أي وقت، وفقدانها ليس بالأمر الجلل أيضا، جزء كبير من علاقتي بالشعر تقوم على هذه المعادلة الغريبة: أن تكون شاعرا هو أمر مهم، ولكن الاستبسال في ذلك لا يعنيني كثيرا، لا تحتاج إلى إثباتات مزمنة ودائمة لتقول إنك شاعر، والأهم أنك ينبغي ألا تحتاج إلى الترويج لنفسك، ينبغي أن تتوارى وتترك النص وحده بصحبة القارئ.
الشاعر في قصيدة «جودة» يعرف أن قصيدته جيدة إن تهدج صوته أو اغرورقت عيناه أمام المرآة.. هل ينطبق ذلك عليك؟ أو دعني أسأل: ما مقياس جودة القصيدة بالنسبة لك؟
كان الوقوف أمام مرآة وقراءة قصيدة انتهيت منها للتوِّ نوعا من الحصول على علامة تؤكد أنها جيدة، أظن أن الصدق وحرارة الكتابة كانا مهمين وقتها، ولكن الفكرة الأساسية لهذه القصيدة هي أن ذاك الشاعر توقف عن الشعر، وهي قصيدة من عدة قصائد كتبتها على سبيل التمرين أثناء عوداتي المتكررة للكتابة، بعد التوقف كنت أعود من خلال قصائد تتحدث عن الكتابة وعن فكرة التوقف عن الكتابة، كان ذلك يُساعدني على البدء مجددا وإعادة مياه الشعر إلى مجاريها.
هل كلمة «الوحدة» التي تكررت كثيرا في الديوان هي الأقرب إليك كشاعر؟
صحيح، وهي وحدة بمعانٍ كثيرة، أنا شخص ميال إلى فكرة العزلة، إلى الصمت، لدي قدرة على التحدث طبعا حين يكون هناك ما يُغري ويستحق، نصوصي لا تعكس شخصيتي بشكل كامل ومتطابق، ولكني في الغالب شخص متأنٍ، متأمل، خافت، وأستمتع بكوني كذلك، كتبتُ ذات مرة أنني ربما أحرِّك أقلَّ ما يمكن من الهواء وأنا أشقُّ طريقي بين العابرين، هذا أيضا نوع من الوحدة، الوحدة هي أن تكون قليلا، متواريا، خافتا، مكثفا، ومغمورا بطبقة من الأسى، مثل الشعر الذي تحبه.
البطولة للصمت عندك أكثر من الكلام.. كما في قصيدة «شاعر الصورة الواحدة».. لماذا؟
هذا السؤال يُعيدنا مجددا إلى فكرة القلة، وإلى فكرة لجم أي استرسال غير حميد في القصيدة، مرات كثيرة أقرأ قصائد جيدة، وأشعر أنها كانت ستكون جيدة أكثر لو أن الشاعر لم يشرح أكثر، لم يستطرد أكثر، تكون هناك فكرة لامعة، ولكن الشاعر باستطراداته يظن أنه يزيدها لمعانا، بينما هي في الحقيقة تَبهت وتفقد ضربتها القوية الأولى على القارئ.
في إحدى قصائدك تنصح الشاعر بأن يتجنب ريش البلاغة والصور المُحلّاة.. هل يشكل هذا نظرتك إلى المجاز الكلاسيكي؟
هذه هي نظرتي لكل كتابة يكون فيها سعيٌ زائد إلى تحلية الكلام ورشِّ الكثير من السُّكر على الصور والمجازات، هناك خلط دارج وشائع بين الشعر والكلام الجميل، وهو ما جعل الكثير من الخواطر الذاتية وخصوصا عن الحب والهجر يُنظر إليها على أنها شعر، يحدث هذا كثيرا على وسائل التواصل، الفيسبوك مليء بهذه الخواطر، وبعضها يُكتب من قبل شعراء.
تبرر بأكثر من طريقة عدم تفضيلك للقصيدة الطويلة.. لماذا؟
هذا مجرد تفضيل شخصي. في بيانه الشهير «المبدأ الشعري» قال إدغار الن بو: لا توجد قصيدة طويلة، وأي قصيدة طويلة لا بد أنها مؤلفة من عدة قصائد، أحببت هذا البيان حين قرأته وأنا لا أزال في البدايات، ووجدت فيه دعما شخصيا لي ولفكرتي عن الكتابة، في الوقت نفسه لا أنظر إلى طول القصيدة على أنه معيار أساسي لجودتها أو أهميتها، من جهة أخرى، القصائد الطويلة نادرة أصلا في الشعر العربي الحديث، القصيدة القصيرة صارت ممارسة شبه وحيدة في السنوات الأخيرة، ولا أجد ذلك أمرا جيدا طبعا، خصوصا أن هذه الممارسة تقوم في أغلب النصوص على تقنيات متشابهة وعلى معجم واحد تقريبا، بالنسبة لي الشعر هو كل قصيدة أحبها، طويلة، قصيرة، متوسطة الطول، لا فرق، أن تكون القصيدة قصيرة لا يجعلها تحظى فورا بالجودة المضمونة، هناك الكثير من القصائد القصيرة السيئة.
