حسابات مؤجلة لأرواح معذبة.. قراءة في مجموعة “طلقات” لعبد العزيز الموسوي

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جعفر حسن

طلقات هو الاسم الذي اختاره عبد العزيز الموسوي عنوانا لمجموعته من القصص القصيرة والقصيرة جدا ، فكان العنوان عنوانا عاما على كل تلك القصص القصيرة ، بينما نعمت القصص القصيرة جدا بعناوين مختلفة ، وبذلك ذهب عزيز الموسوي نحو تمييز القصص القصيرة عن تلك القصيرة جدا بوضعها في باب خاص ، وكان العنوان يتدرج بكونه متصاعدا حسابيا بالنسبة للقصص القصيرة (1،2، ..الخ) دون أن يعني ذلك تصاعدا في الحالة الانسانية التي شملت قصصه القصيرة بل ظل العنوان يأخذ عبارة طلقة ورقم ما إلى جوارها .

 

في الافق العام تدور قصص الموسوي حول موقف اخلاقي تبنى حوله دراما انسانية تتحدث عما يدخل تحت حد التابو الذي لا يتكلم عنه احد ، فيترك الارواح معذبة بصورة عامة ، تلك الحالة التي يكون فيها الفعل الجنسي هو السائد سواء الكلام عن امرأة تطلق غازاتها الخانقة أو زوجة ينام زوجها مع امها او اب ما يخون زوجته امام طفله الذي يحشو فمه بالحلوى لطمئن على سكوته ، ويبدوا أن فعل المغايرة يحدث عندما تستغل صبايا الحي المجنون الفاتن الذي تتقاتل عليه في القصة المعنونة (طلقة رقم 12) وتشتعل غيرتهن عليه حتى يحدث ما لا تحمد عقباه من حمل احداهن فيقتلها اخوها ويدفنها في مكان مجهول ، بينما يشير الموسوي إلى مواصلة المجنون فعلته مع آخرى ليبين حملها بعد دفن (سمر) ليوحي بالسبحة المكرورة ، ، تلك الفكرة تتماشى مع الثقافة السائدة في المجتمع الذي يشير في تفكيره إلى ان المرأة هي المسؤولة عن شبق الرجل وإغواءه ،  ولكن اضابير المجتمع عادة ما تحمل حقيقة معاكسة لتلك التي يشير اليها البناء الفني في قصة الموسوي (طلقة رقم 12) فعادة ما نجد في المجتمع الرجال هم الذين يستغلون النساء المصابات بالعته أو التخلف العقلي .

لا يعني ابدا ذلك التناقض القائم في المخيال الفني بين بناء القصة والواقع الاجتماعي أي خلل في تركيب القصة ، ولكنه يشير إلى تألفها مع السائد من جهة وتعبر عن الشحنة الاخلاقية والتعليمية من ارتداد الفعل السيئ على صاحبه في الحياة أو بعد الممات ، كما نتلمسه في استيقاظ ضمير عصام في القصة “طلقة رقم 6″( ) ، تلك الشحنة الاخلاقية التي تكون سائدة على معظم الانتاج الفني للموسوي في هذه المجموعة تجعله محصورا في مألوف الثقافة ، ومناقضا للحياة الاجتماعية وتدفقاتها أو تطلعاتها المستقبلية ، بل تستجر موقفا اخلاقيا من افعال البشر وتجعلها محط تأمل في دائرة من الشجن.

على أن الموقف الاخلاقي لا يخلو من شحنة عاطفية تجتاح الكتابة ، فحيث تذهب القصة القصيرة نحو تلمس ابعاد الحواس الانسانية التي تعم الذات ، والتي لا يمكننا تمييزها في المعتاد ، ونحن نشير هنا إلى حاسة اللمس ، تلك الحاسة التي تتركز في اليدين وفي الاعضاء التناسلية بذات القدر من كثافة اعصاب اللمس ، تشير القصة التي تحمل عنوانا (طلقة رقم 2) في جوهرها إلى رجل فقد يده ، وتدور البنية الدرامية للقصة على حالة الفقد تلك ، بينما لا عزاء في العضو الاصطناعي الذي يراد منه التعويض ربما عن الشكل فقط كما توحي القصة ، وهنا يبدأ الوعي المداهم في دائرة من الضوء حين يحدثه الاصحاب عن محاولاتهم للحصول على تعويض الإصابة في اثناء العمل للتخلص من الديون “ربت أحدهم على كتفي وهمس ناصحا :”المال يصنع لك يدا. قلت له وأنا أهم بالمغادرة متهكما :”افض أن تصنع اليد المال.””( ) ، وتقوم البنية الدرامية على مقارنة حالته بحالة رجل كان يجر كرسيا متحركا يجلس عليها ابنه المشلول ، وتتفاعل مع اليد المقطوعة الخطيبة بينما لا يستطيع هو التفاعل معها ، حتى يضع الخد مكان اليد.

