جبل قاف حيث تكمن المعرفة الحقّة والنهائية، يكمن خلفه أيضاً الوعيد بالعقاب، فالرهبة من أن تعرف أشد أنواع “الوعيد”. نحن لا نعرف إلا ما قيّض لنا أن نعرفه من قبل أنواع السلطة، الخوف من أن تعرف هو الضمان الوحيد لتظلّ السلطة كذلك.
تتقاطع حياة الحكّاءة، في القرن الواحد والعشرين مع بطلة الحكاية الناقصة لليالي: زمرّد. كلاهما معدّ لأمر جلل. حياتهما منذورة بالكامل، من حكاية إلى أخرى، كحكايات الليالي، تتشظّى الرواية الواحدة، قبل أن تُجمع في عقد واحد.
رحلة إبطال اللعنة عن المعرفة “اسمي بستان البحر، أو بوستان دريا، أو باغ دريا، لا فرق! أغادر العالم على أطراف أصابعي في طريقي إلى جبل الزمرد. إن لم تبعث أميرتنا من جديد، سأفنى في رمادي الخاص، ستتبخّر كلماتي كأنها لم تكن. من له أن يؤبِد الحكاية؟ من سينقيها من آثار التخريف بحيث تبطل اللعنة وينفك السحر!”.
تحمل وعداً غامضاً بأن تصير “ما تشاء، وأن يكون لها ما تتمنّى من قدرات”، إذا استعادت في نهاية الطريق المنذورة إليه “أميرة جبل قاف”، حيث ستحرّرها المعرفة اللا نهائية، مما نظنّ أننا نعرفه.
ولأن “الكتابة لم تكن يوماً قنطرة وصل، بل خنجر قطع، غير أن رومانسيتنا هي ما أوهمتنا بالعكس”، الجمل المنثورة على رأس الفصول عن التصوّرات عن الكتابة، عن وطن من الكلمات، وتعمل كدليل يشير إلى أن فعل الكتابة هو خوض في المعرفة المحرمة، أو ينبغي أن يكون كذلك، بل إن الكلمات التي لا تكتب، وتموت فور أن تنطق لأنها لا تدوّن، تتحوّل إلى أشباح تطارد صاحبها وتعاقبه، كلعنة الحكاية إن روت وإن لم تُروَ.
زمردة، بطلة قصة الليالي التي تتقاطع مسيرتها مع حياة بطلة الألفية الجديدة، عندما دوّنت قصتها مع جبل قاف، حوكمت أمام قاض بتهمة “التدوين المحرّم على النساء”، يظل هذا الفعل سارياً حتى في زمن بطلة الألفية الجديدة، الكتابة المرفقة بالإحساس بالذنب، بالثقل، بضرورة الاختباء، هنا تكون الكتابة/المعرفة. ثقل الوريث امتداد غيره، الذي عليه أن ينجو من سلفه وينجيه، أن يحييه ويقتله. إنها أيضاً عقدة السلف وسبب حياته، فزمردة بطلة الليالي “ما خطت خطوة إلا تلاقي، وريثها، لعنة تسير على قدمين إلى صاحبها، لعنة لا تعرف الزمن أو المكان، الذي لا حل لمصاحبته سوى أن “تكفر به أولاً، أن تضيّعه تماماً، لتتمكن من استعادته”، الروح الموشومة بماضي الأسلاف وأخطائهم، لا مفر من النجاة من حكمتهم، إلا باستعادة الخيط الساري للغرباء الأبديين.