د. مصطفى الضبع
بعد صفر المونديال، لم تعلن هيئة أو مؤسسة مصرية واحدة حالة من الطوارئ لمراجعة أنفسنا للوقوف على نقاط ضعفنا للعودة إلى المنافسة، غلب الشعب على أمره، وتحول الأمر إلى مجموعة من النكات والقفشات على طريقة العبقرية المصرية، وعلى الرغم من الأصوات الواعية التى راحت تطالب بالمراجعة صمت النظام صمته الذى لم يعد مريبا (لأننا تعودناه ) عملا بالمبدأ المصرى العتيد: كل شيء تمام ياريس وأن اللجنة المنظمة كانت من الكفار المتواطئين مع إسرائيل لإحباط النجاح المصرى (وكنا جميعا ندرك أن إسرائيل ليست عدوا بالمرة بالنسبة للنظام).
على الشاكلة نفسها يتعامل النظام/ الأنظمة المتوالية مع القضية الأخطر فى تاريخ مصر الحديث أعنى التعليم الذى بدلا من أن يكون عامل نهضة الأمم وسبب تقدمها وتجاوزها مشكلاتها تحول فى مصر إلى عامل هدم وبات مشكلة الإنسان المصرى طوال حياته طالبا يعانى مع نفسه، ووالدا يعانى مع أولاده، وجدا يعانى مع أحفاده ويظل الموقف متوارثا جيلا بعد جيل دون أن يفكر الحكومات المتعاقبة فى كيفية للخروج من الأزمة التى تعد القضية الأكثر ضغوطا فى حياة مصر القرن الواحد والعشرين
متناسية العنصر البشرى حد الإهمال المتعمد ركزت الحكومات على المقررات والمبانى ولم تعط نفسها الفرصة للتفكير فى حقيقة أساسية: أن المعلم هو الأساس الأهم والأخطر فى العملية التعليمية (لو سألت كل الذين تعلموا عن سبب حبهم لمقرر دراسى معين أو سبب نبوغهم فى تخصص معين فالإجابة واحدة: المدرس)
ولأن العلم لم يقف عاجزا إزاء مشكلات البشرية عبر حياتها الطويلة فإن التفكير العلمى الذى أهملناه يطرح العشرات من الحلول والمقترحات فى مقدمتها على سبيل المثال إلغاء وزارة التربية والتعليم وإنشاء مجلس أعلى للتعليم يكون تشكيله بإصدار دعوة لكل من له مشروع (مكتوب) لتطوير التعليم ووتشكل لجنة عليا لفحص المشروعات التى على أساسها يتم تشكيل المجلس من عدد لا يزيد عن خمسين عضوا ينتخبون رئيسا للمجلس الأعلى الذى يكون عليه رسم السياسة التعليمية لوضع برنامج لتطوير التعليم محدد المعالم
وفى سياق التفكير نفسه يمكن الأخذ بمقترح يوفر للوزارة الملاييين التى يمكنها الإفادة منها فى تحسين أوضاع المدرسين دون أن يكلف الدولة مليما واحدا،يتمثل فى ألا تطبع الكتب المدرسية إلا مرة واحدة كل خمس سنوات (يمكن استثناء السنوات الأولى من المرحلة الإبتدائية) حيث تطبع الكتب طباعة جيدة (cover hard)ويتم تداولها عبر آلية بسيطة من شأنها أن تغرس فى الطالب الحفاظ على كتبه الخاصة وعلى الممتلكات العامة وغيرها من الفضائل، إذ يكون عليه مع بداية العام الدراسى الجديد تسليم كتبه وتسلم غيرها ممن سلمها سابقوه ( تعتمد معظم الأسر والعائلات المصرية هذه الآلية فى الكتب الخارجية التى تتداولها الأجيال عاما بعد عام ).
وفى سياق أخير أجبرت الوزارات المتعاقبة الطلاب على التلقين والحفظ عبر إصرارها على آليات تدريسية محددة تأبى تجاوزها أو تطويرها :
- إهمال المدرس (اجتماعيا ونفسيا وتعليميا).
- سوء الإدارة على مختلف مستويات وزارة التربية والتعليم.
- نظم الامتحانات الأسوأ بين نظم الامتحانات التى يعرفها العالم.
- تحويل التعليم فى الفصل إلى مسألة شكلية عقيمة وعندما فكرت الوزارة فى إنشاء قنوات تعليمية، ارتكبت عددا من الخطايا ( اختيار عناصر غير مدربة تفتقد للموهبة فى التدريس للقيام بدور مدرس فصل وليس معلما يتعامل مع طريقة عصرية حديثة – افتقاد عناصر الابتكار والتطوير فى الوسائل التعليمية ).
- السكوت (سياسيا) على كارثة الدروس الخصوصية ومازلت أتذكر ماكان يردده الوزير الدكتور حسين كامل بهاء الدين: نحن نوهم المدرسين بأننا نعطيهم مرتبات وهم يوهموننا أنهم يدرسون.