قصائد قسم «بعد الحب» نجحت كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.. ألا يقلقك أن تتحول قصائدك إلى منشورات؟
نعم هناك هذا النوع من الخشية، أعرف أن كثيرين يتابعون ما أنشر على الفيسبوك ويشاركون على صفحاتهم قصائد لي، وهي بالمناسبة ليست فقط قصائد تحضر فيها فكرة الحب، كل قارئ لديه الحق في تلقي الشعر بطريقته حتى لو كانت بسيطة وغير مدركة لتعقيدات الكتابة، بالنسبة لي لا أقدم تنازلا في كتابتي، ما أنشره على صفحتي في الفيسبوك أغلبه مكتوب من قبل، والكثير منه منشور في دواوين مطبوعة، مسؤولية الشاعر هي أن يكون مخلصا لأسلوبه وفكرته عن الشعر، وأن لا تُجرجره الإعجابات إلى تلبية طلب الجمهور العمومي وبالتالي إلى تقديم التنازلات.
المرأة في غالبية قصائدك لها جمال فتاك متوحش.. لكن «كل امرأة هي مرثية مؤجلة».. لماذا تحصرها في هذه الخانة؟
ليس كل امرأة فقط، بل كل رجل أيضا، الأمر ليس حصرا في خانة، في هذه القصيدة هناك فكرة وهي أن الكتابة تتأجل أثناء الحب، حيث الحب نفسه كتابة ربما، أو نوع من العطالة كما كُتب عن الشعراء العذريين، وأن القصائد (الجيدة طبعا) ستُكتب بعد انتهاء الحب، بالنسبة لي حتى كقارئ، لا أستسيغ الحب السعيد في الشعر، الحب ربما تكون فيه سعادة كبيرة طبعا، ولكن ذلك ينبغي أن يتعرَّض لجرعات رقابة ضرورية لجعل نسبة الشعر أعلى من نسبة السعادة، وإلا بدت مجانية وحتى ساذجة أيضا، هناك شيء يجب أن ينكسر لكي يبدو الجمال أجمل، ليس فقط في قصائد الحب، حتى في مشهد امرأة جميلة بمقاييس كاملة أبحث عن تفصيل ما يُنقص هذا الكمال، لكي تبدو المرأة حقيقية أكثر، في القصيدة التي اقتبستَ منها في سؤالك هناك مديح مبطَّن للشعر الذي يُكتَب بعد الحب، أي بعد السعادة، أي بعد ذلك السيل الجارف من المشاعر، بعد أن يصفو الماء ويهدأ التيار، وربما بعد أن يجف أيضا، ولذلك فهي تنتهي بـ«كل امرأة هي مرثية مؤجلة، وكل رجل أيضا».
تقول إن القصائد الثمينة والكاملة ستُكتب فقط في الهجران.. هل الشعر يكون أكثر حدَّة وتدفقا وجمالا في الحزن أكثر من اللحظات الجميلة؟
سؤالك يذكرني بقصيدة أحبها للشاعرة اليابانية تويوتاما تسونو تقول فيها: «ما كنتُ أعرف عمق الحب/ عندما كان حبِّي/ غير مهدَّد!». نعم أظن أن الشعر «حتى حين لا يكون حزينا» ينبغي أن يكون مصحوبا بخيط من الأسى، من الألم المتوقع لنهايته التي لم تحدث بعد، لا أتذكر في هذه اللحظة من قال يوما إن «الفن لم يعد مَرِحا»، أظن أن ما نسميه «قصائد حب» تكون أجمل وتترك أثرا أقوى حين تكون عن فقدان الحب أو حين يكون الحب في خطر.. بعض الحب المُعاش والسعيد والآمن يهدد الشعر بالميوعة العاطفية والسذاجة أحيانا.
في قسم «ألماني يتجول في قصائدي» هل الجار الألماني يمثل انعكاسا لذات الشاعر؟
ينبغي أن أقول أولا أنني مدينٌ لقدومي إلى ألمانيا بعودتي إلى كتابة الشعر بوتيرة معقولة، ومن دون انقطاعات طويلة كما في السابق، الإقامة في ألمانيا كانت تعني أن أتخلص من ضغط العمل الصحفي اليومي في بيروت، وأن أجد وقتا أكثر للتأمل والقراءة دون أن أكون مطالبا بالكتابة عما أقرأ، المكان الجديد اقترح عليَّ موضوعات وتفاصيل وزوايا نظر جديدة، والحقيقة أني لم أعد فقط إلى الكتابة بغزارة وحماس أكثر، بل بدا الأمر وكأني أعثر على شاعر آخر في داخلي. الشاعر القديم نفسه، ولكن بمزاج أفضل ووقت أكثر للكتابة.
