لم أهتم لمعرفة اسم الشخص أو وضعه بالنسبه لرئيس تحرير أخبار الأدب ، كل ما شغلى أن ينتهى من مراجعة الصفحة حتى أتفرغ لباقى صفحات العدد وأذهب الى بيتى قبل الصباح .المهم وأنا منكب على مراجعة احدى الصفحات وجدت شخصا يقف فوق رأسى ، ودون احم أو حتى مساء الخير قال :أستاذ محمد فوزى ؟ لم التفت للصوت لأنه اكمل :أنا حسن عبدالموجود جاى أراجع مقال جمال الغيطانى . أنهى المهمة الثقيلة على قلبى ، وأعتقد أنها كانت ثقيلة أيضا عليه ، ثم طلب منى أن يجلس مع المنفذ حتى يتأكد من دقة تنفيذ تعديلاته ، اعتذرت له بأدب مصطنع قائلا : متقلقش انت خطك حلو وواضح والمنفذ شاطر. فابتسم ..وانتهى أول لقاء بفتور كما بدأ .
كانت هذه الواقعة فى أواخر عام 2007 بعدها لم أر حسن لمدة تزيد على العام ،نظرا لأننى لا أحب جلسات كتاب القصة والرواية وبالطبع الشعراء ، أشعر بتنميل فى أطرافى ونمل يجرى فى رأسى وأنا اسمع أحاديثهم . بالصدفة كنت مدعوا على حفل فى بيت أحد الأصدقاء وفور دخولى رأيت شابا يجلس وبجواره فتاة جميلة ، كان يضحك بصوت مرتفع ، وعندما تأكدت انه حسن اتخذت أبعد مكان قريب منه . كانت الفتاة التى استحوذت على اهتمام الجميع ، تختلس نظرات اعجاب تقترب من الحب لحسن الذى فضلت أن أكون بعيدا عن أرض معركته العاطفية. ومن ثم انشغلت مع عدد من الأصدقاء ، وفجأة وجدت حسن يقف بجوارى ويتحدث بصوت مرتفع أيضا عن الفساد فى الوسط الثقافى والمحسوبية فى تقييم عدد من النقاد للكتاب الشباب وأعمالهم ، انسحبت من الحوار بهدوء ..وانسحبت من المكان كله بعدها بقليل .
بعد سنوات شاءت الأقدار أن يجمعنى بحسن مكان واحد هو جريدة التحرير ،وصار لزاما على أن أتعامل معه يوميا باعتباره مسئول الديسك المركزى للجريدة وباعتبارى مساعد رئيس التحرير ، وقد حددت من البداية – مع نفسى – طريقة التعامل ،لا شئ يجمعنا سوى العمل . لكن لفت انتباهى اخلاصه الشديد ودقته وصبره على كوارث المحررين ، وشيئا فشئ تولدت محبة غامضة بينا هو لا يعلنها ولا أنا ، حتى حدث ما كنت أتوقعه . اشتبكنا لفظيا واختلفنا حول موضوع صحفى ، كانت له وجهت نظر لم تعجبنى فاتهته على الفور بالتنصل من العمل ، غضب بشدة وكانت أول مرة أرى انفعالاته وكيف تغيرت ملامحه كليا ، صار شخصا آخر ، ظل ليومين لا يبتسم ، واشتكى لعدد من الأصدقاء المشتركين ، هنا قررت أن أعلن محبتى لحسن ، ذهبت اليه – نادرا ما أفعل هذا- كان يقف على السلم، وعندما رآنى أشاح بوجهه ، اقتربت منه واحتضنته سائلا : انت زعلان منى يا حسن ؟ نظر الى فى غضب قائلا : آه .هنا أدركت أننا صرنا أصدقاء ، فانتهزت الفرصة :طب ايه رأيك تعزمنى على بيرة أو اعزمك مش ها تفرق كتير ؟ ابتسم ، وتغيرت ملامحه كليا . صرنا نتكلم يوميا فى رسائل وعلى الفيس بوك اذا لم نتقابل . واعترف أن محبة حسن أربكتنى فى البداية حسبته مزعجا لكنه كان دائما يأتى بأفعال تنسف هذه الفكرة – بالمناسبة نسيت أقول انه كريم – . تعددت اللقاءات ودخل بسرعة فى قلب دائرتى ، تعرف على كل أصدقائى وكلهم أبدوا ترحيبا به ، وعندما توطدت صداقتنا ، واتفقنا – دون أن نتكلم – على عدم الكلام عن الأدب والأباء والمثقفين . وفى يوم كنت أنا وهو وعدد من الأصدقاء فى مكان ما ، وفجأة قطع حسن الحديث بنبرة درامية :أنا عندى اعتراف ؟ انتظرنا أن يرمى قنبلة يفسد بها ليلتنا ، لكنه قال : أنا خريج جامعة جنوب الوادى ..وقبل أن ننفجر فى الضحك ..أضاف : ومحمد شعير كمان .كل ما أتذكره من تلك الليلة أننى لم أضحك منذ فترة طويلة كما ضحكت مع حسن .
أزمة حسن الحقيقية معى أنه شبهى فى حاجات كتير ، أهمها التطرف الشديد فى المشاعر ، لكن فى أوقات كثيرة أشعر أنه تائه، يبحث عن شئ ما ، وهذا فى حد ذاته ساعد على التقريب بيننا ، لأنه الصعيدى الوحيد الذى عرفته مهموم بشئ غامض – ربما لا يعرفه – لكنه حريص على مطاردته وهذا بالنسبه لى احدى لحظات ما يسمى ب” الامساك بالوعى” ..لذلك اطلقت على حسن عبدالموجود ابن نجع حمادى بينى وبين نفسى ..النجعاوى التائه .
فيا صديقى، استمر فى المحبة ،والأهم الجرى وراء فتنة المجهول ..لعل وعسى .