إبراهيم الحسين
(1)
يقولُ البرقُ قصيدتَه
ويخلصُ لِفكرتِها
يُضيئُها يُنشدها ويغنّيها،
آخرُ ما يفكّر فيهِ الإيقاعْ.
(2)
كتابُ البرقِ بلا صفحات.
على لهبِ قلبكَ أن يكونَ بنفسجيّاً لِتقرأهُ
عليك أن تضيءَ بِشدّةٍ وتلمعَ
وعلى الشّررِ أن يتطايرَ منكَ لِتدرِك معناهُ.
(3)
يُجَدّدُ البرقُ دائماً لُغتهُ ينطقُها بضوءٍ مختلفٍ ويخطُّها كذلك.
يحذفُ ويُضيفُ.
(4)
تعشقُ النوافذُ البرقَ وتُذهلُ عن مَصاريعِها..
تَودُّ لو أنها تصعدُ إليه، فَفي نقاءِ ضوئهِ ما يُثيرُها.
(5)
البرقُ صريحٌ لا يأبهُ بأحدٍ يقولُ رأيهُ في وجهِ أيٍّ كان ولا يَتردّدُ.
(6)
يَمسُّ البرقُ الناسَ في أرواحِهم يمسّهُم في عُمقِهم ويُدهشُهم كلّ مرّةٍ، ويذكّرهم بعروقِهم يومَ وِلادتِهم.
(7)
لا يُحبُّ البرقُ تراكُم الغيمِ ذلك يُذكّرُه بعزلتِهِ
هو لا ينتظرُ مُساعدةَ أحدٍ
بٍفأسِهِ اللّامعةِ وبضربةٍ واحدةٍ يَقصِمها بٍنفْسِه.
(8)
لا يملكُ البرقُ غيرَ ضوئِه المُبْهرٍ
فَمَن يلومُه إنْ هوَ رقصَ رقْصتَهُ وتلاعبَ بهِ أو
نَفَخَ خُيوطَه اللامِعةَ من فمِه.
(9)
حِبالُ البرقِ غليظةٌ يُطوّقُ بها رقبةَ الغيمةِ التي يُحبُّ.
(10)
بِمِدْيتهِ اللامعةِ يكتبُ البرقُ كلماتِه في بُطونِ الغيمِ.
(11)
إذا أخذَ الغيمُ قافلتَهُ بعيداً عن البرقِ نَجا.
(12)
المطرُ دمُ الغيمِ الذي نَهشَهُ البرقُ.
(13)
لا يكتبُ البرقُ إلا في صفحةٍ مُلبّدةٍ.
(14)
إذا كتبَ البرقُ كثّفَ لُغتَهُ.
(15)
أصابعُ البرقِ اللامعةُ تعصرُ الغيمَ.
(16)
البرقُ يكسرُ جِرارَ السماءِ
والجرارُ تُحبُّ البرقَ وتحبُّ اِنطواءَ ذِراعِه عليها
والجرارُ تُبطئُ خطوَها من أجْلٍ أن يلمسَها بأصابعِه؛
يرفعُ غطاءَها فترتعِشُ وتَفِيضُ.
(17)
ليسَ لَدى البرقِ وقتٌ يُضيّعُهُ في الاسْتِقامةِ.
(18)
يَخرجُ البرقُ من أتونِه
يندلعُ من حُزنهِ ووجعِه
يَتشظّى البرقُ
لكنه لا يُفرّطُ في ضَوئِه.
(19)
كُثرٌ لا يعلَمونَ أنّ البرقَ جاءَ يُعلّمُهم الضّوءَ.
(20)
البرقُ فتِيٌّ دائماً
لا يشيخُ ولا يهرَمُ،
تُؤمنُ بذلك وأكثرَ حينَ يأخُذُ قلبَكَ ويُطيّرُه بحركاتِه الرّشيقةِ؛
وثْباتِه وانعِطافاتِه.
(21)
يجرحُ البرقُ السماءَ بِمِشرطِه
وسرْعان ما يخيطُها.
(22)
وردةُ غُصنِ البرقِ شَهْقةُ الذّاهِلينَ به
تَتفتّح في دمِهم
وتغسلُ جلودَهم وعظامَهم.
(23)
لا ثيابَ للبرقِ
عارياً يَأتي حَدَّ أنك تِرى دمَه اللامع يَرشقُ به السماءَ
عارياً يبرقُ البرقُ
وكذلك يعودُ.
(24)
لا أسرارَ للبرقِ
وليس لديهِ ما يخشاه أو يَستحي منه
يُقْبلُ ويُدْلِي بروحِه كلِّها
ويُدْبرُ ليس من نفسِه بَقيّة.
(25)
البرقُ راعٍ
رعيّتُهُ الجمرُ
يُسرّحها ويَصنعُها على عينِه.
(26)
رسائلُ البرقِ مُختَصرةٌ.
(27)
رسائلُ البرقِ بلا عناوينْ
لكنّ الحقولَ تَنتظرُها وتسألُ الريحَ عنها.
(28)
البرقُ اِحتجاجُ البرقِ على وحدتِه.
