أشرف الصباغ
صفعة
في البلد الأجنبي البارد الذي ذهب إليه من أجل الدراسة، قالت له صاحبته ذات يوم، وبعد طول علاقة، بأنها تحب ممارسة الجنس في الأيام الممطرة، ونظرت إليه بعينيها الرماديتين الضاحكتين ثم سألته:
– ولكن متى تحب أنت ممارسة الجنس؟
انفرجتْ شفتاه، وتعلق لسانه في الفراغ بينهما على الرغم من أنه كان يعيش معها بشكل دائم، وكانت هي تعثر عليه دائما، إن غاب عنها، في الأيام الممطرة. وعندما عاد إلى بلاده الدافئة وتوطدت علاقته بصديقة أحبها، قال لها هامسا ذات يوم، إنه يقدس العلاقة الجنسية ويحب ممارستها دائما في الصباح، ونظر إليها متوجسا بعينين تخطبان الود وتطلبان الشفاعة ثم سألها:
– ولكن متى تحبين أنتِ ممارسة الجنس؟
فانتفضت واقفة وصفعته بشدة. وقبل أن تنصرف لم تنس أن تذكِّره بأنه سافل وقليل الأدب.
*
قالوا
قالوا لها إن الرجل مثل الكلب إن نال وطره انخمد كالحمار وربما دار على حل شعره. فاعرفي خباياه وأسراره ونقاط ضعفه لتمتلكينه، وشاغليه بالعظم ولا تجعلينه ينال اللحم كاملا، ولا مانع من الهمس أحيانا في أذنه بأنه فارس الفرسان وأن عنترة أمامه فرخة، ولا تنس أن تذكِّريه دائما بأن الجيران يحسدونه عليك.
وقالوا له إن هؤلاء النسوان ملاعين وناقصات عقل ودين، فإن أقبل عليك الدهر أقبلن، وإن أدبر معطيا لك مؤخرته أدبرن مديرات لك أقفيتهن، وما تذكَّرت إحداهن يوما مشرقا معك. فاعلم أن الحذاء لهن دواء ناجع، وأنَّ رَخْي الحبل مفسدة لهن، فارخه بحساب وقَلِلْ، واشدده دائما إن أمكن. واعلم أن البيت للمرأة كرامة وعفة، وتعليمها إن تيسر مطلوب إلى حدود حتى لا تعلو العين عن حاجبها، فلا مالها سينفعك ولا حلاوة لسانها ستشفيك أو تعفيك.
*
قطع زجاج عالقة
قالت له إنها حامل ونظرت بتفحص إلى عضلات فكه المتقلصة، وأفكار شتى تدور برأسها. غامت الدنيا أمام عينيه. وقبل أن يسأل: كيف؟ اهتز مقود السيارة بين كفيه المرتعشتين وانحرفت يسارا مصطدمة بعامود النور. فتحتْ الباب المجاور وتسللْت في هدوء وهي تزيل بعض قطع الزجاج العالقة بصدر فستانها الجديد الذي اشتراه لها بالأمس.
*
أربع عيون وقلبان
جلسا على المقعد الكبير في ركنهما المفضل بين الأشجار القصيرة الخضراء. من بعيد لمحهما الجنايني العجوز الذي تعود على رؤيتهما دائما معا، فغير طريقه واختفى هناك خلف سور الأغصان الخضراء المتشابكة. رسم لها وردة ومركبا وقطة. ورسمت له قلبا صغيرا وشفتين وقرنفلة، ونظرت إليه باسمة وهي تدفعه برفق في كتفه. فطوقها بذراعه وأراح رأسه إلى رأسها ثم همس متسائلا:
-ولد ولا بنت؟
-سيان.. أنا أحبك.
والتصقت به محتمية من نسمة باردة مفاجئة، فقبلها بينما ابتسم الجنايني العجوز من خلف السور الأخضر القصير.
بعد أعوام عادا إلى ركنهما وكان الورق الأصفر يغطي الحشائش اليابسة من حولهما. ابتسم الجنايني، بشفتين ناشفتين وفمٍ أهتم، محييا، ثم أخذ الصغيرة التي بصحبتهما وراحا يسقيان شجيرات صغيرة في الركن البعيد المقابل. وبينما أسندت رأسها إلى كتفه راح قلبان وأربع عيون يرقبون الصغيرة والجنايني وورقة صفراء طوحتها الريح.
*
الجنايني
كان قد كوَّم الورق الأصفر في الركن البعيد المهجور. وكانت الريح المتربة قد هدأت. وعندما اختفوا تماما عن ناظريه، اتجه إلى المقعد الكبير في الركن البعيد بين الأشجار القصيرة العارية، فوضع إبريقه الرشاش جانبا وجلس فاردا ذراعيه على المسند الخشبي، وأغمض عينيه.
هبت نسمة طرية معلومة لديه، فأخذ نفسا عميقا وتذكَّر الصغيرة التي اختفت لتوها عن ناظريه، ثم فتح عينيه ونظر إلى السماء باسما.