صفاء النجار
لم أفهم أبدًا هذه العبارة «احترس من الباب الذى لديه مفاتيح كثيرة»، هل لم أفهمها؟ أم أننى لا أوافق عليها، أن أوافق عليها أو أرفضها يعنى أننى أفهم مغزاها، وأنا لا أفهم مغزاها.
هل هذه المفاتيح الكثيرة ستكون منتشرة فى أيدى أشخاص مختلفين، هل هذا الباب يشير إلى الباب أو الحارس الذى يمكن شراؤه أو رشوته؟ هل المفاتيح الكثيرة هى الحيلة والخديعة والمساومة والمهادنة؟ وهل المفتاح الواحد هو الاستقامة؟
ألا يرمز المفتاح الواحد الممدوح هنا إلى المركزية، السيطرة، التحكم.
هل الباب سر؟ والمفاتيح الكثيرة، الآذان التى تسمعه والألسنة التى تردده؟
ما الحكاية التى يمكن أن تحدث خلف باب مفاتيحه كثيرة؟ أتخيل أن الباب ذا المفاتيح الكثيرة هو باب يؤدى إلى رواق، طرقة، فراغ مستطيل أو أسطوانى ينتهى بشرفة على بحر، على حديقة خلفية لمبنى مهجور، جفت أغصان أشجاره. هل الحكاية خلف الباب أم أمامه؟ فى الأصابع الكثيرة التى تحمل نسخًا من مفتاح ليس له خصوصية، ويتم تداوله من فرد لفرد؟ المفتاح لا قيمة له فى ذاته بل هو وسيط، عملة معدنية أو ورقية، قيمتها فيما نشتريه بها، فتتأرجح القيمة ما بين العجز والتضخم.
«احترس من الباب الذى لديه مفاتيح كثيرة» هذه العبارة غامضة ملتبسة، مثل التعليمات المكتوبة على وصفة الأدوية المستوردة ومكملات التغذية، وحبوب التخسيس. مثل حديث الشعراء عن بحور الشعر الخليلية؟ عن العروض؟ هل الشعر باب له مفاتيح كثيرة؟
تم جمع بحور الشعر فى بيتين:
طويل يمد البسط بالوفر كاملُ.. ويهزج فى رجز ويرمل مسرعًا
فسرح خفيفا يقتضب لنا.. من اجتث من قرب لندرك مطمعًا
والعروض هو «علم أوزان الشعر الموافق أشعار العرب، التى اشتهرت عنهم وصحت بالرواية من الطرق الموثوق بها، وبهذا العلم يعرف المستقيم والمنكسر من أشعار العرب والصحيح من السقيم، والمعتل من السليم». وبحور ثم ماذا؟!
بحور الشعر والعروض باب مغلق لا أفهمه، ومفاتيحه الكثيرة تثير الحيرة والريبة..
المقامات الموسيقية الشرقية باب آخر يحتاج لعمر، ومفاتيحه تقتضى وقتًا وصبرًا، يطاردنى لحن «خى خى، حبيبى قاسى ليه يا خى» كلمة خى غريبة على أذنى، أسمع اللحن بأداءات مختلفة غناء وعزفا، ما الذى يريده منى، ما الذى أبحث عنه فيه؟ لو أننى أستطيع كتابة مقدمته الموسيقية حيث تتحاور فيها الوتريات مع القانون والناى، أستطيع أن أميز صوت الماندولين.. هل يحملها عبدالوهاب كما فعل فى أغنية عاشق الروح؟ من بين المقامات الموسيقية اختار عبدالوهاب مقام الراست ليبدأ به الأغنية مع الانتقال لمقامات الحجاز، البياتى والنهاوند، ليكون الراست هو المقام المسيطر على اللحن، ومقام الراست معنى المستقيم أو الصحيح، وهو سيد المقامات كما يقول أهل العلم فى الموسيقى، ويعتبره البعض المقام الرئيسى فى الموسيقى الشرقية، ويعتبر أكثرها وضوحًا فى الشخصية، وهو من المقامات المفضلة لتلاوة الأذان لما فيه من وقار، وجدية. وقد استخدمه عبدالوهاب أيضًا فى لحن أغنية: «ساعة مابشوفك جنبى».
مقام الراست هل يكون مفتاحى لمعرفة بقية المقامات الموسيقية؟ تتبع أذنى مقام الراست فى أغنياته الشهيرة: أوعدك سعاد محمد، أروح لمين، أنساك، الحب كله، فكرونى أم كلثوم، أشكيك لمين كاظم الساهر،أنا قلبى إليك ميال فايزة أحمد، شكل تانى نجاة.
يقول بعض أصدقائى الشعراء، الشعراء الجدد لا يعرفون الأوزان الخليلية. ويقول بعض أصدقائى الموسيقيين: الموسيقيون الجدد لايعرفون المقامات الموسيقية.
وأنا لا أريد أن أكون شاعرة أو موسيقية، أنا أتدرب فحسب على طرق الأبواب ذات المفاتيح الكثيرة.