(29)
البرقُ روحُه المُرصّعةُ به
جسدُه الذي اِنفلتَ مِنه.
(30)
البرقُ لا ينظرُ في مرآةٍ ولا ماءٍ.
(31)
البرقُ أُمّةٌ بِلُغتِها وحروفِها ولهجاتِها.
(32)
البرقُ لا يَشْكو
البرق لا يتحدَّثُ عن أوجاعِه
لُغةُ البرقِ صَمتُهُ.
(33)
وَجْهُ البرقِ يَصبغُهُ بِحَنِينهِ.
(34)
لِلبرقِ وجهُ المُحِبّين واِلتماعُ قُلوبِهم
للبرقِ وَهَجُ وَلَهِهم.
(35)
ليس لِلبرقِ سوقٌ ولا مِنصّاتٌ ولا مَوَاعِيد.
(36)
البرقُ قُرْصانُ السماءِ وقاطِعُها
والبرقُ صُعلوكٌ خرجَ على قبيلةِ الضّوْءِ.
(37)
البرقُ لا يكتبُ على سطْرٍ
النُّقَطُ تتجَنّبُ طريقَه وعلاماتُ التّرقيمِ تَختبئُ في جُحورِها خوفاً منهُ.
(38)
البرقُ لا يُكرّرُ نفْسَهُ
في كُلّ مَرّةّ
جُمَلُهُ جدِيدةٌ.
(39)
العيونُ مرآةُ البرق.
(40)
نُزْهةُ البرقِ مطرٌ.
(41)
خَزائِنُ الغيمِ يكسِرُها البرقُ ويُهدِرُها.
(42)
خزائنُ الغيمِ
يَفتحُها البرقُ ويًجْعلُها مَشاعاً.
(43)
تفرحُ السماءُ بوردةِ البرقِ
وتَنسى فمَها مفتوحاً.
(44)
تُجنُّ السماءُ
تفقدُ السماءُ زُرْقَتَها
حينَ يمرُّ عليها البرقُ مُسرِعاً ويتركُها وحيدةً.
(45)
يَخترِعُ البرقُ فَجرهُ وقتَ يشاءُ بِنفسِه، لا ينتظرُ شمساً ولا ديكاً ولا جِهةً.
(46)
يَشتَدُّ الطّلقُ على الغيومِ فيعرفُ البرقُ أنه وقتُه.
(47)
لا يُهمِلُ البرقُ مواسِمهُ،
يحرثُ السماءَ ويُغادِرُ.
(48)
كلُّ مَنْ صادفَ البرقَ في طريقِه أحبّه وهامَ به،
وجرَحَ دونَ أن يدري قلبَه بِيدِه.
(49)
وجوهُ البرقِ ينحتُها بنفْسِه مُتّخذاً عيونَ الناسِ قواعدَ لهُ
جاعلاً إيّاها زُجاجاً يحفظُها فيهِ ويَتَملّكُهُ.
(50)
البرقُ إمامُ الغيمِ.
(51)
مذاهبُ البرقِ عديدةٌ وبلا حدٍّ.
(52)
البرقُ يرفعُ غطاءَ الليلِ، يفضَحُهُ ويُعرِّيهِ.
(53)
عيونُ البرقِ جاحظةٌ دائماً ولا تَقَرُّ على لَوْنٍ.
(54)
حتّى تَخطِيطاتَه الأولى فاتنةٌ
لكنّ البرقَ لا يقيمُ مَعارضَ
ولا يَبيعُ.
(55)
يَرسُم البرقُ لوحتَه على عَجلٍ
ويُمَزّقها بِسرْعتِه.
(56)
مزاجُ البرقِ مُتقلّبٌ
ألوانُه وخُطوطُه
ضرَباتُ ريشتِهِ تقولُ ذلك.
(57)
يَجوعُ البرقُ
فَيُغِيرُ
يَضرِبُ ضَرْبتَهُ
مُلْتقِماً كُلّ ما في وَجْهِهِ.
(58)
الغيابُ ختامُ قصائدِ البرقِ
(59)
حتّى لو أنّكَ اِشتريتَ عُيونَ صقْرٍ
لن تقرأَ قصيدةَ البرقِ كامِلةً.
(60)
لِيكُنْ شُغلُكَ البرقُ فلا يَشْغَلنّك عنهُ شاغِلٌ
ولْتذهبْ نفْسُكَ فيهِ إنْ أردتَ أن تجري في عروقِكَ حكمتُه.
(61)
البرقُ هُوَ أنتَ
وقد صارَ لكَ فوّهة يخرجُ منها جمرُكَ.
(62)
البرقُ هُوَ أنتَ
وقد شُغِفتْ بكَ السماءُ
وتركتْ أبوابَها كُلّها لك.
(63)
البرقُ هُوَ أنتَ
وقد أَشرقَ بدنُك كلُّه بنورِ المحبّةِ.
(64)
أنت البرق
حَصَدَ الضّوءُ كلَّ كلماتِكَ وتَرَكَكَ بِلا فَمٍ.
يناير 2023