طارق هاشم
أنا عمر
خرجت منذ خمسين عاما
من كتاب القراءة العربية الجديدة
إلا أنني سرعان ما اكتشفت
أنني تركت وجه حبيبتي
عالقا بالصفحة الاولى
تركتها تجر عربة الحياة بمفردها
كانت نرجس هي الحائط
الذي نضبط خيالنا عليه
في مدرسة نجيب الريحاني الابتدائية
كانت حين تحل ضفائرها
نذهب إلى الفسحة
على جنبات شعرها الليلي
كانت نرجس لغة الحب
التي منحتنا الدفء ذات صباح بارد
أنا عمر يا نرجس
شقيق اأمل
وابن عمك الذي مات في حرب الاستنزاف
هل تتذكرين الطفل الذي مر أمام منزلكم
منذ خمسين سنة
أنا حبيب الطفولة
الذي أضاع تاريخه
حين لم يبحث عنك
لم يقتف أثر براءتك
التي ما زالت تغرق ذاكرته
بحنان يمكنه أن يمحو القهر
من خرائط الجغرافيا
أعرف يانرجس
أعرف جيدا
أنك لم تضيعي فرصة البحث عني
لسنوات طوال دون جدوى
إلا أنني أعرف أيضا كم تعرفين
أن من ننتظرهم إما يأتون متأخربن
وإما لا يأتون أصلا
أنا عمر
شقيق الزنابق والفراشات
حبيب المطر والأغنيات الطيبة
لست غريبا عن جدول ماء
أطل من عينيك
حين ودعتك على باب الصفحة الأولى
من كتاب القراءة
حين تركت يديك
أدركت يومها أن روحي ضاعت
الطرق خانتني بمعنى الكلمة
الهداهد التي كانت ترقص طربا عندما تراني
أشاحت بوجهها حين شاهدتني
خفت النرجس
واحترقت حكاياتي
خمسون عاما أضاعتني
دون أن أصل إلى شيء
ماذا يصنع الواحد منا يانرجس
حين يفقد روحه في الطريق
حين تصبح كلمة أحبك جريمة
يعاقب عليها القانون
حين نخرج من كتب القراءة بلا يدين
أو جناح يساعدنا على الطيران
تجاوزت الخمسين يا ابنة عمي ومازلت اشعر بالعجز
لأنني لا يمكنني ببساطة
أن أغيب في حضنك دون شرط
فالرقابة بالباب
ودموعي على الحافة
في انتظار أن تمطر