جنازة العالم.. ونصوص أخرى

فتحي مهذب
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فتحي مهذب

رائحة الذئاب في النصوص

كم أحب رائحة الذئاب في النصوص..

رائحة كتفيك وأنت تحملين فأسا لكسر أفق المتلقي..

رائحة البحر في الكلمات المليئة بالنوارس.

رائحة الأنثى في الجنازة..

كم أحب إيقاع أقدام المتصوفة

في مرتفعات التجربة..

ضجة أصابعك وهي تودع مراكب الفاتحين..

عبور الجسر في العتمة

لطرد الأرواح الشريرة.

التحديق في لوازم الدفن..

في غيمة سيارة الإسعاف..

في نعش يسرد متواليات الوداع..

في نثر البلبل الأسير..

في ريش الميت آخر المساء..

كم أحب الشيء وضده

فضة الروح وعيدان الجسد

صفاء الباطن وكثافة الظاهر..

والغناء في الأماكن المعتمة.

***

أواجه القلق بفأس الهندي الأحمر

لم تزل نظراتك معلقة في سقف البيت

السقف الذي تحدقين فيه طويلا

كلما هممت بإعادة طائر النوم إلى الفراش

كنت تحدقين في الحديقة

ترمين نظراتك الحلوة

على مناديل الأزهار

تحدقين في تقاطيع الصمت المتكئ

على الأريكة الهرمة

كما لو أنه أحد فلاسفة الإغريق

ترمين نظراتك الحلوة من الشباك

كنت تملكين نمورا شرسة من الكلمات

ترمين السحرة في الجب ولا تكترثين

يتبعك المستقبل برشاقة لاعب الجمباز

إلى مكان مجهول

أحدق في نظراتك

الملقاة على الكنبة

مثل قطع نادرة من الماس

تحدقين في تلاوين وجهي

يسقط الفراغ مثل زجاجة من يدي

والندم ذئب صغير ينمو ببطء

عندما تغيبين

أواجه القلق بفأس

لا أكلم أحدا قبل الهزيع الأخير

من الهذيان

لا أحتمل سطوع الشمس

ألتهم أطراف أصابعي

أحب رائحة الدم

سرد حكايات دراكولا

قتل المسلمات بطلق ناري مكثف

ألاحق أطفالا لم يولدوا بعد

أصطاد فلاسفة الريبة

في مفترق اللاجدوى

أصرخ أصرخ أصرخ

كما لو أني إوزة من الشمعدان

غالبا ما أنام فوق شجرة حزينة

أو أمام مبغى مليء بالغربان والعظايا

تضحك عيناي المتناسختان

ضحك من ريش وقش

أدعو جميع المنتحرين

لحفلة عشاء فاخر

بعد غيابك الهابط مثل الباشق

أقمت جزيرة صغيرة من التوابيت

ودعوت الأرامل لتربية الأسماك

في أحواض الدموع

دعوت طيور الكراكي لهذا المسرح العبثي

أنا أحب المنتحرين في هذا الوقت الحالك

أحب الموسيقى التي تتدفق بثمرات الكستناء

أطرب المهاجرين إلى دارة قلبي

ليس لي ملجأ أثير

غير نظراتك التي تطلع من المرآة

ملآى بالنور والذهب

**

إلى روح ناجية الغالية جدا

رفرفة الجناح الأبيض لصوتك المقوس

نقترب كثيرا من سمائك

من نظامك الفلكي الغامض

مجرة أحاسيسك الملغزة

كهوفك البدائية

أنا وظلي المتساقط كالبرج الهرم

ثمة سرد ناعم

يتدفق من عينيك الكستنائيتين

معبأ  بجماليات اللامعنى

أنت شبه ميتة

غير أن وجهك مرصع بالياقوت والنوستالجيا

الكرسي المتحرك يتكلم أيضا

على إيقاع مفاصله

ينقر قلبي تينة علاقتنا الناضجة

أنت تتألمين

كما لو كنت رسولة في قرية مليئة بكفار قريش

كنت أطرد الجواسيس

من شرفة المساء

أهب هذا الزمن التراجيدي

المزيد من حقن المورفين

لئلا تسقطين في شرك المحو

وتمتلئ روحي المسحورة بالضوء

بالعظايا والسحليات

يطلع النهار من قبعتك الكنسية

والليل من أظافر الموتى

أو من برية متناقضاتي

ترشقين عينيك في ساعتي اليدوية

حيث يبدو الزمن مثل أرنب عجوز

مهدد بطلقة طائشة

الفراغ متجمد تحت كتفيك الغائمتين

الهواجس تتحرك مثل كلاب الصيد

قلنا  بعد هذا القصف

سيهبط الملاك

يملأ بيتنا المتداعي

بالأزهار والمعجزات

سنرمي تابوت الحظ السيء لكلاب المجرة

نتحرر من أفاعي السحرة

سأسحب غيمة الوداع من عينيك

العالم جميل خارج البيت

القطارات ملآى بالقمح والنبيذ والسكارى

والنساء يطردن ذئاب الأسئلة الكبرى

بكعوب أحذيتهن

المجانين يقرعون النواقيس

في الحلبة

تحت رعاية الشمس

الصلوات تتطاير في الهواء

وعلى ثوب الراعي رائحة الكنيسة

الغفران بقدمين متوثبتين

القتلة في قاع البئر

إذن

هشمي كرسيك الأشيب

بضحكة مدوية

لنقفز من أكواريوم العذاب

إلى سحر الواقعي

المستقبل في انتظارك

بتاج من الذهب الخالص.

**

العملة الذهبية

-كان الزمن يجرني

من ذؤابة شعري

مثل أسير حرب

كنت أصرخ مثل طائر ضعيف

لا يعبأ أحد بريشه المتطاير

بينما تتساقط من جيبي المثقوب

عملة ذهبية نادرة

بعد مسافة طويلة

مليئة بالعواصف والمنغصات

أدركت أن العملة الذهبية

التي أضعتها في طريق الحياة

هي طفولتي

التي سقطت رغم أنفي

دون أن أتفطن إليها

وأنا أتلقى الصفعة تلو الأخرى

من كل الجهات

لذلك كلما احتجت إلى إفراغ مثانتي

أرسم وجها قبيحا للزمن

وأبول عليه.

**

جنازة العالم

كنت عاملا مهما في المشرحة

أحسن معاملة الأشباح

أصفق الباب جيدا

أدع المطر يبكي بغزارة

دون سند عائلي

أجيد الضحك الأسود

مع الغرقى والمنتحرين

عندما تنتهي حصة التشريح

ويختفي الأطباء في المصعد

مثل هررة ضخمة من السافانا

أسحب الجثة إلى دهليز ضيق

بينما الصمت إجاصة متعفنة

مليئة بالنتوءات والثقوب

أركل غيمة تسقط من قميصي

أرمي خوفي من الشباك

مثل قنفذ نافق

بدم بارد للغاية

أعتدي على البنت

التي دهستها قافلة من الأحزان

أستأصل عينيها الزرقاوين

وأرميهما في جيبي

وهما يلمعان

مثل قطعتين من الليرة التركية

تلك مهنتي في بيت  الأموات

مهنتي التي تطرد الثعابين

من غابة أعصابي

أقلع عيون الموتى

وأزين بها غرفة نومي

أنا صاحب العين الزجاجية

ومزاج القرش المحدب

الحزين الأبدي

على جنازة العالم.

مقالات من نفس القسم