فلك مغاير

 تميزت قصص الموسوي القصيرة جدا بمحاولات جاءت مختلفة نسبيا ما عما وجدناه في القصص القصيرة من الجزء الأول من المجموعة ، ولكنها ظلت محكومة بفعل الخيانة الجنسية والعاقبة الأخلاقية أو الانحطاط الأخلاقي ، كما في (خواتيم ، فن ، أرث ، عطر ، تلوث) ، بينما أفلتت باقي القصص منها ، وتتضح تقنية القصة القصيرة وهي تفرد العنوان باعتباره جزأ مكونا من تلك القصة ، تلك القصة التي يبدو أن العنوان يلخصها عند الموسوي كما في قصة

في غزة

سأل معلم مادة العلوم ، وهو يمسك بالرغيف :

–        من أين نأتي بالشعير ؟

قال الصغير :

من النفق !” ( )

فيبدو لنا العنوان كأنه يقول يحدث في غزة فقط ، ذلك الجزء الفلسطيني الذي ضربه الحصار لمدد تكاد تكفي لترهل أي دولة من الدول وارتخائها كما حدث للعراق قبل غزوه من حلف شمال الاطلسي و ربما هو ما يحاول الان على كل من ايران وكوريا الشمالية وهو ذاته ما مورس على كوبا طوال عقود طوال ، كان ناتج الحصار أن قاوم الشعب الفلسطيني ذلك الحصار من خلال انفاق يجلب منها ما يقيم أوده ، وقد شهد الجميع كيف تكالب الجميع بتطبيق الحصار على تلك المنطقة الصغيرة والمحشورة بكل فسلطيني لم ترد وجده دولة الكيان الصهيوني على ما تسيطر عليه من بلاد الفلسطينيين ، تلك المنطقة المكتظة بالسكان ، ملون ونصف المليون فلسطيني كانوا يكابدون ويلات الحصار ، فمن الطبيعي أن يعتقد طفل أن مصدر الغذاء الرئيسي (رغيف الخبر) من الانفاق ، تلك اللفتة التي تشير إلى انشغال الاديب البحريني بالهم العام والقضية الاولى (فلسطين ) ، وقد تميز العنوان بالقصر بحيث عبر عنه الموسوي بكلمة واحدة مثل (خواتيم ، فن ، إرث ، مشجب ، صراع ، عطر تلوث ، الواوا) أو بأكثر من ذالك في (حيلة زوجية ، في غزة ، ثرثرة اطباق العشاء)، بينما حوت القصص القصيرة جدا على ذلك الانحراف الاسلوبي الذي يحدث الصدمة للمتلقي .

تشير قصة (الواو) إلى التمايز بين البشر في بلاد العرب قاطبة ، والواو مستخدمة على اعتبار انها اختزال لغوي للواسطة التي تعبر عن شكل من اشكال الفساد ، وعلى الرغم من كون الناس متساويين في الموت ، إلا أن احياءنا لا يقبلون ذلك التساوي ، فلا تتوقف القنوات الارضية ولا الفضائية لموت مواطن زوجة وابنة رجل عادي في يوم عادي جدا بالنسبة لوسائل الاعلام بل المفارقة تقوم مأساتها دراميا على بث اغان مفرحة في يوم حزن متجهم لرجل فقد للتو زوجته وابنته.

ولكن هناك ميتون تتوقف لهم كل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة كافة لتقرأ القرآن على ارواحهم لينبثق التساؤل عن الفرق بين الاموات ، انه ليس فرقا عند الميتين الذين يدخلون في الحياد انه تلك التفرقة التي تقوم عند الاحياء

انتابته نوبة ضحك مباغتة وهو يشاهد جميع قنوات بلاده الارضية منها والفضائية فقد علقت جميع برامجها مقتصرة على تلاوة القرآن .

تساءل في نفسه : ما الفرق بين موتهم وموتنا ؟

تذكر حين فتح جهاز التلفاز بعد أن فرغ من دفن ابنته وزوجته بغية أن يسمع خبرا يشد من أزره، ولكن صوت هيفاء وهي جاء بليدا “ليك الواوا بوس الواوا خلي الواوا يصح .. لما بوستو الوالوا شيلتو صار الواوا بح“( )

 

مقالات من نفس القسم