ترجمة الأدب والشعر المصري.. أسئلة وتحديات

sara hamed hawwas
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د.سارة حامد حواس

ما التحديات التي يواجهها المترجمون في ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى؟

هل هي مجرد تحديات فردية تخص المترجمين وحدهم أم تخص المؤسسات،  ودور النشر؟ هل كل من درَس اللغة الأجنبية في كليته يستطيع أن يترجم؟

هل هناك أزمة في مصر لنشر الكتب الشعرية المترجمة،  أم أن هناك أزمة في وجود مترجمين يقبلون على ترجمة الشعر من الأساس؟

هل الذكاء الاصطناعي سيحل محل المترجم الأدبي أم أن اللمسة الإبداعية الإنسانية للمترجم يصعب تبديلها؟

كل هذه التساؤلات حاولت أن أجيب عنها في ندوتي  بمؤتمر قصيدة النثر المصرية الذي عُقد بنقابة الصحفيين في السادس عشر من سبتمبر ٢٠٢٥ وكانت بعنوان ”ترجمة الأدب والشعر المصري.. دور المجتمع الأهلي والمبادرات الفردية”.

أقول إن التحديات التي يواجهها المترجمون كثيرة ومتشعبة،

فالمترجم يجب أن يكون على وعي تام بالثقافة الأخرى التي ينقل منها وإليها، إذ إنَّ الترجمة ليست مجرد نقل بل هي عملية فهم عميق للنص والسياق والخلفية الثقافية للغة والكاتب أو الشاعر نفسه، فعندما أترجم أيَّ نص شعري، أقرأ أولًا سيرة الشاعر أو الشاعرة ولستُ أقصد بسيرته، متى ولد ولا أين عاش ولا إلى أي جامعة ينتمي، بل أقصد خلفيته الثقافية والاجتماعية التي عاش فيها، والتحديات والصعوبات التي واجهها في حياته، وأسلوبه في الكتابة، ومبادئه في الحياة،

كل تلك الأشياء تسهِّل عليَّ عملية الترجمة وفهم ما وراء النص، أي المعاني غير المباشرة، فكما نعرف جميعًا أن الشعر، لغة التلميح لا التصريح، إنه لغة صور جمالية وبلاغية من تشبيهات واستعارات ومرادفات، يصعب فهمها من المترجم غير المطلع على الثقافات الأخرى. لذا، فسلاح المترجم الأول هو الاطلاع على مختلف الثقافات بعاداتها وتقاليدها واستخدامات لغاتها، وطريقة صياغتها وجعلها مفهومة لقارىء يتحدث لغة أخرى من بلد مختلف في خلفياته السياسية والثقافية والاجتماعية.

أما السلاح الثاني فهو ”الموهبة” التي قد ينفرد بها مترجم عن آخر، ولكنها وحدها لا تكفي، فلابد أن تصقل بالمعرفة المتنوعة والقراءات المتعددة التي لا تنحصر فقط في جنس أدبي بعينه فلابد من التنوع في القراءات ما بين الشعر والرواية والمسرح والفلسفة والتاريخ، فكلها أدوات للمترجم يجب أن يتسلح بها لخلق نص مترجم صحيح خالٍ من العوار اللغوي والأسلوبي والثقافي.

أما عن أزمة نشر الشعر المترجم داخل مصر أو خارجها، فهي أزمة قائمة بالفعل وحلها مسؤولية المترجم والمؤسسات التي يجب أن تقوم بدورها في عملية توفير دور نشر في الخارج لتشجيع المترجمين على ترجمة النصوص  الشعرية إلى اللغات الأخرى، لأن التكاليف الباهظة  في نشر كتاب شعري مترجم لا يقدر عليها أي مترجم، ولا بد من دعم مُؤسَّسي لتلك الترجمات إذا أردنا أن تصل أصوات شعرائنا إلى الخارج، أما عن دور المترجم فلابد أن يسعى إلى التواصل مع المجلات الأجنبية ودور النشر العالمية حتى يصل إلى اتفاق لا يكلفه مبالغ طائلة، فهناك أيضا أزمة في التواصل بين المترجم والجهات الأخرى خارج مصر، ولكن المشهد داخل مصر في نشر ترجمة الشعر ليس مأساويا إلى حدٍّ كبير، ففي الفترة الأخيرة، بدأت بعض دور النشر تقبل على نشر الشعر المترجم، ومنها الدار التي أنشر فيها كتبي ”بيت الحكمة للثقافة”، وبدأت البشائر في الظهور عندما نفدت الطبعة الأولى من كتابي ”ثقب المفتاح لا يرى.. عشرون شاعرة أمريكية حائزات على جائزتي نوبل وبوليتزر” الصادر عن الدار نفسها ”بيت الحكمة للثقافة” ووصول الكتاب  في عام ٢٠٢٥ إلى القائمة القصيرة لجائزة جابر عصفور في الترجمة التي ينظمها المركز القومي للترجمة، فتلك كانت بادرة أمل من المؤسسات بتشجيع ترجمة الشعر في مصر، ولكن ليست هناك دور نشر كثيرة داخل مصر تهتم بنشر الشعر المترجم ولكن معظم دور النشر  تقبل أكثر على ترجمة الروايات وكتب التنمية البشرية، من ثم لا بد من دعم دور النشر داخل مصر للمترجمين لنشر ترجماتهم الشعرية لأن الشعر جنس أدبي مهم وجزء أصيل مع كل الأجناس الأدبية الأخرى، فالشعر موجود في الرواية والمسرح والقصص القصيرة، حتى عندما نمتدح كتابة ما  نقول إن ”لغة الكاتب شعرية”.