في القسم الذي تقصده في سؤالك، كان طبيعيا أن تتسرَّب أشياء وتفاصيل ألمانية إلى ما أكتبه، وأكثر ما لاحظته في إقامتي بألمانيا أن فكرة الوحدة طاغية على الحياة فيها، وأن فرصة أن تحظى بحياة اجتماعية نشطة هي فرصة نادرة، وأحيانا تكاد تكون معدومة خصوصا لمن هم مثلي من الذين جاؤوا إلى هنا وهم ما عادوا شبانا ولديهم طموحات كبيرة، وبالنسبة لفكرة الوحدة والعزلة، لم يكن ذلك انعكاسا لذات الشاعر فقط في القصيدة، بل هي وصف حقيقي لما تخيلته عن الجار الألماني، إضافة إلى أني وجدت في الموضوع نفسه فرصة لكتابة قصيدة، ففي النهاية يحضر كل شيء لكي يخدم الكتابة، الموضوعات والأسباب هي مجرد ذرائع، لقد أردت أن أقول إنه وحيد مثل الشاعر الذي في داخلي، وإنه، في قصيدة أخرى، يفعل ما أفعله، إنه ينظف حديقته كما ينظف الشاعر قصائده من أي كلمة زائدة.
ما تأثير الغربة أو الهجرة أو المنفى أو اللجوء على الشاعر؟
هناك تأثيرات كثيرة طبعا، مجتمع جديد، لغة جديدة، ثقافة مختلفة، كل ذلك يمثل تحديات في طريق الاعتياد والتأقلم والاندماج، في ما يخص الكتابة، كان للمكان الجديد فضلٌ شخصي عليَّ، وهو التفرغ أكثر للكتابة والقراءة، والعودة مع الوقت إلى الصحافة أيضا، ولكن من بعيد، ومن دون الانغماس الكلي فيها والمعاناة من دون الضغط اليومي لمتطلبات الكتابة.
تقول في واحدة من أجمل قصائد الديوان «مثل محكومين بالأشغال الشاقة/ نستيقظُ كلّ يوم/ ونبدأ بتكسير هذه النّهارات القاسية/ إلى قطعٍ صغيرة وطريّة/ قابلة للمضغ!».. هل الشعر هو ما يجعل هناك إمكانية لتحمل الحياة الصعبة؟
الشعر هو دائما فرصة لقول الأشياء والواقع بطريقة مختلفة، والعثور على صور واستعارات تصنع انزياحات جديدة للمعاني، في هذه القصيدة، وفي معظم ما أكتبه، هناك لعبة مجازات وهناك مغامرة ما للذهاب إلى العالم والموجودات والتفاصيل الحياتية، ومحاولة العودة منها بكنوز صغيرة، المسألة كلها تتعلق بالجودة، واكتشاف الاستعارات والصور الشعرية المدسوسة في هذه التفاصيل التي قد لا ينتبه إليها أحد، أو التي ينتبه إليها الشاعر من زاوية منحرفة وغير بديهية، أما إنْ كان الشعر يجعل الحياة أقل صعوبة، فأنا أظن أن الشعر والفن كله يعني تصعيب الحياة وتصعيب كل شيء تقريباً، تخيَّل أنك طوال الوقت ترى العالم بطريقة مختلفة، تقرأ بطريقة مختلفة، وتكتب بطريقة مختلفة.
ما الذي وجدته مختلفا بين لبنان وألمانيا؟ وكيف ترى سوريا من نافذة الغربة؟
حين كنت في سوريا، أردتُ الذهاب بقوة إلى بيروت، كان ذلك أشبه بحلم أو طموح لا بد منه، قبل ذهابي كانت لديَّ مجموعة شعرية جاهزة للنشر منذ سنوات، ولكني أردتُ أن أنشرها في بيروت، كنت أريد أن أبدأ من هناك، الصحافة اللبنانية هي التي جذبتني، والحيوية الحياتية للمجتمع اللبناني كذلك، بيروت صنعت اسمي، وأنا مدينٌ لها بالكثير، هناك أصدرتُ ديواني الأول، اشتغلت وكتبت في صحفها الأساسية وملاحقها الثقافية، كانت مغادرة بيروت صعبة جدا، ولكنه كان قرارا ضروريا من جوانب أخرى، الفارق بين لبنان وألمانيا هو أني ذهبت إلى لبنان باختياري وشغفي، بينما ذهبت إلى ألمانيا مضطرا ومُكرها، وبعد عشرين سنة في بيروت، وسبع سنوات في ألمانيا حتى الآن، باتت سوريا كجغرافيا أبعد وأبعد، أفتقد أشياء كثيرة هناك، لي فيها حياة سابقة وذكريات وأصدقاء أغلبهم بات خارجها أيضا.
ما جيلك عربيا.. ومن الشعراء الأقرب إلى قلبك؟
لا أجد نفسي كثيرا ضمن مصطلح الجيل، أنا قريبٌ من كل كتابة جيدة، يمكنني أن أضع شعراء من أزمنة مختلفة وجغرافيات ولغات مختلفة، وأن أسميهم جيلا شعريا، أظن أنه بات صعبا أكثر فأكثر ربط الجيل بمكان الولادة واللغة الأم، داخل هذا التصور، لا أشعر أني شاعر سوري صافٍ بمجرد كوني سوريا بالهوية والولادة، أنا حصيلة ما كل ما قرأت.