أما عن تجربتي الشخصية في الترجمة خارج مصر فقد جاءت بسعي مني وتعاون جهات خارجية، من خلال علاقاتي بشعراء أجانب، وتم الاتفاق على النشر قبل أن أبدأ ترجمتي لكتاب الشاعر المصري أحمد الشهاوي وهو ترجمة لمائة قصيدة للشاعر والكتاب بعنوان ”قُبلة روحي” Kiss of My Soul ونُشر في نوفمبر 2024 في دار نشر شهيرة بالهند كما اتفقت مع دور نشر أخرى خارج مصر لنشر ترجمتي لكتابي الشعري ‘’جبلٌ على كتفي”، وكل ذلك تم أيضا قبل ترجمتي للكتاب. لذا، فالسعي واجب من قِبل المترجم فلا شىء يأتي لنا على طبقٍ من ذهب!

أما عن التحديات التي قابلتني ودائما ما تقابل أي مترجم هي وجود مصطلحات وكلمات ليست لها تقابلات في اللغات الأخرى وذلك يشكل تهديدا فقط  للمترجم غير المطلع، أما عن المترجم الواعي الفاهم فيعتبر تلك الأشياء متعة يمتحن بها قدراته اللغوية وإمكانياته الترجمية.

وهناك أمثلة على ذلك قابلتني عندما كنت أترجم نصا للشاعرة الأمريكية فيليس ماكجينلي، حيث كتبت الشاعرة في قصيدتها ”Quilting bee’’، عندما أردت أن أترجمها كما هي وجدتها تُترجم إلى ”النحلة المطرزة” ولكن بعد بحث دقيق وجدت أنها تشير إلى” التجمعات الاجتماعية’‘، لإنجاز عمل جماعي.

مثال آخر، عندما كنت أترجم نصا شعريا للشاعرة لوسيل كليفتون، كتبت الشاعرة” he opens his fly’’، عندما أردت أن أترجمها كما هي وجدتها ”يفتح ذبابته” وهذه ترجمة حرفية بعيدة عن السياق، لكن معناها الصحيح ”يفتح سحاب بنطاله”.

تجربتي الشخصية في ترجمة كتابي الشعري الجديد ”جبلٌ على كتفي”، كانت تحديا من نوع خاص، فكيف لك أن تترجم نفسك؟! لكنني وجدتها أسهل من ترجمة غيري، فوحدي أعرف تأويلي وما أقصده، وأعنيه في كتابتي الشعرية.

لكن عندما كنت أترجم نصوص الشاعر أحمد الشهاوي كنت ألجأ له أحيانا لفهم وفك بعض الشفرات؛ لأتمكن من الترجمة الصحيحة وأصل إلى المعنى الذي يريده الشاعر.

في ترجمتي لنصوصي، شعرت كأنني أخلق نصًّا جديدًا لكنه يحمل عبق ومعنى نصي الأصلي.

كانت تجربة ممتعة، استمتعت بها وتعلمت منها كثيرًا.

في الترجمة، لا ألجأ إلى الشروح، أترجم النص بغموض النص الأصلي نفسه إلى القارئ، لكنني ألجأ في بعض الأحيان إلى شرح بعض المصطلحات أو الكلمات في  footnote لكي يتمكن القارئ العادي من فهم تلك الكلمة أو المصطلح وذلك من دون أن أشوه النص المترجم بالشروح.

كما أنني لا ألجأ إلى الحذف الذي يبتر المعنى الأصلي للنص فيشوهه، إذ دائما ما أحاول أن أحافظ على روح النص الأصلي.

ومن المهم أن ندرك أيضا بأن النص المترجم، ليس نصا أصليا، فمن المنطقي أن يقع من المترجم شيء ما أثناء الترجمة، مهما بلغ من حنكة وخبرة، ولكن المترجم وحده من يختار الشيء الذي يقع منه هل المعنى على حساب الوزن والقافية، أم الوزن والقافية على حساب المعنى؟

أنا دائما ما أختار المعنى مع الحفاظ على موسيقى النص من دون الاعتماد على أوزانٍ أو قوافٍ، حتى أن معظم الشعراء والشاعرات الذين أترجم لهم، يكتبون شعرا حرا خاليا من القوالب والتعقيدات فكيف لي أن أقفِّي نصا غير مقفى من الأساس؟!

إن الترجمة عملية معقدة ليست بالسهولة التي يعتقد فيها البعض، ومن هنا أحب أن أؤكد أيضا أن الذكاء الاصطناعي لم ولن يحل محل المترجم بصفة عامة والمترجم الأدبي بصفة خاصة، فالإنسان له لمسته الإبداعية الخاصة، واكتشافاته اللغوية التي يستخدمها ويطوعها لخدمة النص، وهذا لا يقدر عليه الذكاء الاصطناعي.

……………..

*نص شهادتي في مؤتمر قصيدة النثر المصرية سبتمبر 2025ميلادية.

مقالات من نفس القسم